ارشيف من : 2005-2008
الموقف الأميركي من أزمة الكردستاني التركي.. بين التناقض والغموض
بغداد ـ عادل الجبوري
تضمنت القائمة التي احتوى عليها التقرير السنوي لوزارة الخارجية الاميركية لعام 2006 حول الارهاب في العالم، اثنتين وأربعين منظمة صنفت على انها ارهابية، وخلت القائمة من حزب العمال الكردستاني التركي الذي تسبب مرة أخرى بإشعال فتيل ازمة قديمة جديدة بين العراق وتركيا، تبدو هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، او ربما يراد لها ان تكون هكذا، واحتوت القائمة على اسم منظمة ما يسمى بـ(مجاهدي خلق) الايرانية المعارضة، وكان ترتيبها السابع والعشرين!. هذا ما هو معلن على الملأ، وطبيعي انه في عوالم السياسة ليس بالضرورة ان يكون ما هو معلن هو ذاته ما هو مضمر.
التناقض والغموض في الموقف الاميركي بشأن ازمة حزب العمال الكردستاني التركي التي القت بظلالها على المشهد السياسي العراقي بالدرجة الاساس خلال الاسبوعين المنصرمين، اثار جملة استفهامات حول حقيقة ما يجري، والدور الاميركي فيه.
وقد يبدو من الصعب على المراقب والمتابع الخروج بتصور واضح عن الرؤية والموقف الاميركي حيال الازمة، يمكن الانطلاق منه لرسم صورة كلية عن المسارات والاتجاهات المحتملة، باعتبار ان واشنطن تعد اللاعب الابرز والاكثر حضورا وتأثيرا في الساحة العراقية، وفي النهاية فإن قواعد حزب العمال الرئيسية موجودة في العراق، وهي ليست في منطقة جبال قنديل الوعرة فقط، بل ان البعض منها متمركز في مناطق جنوب اقليم كردستان وخاضعة لسلطة الاقليم، كما هو الحال في معسكر الحزب الواقع في قضاء مخمور التابع لمحافظة اربيل عاصمة اقليم كردستان.

والمعروف ان كل مناطق العراق بما فيها مناطق الاقليم الشمالي خاضعة لسيطرة وتحكّم القوات الاميركية او قوات اخرى ضمن القوات المتعددة الجنسيات، وهي تابعة في النهاية للقيادة المركزية الاميركية، والقول بعدم تمكن الولايات المتحدة من طرد ـ او بأدنى تقدير ـ تحييد وتوجيه حزب العمال الكردستاني التركي، لا يمكن لمثل ذلك القول او الادعاء الصمود امام معطيات وحقائق ماثلة على الارض، وواشنطن مثلما وضعت اليد على منظمة ما يسمى بمجاهدي خلق الايرانية الموجودة في العراق، والمتمركزة في معسكر اشرف بمحافظة ديالى، ووفرت لقيادات وعناصر ذلك التنظيم الحماية الامنية اللازمة، وباتت ورقة تتصرف بها كما تشاء وتلوح لطهران بها في بعض الاحيان، فإن الامر لا يختلف الا قليلا ـ اذا كان هناك اختلافات ـ مع حزب العمال الكردستاني.
قد لا تستطيع القوات الاميركية بالفعل الوصول الى اوكار وقواعد الحزب في سلسلة جبال قنديل قرب الحدود العراقية ـ التركية، بيد انها بالتأكيد قادرة على ان تتصرف بمعسكرات وقواعد حزب العمال في مخمور ان هي ارادت ذلك. وما يعزز عدم رغبة ونية واشنطن فتح جبهة مباشرة مع حزب العمال هو التصريحات التي ادلى كبير القادة العسكريين الاميركيين في شمال العراق الجنرال بنجامين ميكسون من ان الجيش الاميركي لا ينوي ان يقوم بأي شيء على الاطلاق ضد متمردي حزب العمال الكردستاني، باعتبار ان محافظات شمال العراق الثلاث تقع تحت سلطة حكومة اقليم كردستان العراق".
الى جانب ذلك فإن هناك اشارات من بعض الزعماء الاكراد العراقيين تعكس مواقف اميركية، منها ما قاله الرئيس العراقي وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني من ان أميركا لا تسمح للقوات التركية بأن تهاجم الأراضي العراقية وإقليم كردستان، ولقد حثت اميركا مرارا وتكرارا على ضبط النفس، وانها لن تقبل بأن تدخل القوات التركية مناطق آهلة بالسكان".
في ذات الوقت اشار وزير الحرب الاميركي روبرت غيتس الى استعداد واشنطن للقيام ـ مع العراقيين ـ بما وصفه بـ"الإجراء المناسب ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني إذا توافر مزيد من المعلومات".
في مقابل ذلك فإن هناك مؤشرات، وهناك معطيات من خلف الكواليس ومن داخل اروقة سياسية في بغداد وعواصم اخرى عن تشجيع ضمني او حتى غير ضمني من قبل واشنطن لأنقرة للقيام بعمل عسكري واسع في شمال العراق الهدف الأساس منه ليس القضاء على حزب العمال الكردستاني، بل تقف وراءه اهداف اخرى ابعد من ذلك، ترتبط بتعديل موازين القوى السياسية في المنطقة.
فالقلق الكردي الكبير والواضح من عمل عسكري تقوم به انقرة في شمال العراق هذه المرة يعكس وجود جدية بذلك، ويعكس ادراكا كرديا عراقيا بأن واشنطن سوف تعطي الضوء الاخضر لانقرة للقيام بذلك. وطبيعي لو ان الاكراد كانوا قد حصلوا على ضمانات من قبل الولايات المتحدة الاميركية بعدم السماح لتركيا بتنفيذ تهديداتها لما ظهر عليهم كل ذلك القلق والارتباك.
واذا عرفنا ان تركيا تعد ابرز حليف استراتيجي للولايات المتحدة الاميركية بعد الكيان الصهيوني في المنطقة بوجود حزب العدالة او أي حزب اخر ذي توجه علماني، وانها تمتلك ثاني اكبر عدد من القوات العسكرية في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة، وان الاخيرة تحتاجها في جوانب متعددة طالما بقيت قواتها موجودة في العراق، بل وحتى بعد مغادرتها له بعد عام او عامين او ثلاثة او اكثر، فيمكن حينذاك تصور حقيقة الموقف الاميركي.
هذا من جانب، ومن جانب اخر يردد بعض السياسيين بهمس ان واشنطن غير مرتاحة للضغوط الكردية لحسم موضوع كركوك ومساعيهم لضمها الى اقليم كردستان، وهذا ما لا تريده واشنطن وما ترفضه انقرة رفضا قاطعا، بل وتؤكد انه يمثل خطا احمر بالنسبة لها، لذلك فإنه لا يستبعد ان تبحث واشنطن عن ازمة تشغل بها اكراد العراق وتضعفهم وتشعرهم بحجمهم الحقيقي وسط بيئة سياسية معقدة وصعبة.
وينبغي هنا الإشارة إلى أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.اي.ايه) كانت قد لعبت دورا مهما وفاعلا في مساعدة تركيا في القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني التركي السابق عبد الله اوجلان عام 1999، والمحتجز الآن في جزيرة امرالي التركية وسط بحر ايجه.
وكذلك ينبغي الاشارة الى الصفقة التي ابرمت في عام 1975 بين بغداد وطهران وبرعاية اميركية واشراف مباشر من قبل وزير الخارجية الاميركي الاسبق هنري كيسنجر، والتي تم بموجبها تحويل الانتصار الكردي بزعامة الملا مصطفى البارزاني على حكومة بغداد الى مأساة حقيقية للاكراد.
واذا لم تكن هناك مؤشرات على تدخل عسكري اميركي مباشر في أي عمل تنفذه انقرة في شمال العراق، فإن المؤشرات الى تأمين وتوفير دعم لوجيستي واستخباراتي لها غير قليلة، وما تحتاجه انقرة ليس سوى ضوء اخضر من واشنطن، وهذا ربما يحصل في لقاء رئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردغان مع الرئيس الاميركي جورج بوش في البيت الابيض في الخامس من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ولا يستبعد من انها قد تكون حصلت عليه فعليا، لكنها ترى ان الامور لا تستوجب العجلة وان الطبخة لا بد ان تستوي على نار هادئة، وان كان الضجيج حولها غير قليل.
الانتقاد/ العدد1239 ـ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018