ارشيف من : 2005-2008
أميركا: المزيد من الحرائق
نحو ألفي منزل احترقت وعشرة أضعافها كانت حتى مطلع الأسبوع الحالي لا تزال مهددة بالاحتراق.. ومئتا ألف هكتار من الأراضي الحرجية احترقت بدورها، وتلبد الهواء بغيوم كثيفة من الدخان الذي أكدت السلطات أنه يحتوي على نسبة عالية من الغازات السامة.. وتراوح عدد الضحايا من البشر بين سبعة وعشرة أشخاص، في حين وصلت حالات الاحتراق الجزئي إلى أربع وستين حالة، بينها عدد من الحالات الخطرة. كما تسببت الحرائق في تحول آلاف الأشخاص إلى عاطلين عن العمل، ونزوح ما يتراوح بين خمسمئة ألف ومليون شخص عن أماكن سكنهم، وانقطاع المياه والكهرباء عن مناطق عديدة في الولاية. ذلك هو الوضع الذي تعيشه ولاية كاليفورنيا الواقعة في الطرف الغربي من الولايات المتحدة الأميركية منذ الأحد ما قبل الماضي، والذي يتوقع أن يستمر حتى الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، الموعد الذي من المنتظر أن تتمكن فيه السلطات إذا ما سمحت بذلك الأحوال الجوية، من إخماد ثلاثة وعشرين حريقاً اندلعت دفعة واحدة في مناطق امتدت حول لوس أنجلوس وغطت مساحة بطول 260 كيلومتراً وعرض 100 كيلومتر. وكانت مناطق أميركية أخرى قد نالت حصتها من الحرائق خلال الصيف الماضي في الموجة التي ضربت عدا أميركا، إيطاليا واليونان والبرتغال ولبنان. لكن كاليفورنيا عادت ونالت ـ شأن لبنان ـ حصة تضاف إلى الحرائق التي ضربتها في أواخر العام 2003، حيث قتل 22 شخصاً، عدا احتراق ثلاثة آلاف منزل وثلاثة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية.
وأفادت بعض التقارير أن سبب الحرائق هو سقوط أسلاك كهربائية اقتلعتها الرياح. لكن تقارير أخرى أكدت أن الحرائق مفتعلة وأن خمسة أشخاص قد اعتقلوا، وأن مكافأة مالية بقيمة 250 ألف دولار قد خُصصت لمن يدلي بمعلومات حول شخص سادس، وأن تحقيقات تجري في عمليات نصب على شركات التأمين، دون استبعاد احتمال صلة الحرائق بمساعي أصحاب الأراضي الحرجية للتخلص من الأحراج لتحويل العقارات إلى أراض صالحة للاستخدام في البناء وتحصيل الثروات. على ذلك تكون الحرائق المفتعلة، سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة أو أوروبا أو لبنان، نوعاً من الفوضى البناءة التي لا تختلف عن الفوضى البناءة السياسية التي يبشر بها الرئيس بوش، والهادفة إلى تحقيق المصالح عبر التخريب، في ظل الدمار الشامل الذي تتعرض له القيم التقليدية أمام زحف القيم الجديدة المتمثلة بالرقص البشري المجنون حول العجل الذهبي، ذلك الوثن الذي تسجل عبادته أرقاماً قياسية في ظل انتصار مبادئ الرأسمالية وحرية الاستثمار المطلقة التي تشكل جوهر الليبرالية المتوحشة على المستوى الاقتصادي. إن الحرائق المفتعلة هي من عائلة السلوك الهادف إلى تدمير بلد أو عدة قارات لأسباب منها تنفيع أرباب صناعات الماء. ومن عائلة السلوك الهادف إلى تدمير الإنتاج الزراعي والصناعي في هذا البلد بهدف تحويله إلى سوق استهلاكية، أو إلى تسميم مصادر المياه لترويج الاتجار بالماء، أو إلى تخريب قطاع الكهرباء لإفساح المجال أمام الربح عبر بيع الكهرباء بوسائل أخرى، أو إلى تدمير صحة الناس لمصلحة صناعة الطب والأدوية، أو افتعال الأزمات والحروب لترويج تجارة السلاح.. وكل ذلك ضمن إطار فلتان شامل يستفيد فيه أصحاب المقدرة السياسية والمالية من حالة انعدام الحيلة التي أصبح الجنس البشري أسيراً لها في ظروف الاستسلام الشامل لأنماط العيش الجديدة، أو حتى في ظروف الرغبة الجامحة عند الجميع للّحاق بقطارها السريع الموشك على التدهور. وإذا كانت الحرية تسمح بكل ذلك فإن السلوك البشري المتمثل باعتماد أنماط العيش الجديدة هو المسؤول، من خلال افتعال الحرائق التي تلتهم الغابات أو إشعال مليارات الحرائق داخل محركات الآلات والأجهزة الحضارية، عن هذا الدمار الشامل المتمثل بالانحباس الحراري وما ينشأ عنه من فيضانات وأعاصير وجفاف وتصحر وإبادة للأنواع النباتية والحيوانية.. على طريق الفوضى الشاملة البناءة على المدى القريب بالنسبة الى قلة قليلة من البشر، والمدمرة على المديين القريب والبعيد بالنسبة الى الجميع بلا استثناء.
ع.ح
الانتقاد/ العدد1239 ـ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018