ارشيف من : 2005-2008

يراقب تحرّكات المعارضة وينسى وظيفته الرئيسية في حماية اللبنانيين

يراقب تحرّكات المعارضة وينسى وظيفته الرئيسية في حماية اللبنانيين

لا يمرّ يوم من عمر الجمهورية اللبنانية في عهد "الشباطيين" إلاّ ويتألّق "فرع المعلومات" في قوى الأمن الداخلي في تحطيم الأرقام القياسية المسجّلة باسمه في الأيام الخوالي، لجهة انحيازه الكلّي لهؤلاء الذين يريدونه أداة بيدهم وموظّفاً لديهم وعاملاً بإمرتهم ولمصلحتهم، حتّى يحسب من يراقب أعماله وإنجازاته أنّه صار دولة ضمن الدولة، بينما القانون يفرض عليه أن يكون في خدمة الدولة للسهر على أمنها وسلامتها وحماية شعبها الذي يدفع له رواتبه الشهرية، فهو جهاز أمني للعمل تحت جناح الدولة وليس فوقها على حدّ تأكيد قيادات سياسية في المعارضة.
ومنذ أن أعيد الضابط وسام الحسن إلى سلك قوى الأمن الداخلي خلافاً للقانون بعد استقالته منه فور استقالة حكومة الرئيس رفيق الحريري الأخيرة في العام 2004، وتسليمه دفّة مسؤولية هذا الفرع الذي أريد تحويله ـ خلافاً للقانون أيضاً ـ إلى شعبة، أيّ بمثابة مديرية على غرار مديرية المخابرات في الجيش اللبناني برغم اختلاف تركيبة كلّ واحد منهما، وهذا الفرع منشغل عن هموم الوطن وشعبه، فلم يستطع إمساك خيط واحد في أيّ جريمة اغتيال وقعت ضد شخصيات سياسية من الفريق السياسي الذي يتبع له حصرياً، من دون أن يكون ولاؤه للوطن برمّته، ومن دون أن يكون واقفاً على مسافة واحدة من الجميع، فلا ينحاز للموالاة ولا ينصاع للمعارضة، بل يميل للحقّ والحقيقة.
كما أنّ "فرع المعلومات" لم يتمكّن من التوصّل إلى معلومة واحدة عن أيّ عملية تفجير استهدفت الناس في سلامتهم وأرزاقهم، واكتفى بالتفرّج عليها والحضور إلى مكان حصولها لتدوين مشاهداته وانطباعاته التي تنقلها وسائل الإعلام المرئية مباشرة! حتّى أنّ هذا الحضور لا يعدو كونه "همروجة" صورية سرعان ما تضمحلّ وتذوب وتبقى آلام المواطن راسخة في البال.
ويكتفي "فرع المعلومات" بتنفيذ استنابات قضائية لمعرفة الضالعين المجهولين في التفجير، ولكنّ الحظّ يخالفه دائماً في كشف النقاب عن الجهات الفاعلة أو المتورّطة، والدليل أنّ القضاء يعيد تحريك الملفّات الموجودة بحوزته يميناً ويساراً بانتظار معلومة واحدة تساعده في مهمّته الشائكة، ولكن من دون فائدة تُرتجى.
وهناك شواهد كثيرة على عدم التزام "فرع المعلومات" بالموضوعية المطلوبة من أيّ جهاز أمني آخر، وتشير بما لا يقبل الشكّ إلى سيره خلف فريق الموالاة وانحيازه إليه وتغاضيه عن أفعال مؤيّديه وتصرّفات مناصريه، مثل تجاهله الظهور المسلّح العلني لمناصري ميشال رينيه معوّض الذي سارع إلى تدارك انفضاح أمر دخوله "نادي الميليشيات"، فزعم بأنّ الصور الملتقطة في مخيّمه "التثقيفي والرياضي" في حرج إهدن لا تعدو كونها لبعض الشباب الذين استعاروا السلاح من حرّاسه وحرّاس النائب جواد بولس، كما ورد في إخباره المقدّم للنيابة العامة التمييزية، علماً بأنّ هناك في المعارضة من يعتبر هذا الإخبار إدانة أكثر منه تبرئة.
فلماذا لم يبادر "فرع المعلومات" الذي يصرّ في تقاريره السرّيّة على إظهار مواهبه في مراقبة المعارضة في جميع تحرّكاتها وتنقّلاتها وإحصاء أنفاسها، إلى وضع هذا المخيّم تحت الرقابة الشديدة وضبط السلاح الموجود فيه ومصادرته، أم أنّه غير متخصّص إلاّ في التشهير بأنصار المعارضة كما فعل عندما اقتحم على عدد من المتنزّهين من أنصار "التيّار الوطني الحرّ" حفلة الشواء التي كانوا يعدّونها في رحاب الطبيعة الخلاّبة في حرج بلدة جاج في قضاء جبيل؟
مراقبة حردان
ولا يكتفي هذا الفرع بقلب الحقائق، بل إنّه يلاحق مواكب شخصيات في المعارضة كظلّها، ويندسّ في الاحتفالات العلنية التي تقيمها أمام جماهيرها، ويسترسل في تصوير حضورها حتّى لو في المآتم والجنائز.. ويذكر بالتفصيل المملّ حركتها وعدد السيّارات الموجودة في موكبها بما يعرّضها للخطر الشديد، كما فعل مع موكب النائب أسعد حردان الذي حضر إلى بلدة ددة في قضاء الكورة يوم الثلاثاء 9 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2007، للمشاركة في جنازة الأديب والمحامي والأمين في الحزب السوري القومي الاجتماعي عبد الله قبرصي، حيث قال هذا الفرع في تقريره السرّي تحت عنوان "ظهور مسلّح" ما حرفيته: "أثناء إقامة الجنّاز ومراسم الدفن في كنيسة مار إلياس حضر النائب أسعد حردان بموكب مؤلّف من ثلاث سيّارات، الأولى من نوع "جيب باثفندر" والثانية من نوع "جيب هوندا" والثالثة من نوع "مرسيدس"، حيث ترجّل من الموكب سبعة مرافقين بحوزتهم أسلحة حربية نوع "كلاشينكوف" وجعب عسكرية وانتشروا في باحة الكنيسة المذكورة".
ألا يعني هذا إفشاءً لمعلومات مهمة عن نائب ومسؤول كبير في حزب تاريخي ومعروف في صفوف المعارضة؟ ألا يعني ذكر هذه التفاصيل الخطيرة والمتعلّقة بأمن حردان الخاص توفير إرشادات دقيقة لأيّ جهاز أمني أجنبي يريد بلبنان شرّاً، بحيث يستفيد من هذه المعلومات ويحقّق من خلالها هدفاً ربما كان من الصعب عليه الوصول إليه؟ وأكثر مما تقدّم ألا يجدر بـ"فرع المعلومات" تأمين حماية هذا النائب وسواه من الشخصيات في المعارضة من الأخطار المحدقة بهم، والتعاون في سبيل رصد أيّ حركة قد يُستشعر منها الأذية وإثارة البلبلة؟ وماذا يسمّي "فرع المعلومات" المربّعات الأمنية التي يختبئ فيها سياسيون "شباطيون" وفيها الكثير من الانتشار المسلّح والتضييق على المواطنين؟ وهل هي منتزهات سياحية؟!
إحراق مجسّم القدس
وماذا فعل "فرع المعلومات" بالأشخاص الذين قاموا عن سابق تصوّر وتصميم بإحراق مجسّم ونصب القدس القائم في محلّة خلدة التي سبق لها أن أذاقت العدوّ الإسرائيلي مرارة العلقم في اجتياح بيروت العام 1982، وهم معروفون بالأسماء وبالانتماء الحزبي؟ ألا يشكّل هذا التخريب المتعمّد والاستفزاز المقصود إساءة لمشاعر شريحة واسعة من اللبنانيين بقصد إشعال الفتنة بينهم؟ فضلاً عن أنّه صورة مصغّرة عن محاولات معظم "الشباطيين"، ولا سيّما وليد جنبلاط، إلحاق لبنان بركب التطبيع مع العدو الإسرائيلي بدعم ظاهر وتسهيل واضح من الولايات المتحدة الأميركية؟
وماذا فعل "فرع المعلومات" إزاء الاعتداءات التي تقترفها عناصر ميليشيا جنبلاط في الجبل؟ وعمليات التسلّح الظاهرة بوضوح لدى عناصر ميليشيا "المستقبل" في أحياء معروفة من بيروت وإقليم الخروب والبقاع الأوسط؟ ولماذا يقف مكتوف الأيدي إزاء هذه المظاهر البشعة والضاربة بالقانون عرض الحائط، أم أنّه مكلّف فقط بالإمساك بكلّ شخص سوري الجنسية أو من التابعية الفلسطينية ووصفه بالمشتبه به لمجرّد مروره قرب منزل عدد من المحظيين "الشباطيين"، كما كتب في تقاريره في غير محطة ومناسبة؟
لقد استقال "فرع المعلومات" من مهامه الأساسية منذ أنْ صنّف نفسه طرفاً ضدّ فريق كبير من اللبنانيين، ومن يتخلّ عن وظيفته ويتعمّد التحيّز يفقد ثقة الناس به. وهكذا صار مآل العلاقة بين هذا الفرع والسواد الأعظم من اللبنانيين، ما يقتضي إقفاله وإلغاءه أو تصحيح مساره وإعادته إلى صوابه، حرصاً على سمعة مؤسّسة قوى الأمن الداخلي التي لطالما عرفت بأنّها لكلّ اللبنانيين مهما باعدت السياسة بينهم.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1239 ـ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2007

2007-11-02