ارشيف من : 2005-2008
تشريع الحلال والحرام في الدين لصيانة الإيمان والأخلاق
لعقوبة الله في الآخرة، فضلاً عن عقوبة الدنيا أيضا.
والحلال والحرام معروفان في كل أمة منذ بدء الخليقة مع آدم(ع)، وإن اختلفوا في مقدار المحرمات وفي نوعها، وفي أسبابها.
ثم جاءت الأديان السماوية الكبرى بتشريعات ووصاياها عن الحلال والحرام فارتفعت بالإنسان إلى مستوى إنساني أكبر، ولكنها كانت في بعض ما أحلت وحرمت مناسبة لعصرها وبيئتها، متطورة بتطور الإنسان، وتغير الأحوال والأزمان. فكان في اليهودية مثلا محرمات موقّتة عاقب الله بها بني إسرائيل على بغيهم، فلم تكن تشريعا قصد به الخلود ولهذا ذكر القرآن قول المسيح لبني إسرائيل: "ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم". آل عمران:50.
فلما جاء الإسلام كانت البشرية قد بلغت أشدها، وصلحت لأن ينزل الله عليها رسالته الأخيرة، فختم تشريعه للبشر بشريعة الإسلام الخالدة.
مبدأ الحلال والحرام تشريع قائم على أساس تحقيق الخير للبشر، وذلك بدرء المفسدة عنهم وجلب المصلحة لهم؛ مصلحة الإنسان بجميع أبعاده: جسمه وروحه وعقله. كل ذلك بغير عسر أو عَنَت أو حرج.
عدا قضية احتواء كل حكم على مصلحه أو مفسده، هناك أمر آخر انطوى عليه مبدأ الحلال والحرام شامل لكل أحكام التحليل والتحريم. ونستطيع أن نسمّيه "منطق الحلال والحرام" في الدين، ويقوم على صيانة كرامة الإنسان المتمثلة بكونه خليفة الله على الأرض. بتعبير آخر نظام الحلال والحرام يصون مسيرة تكامل الإنسان بصيانة إيمانه وأخلاقه. وذلك من خلال المحافظة على عدم ذوبان الإنسان وضياعه في العالم المادي المحيط به.
ويوحي إلى هذه الصيانة، التعبير بالطيبات والخبائث عن الحلال والحرام.
فالإنسان إذا حاول أن يلبي حاجات جسده، أو ينجرف مع عواطفه دون تردد، فسوف يكون متأثراً بالعالم لا مؤثراً فيه. ولن يتمكن من أن يكون قائداً للكون، ولا خليفة لله في الأرض، إذ يصبح منقاداً ذائباً فيها.
أما رعاية الحلال والحرام، فتحفظ استقلالية الإنسان، وتجعله مترفعاً عن الذوبان مصوناً من الضياع، حيث لا يكفي لتلبية الحاجة مجرد الحاجة، بل أن تكون حلالاً أيضاً.
ذلك أن صيانة الإيمان والمحافظة على الأخلاق الحسنة، أمران غير ممكنين، لمن لا يرتبط في عمله الخارجي بخطة تتناسب مع الإيمان والأخلاق المذكورين.
الإنسان من جهة كونه موجوداً واحداً لا موجودات متعددة، لا يتمكن من أن يعزل روحه عن تأثيرات جسده، أو يمنع جسمه من التفاعل مع روحه؟ وبالتالي فالإيمان والأخلاق اللذان هما من أفعال النفس وصفاتها، لا يمكن إبعادهما عن تأثيرات أعمال الجسد.
إن التفاعل بين جوانب وجود الإنسان أمر بديهي، ولهذا، ولأجل صيانة الإيمان والأخلاق، لا بد للإنسان من أن يتقيد بعمله، وأن يرتبط برباط يتناسب مع الصيانة الروحية المذكورة والقرآن الكريم، يؤكد هذا التفاعل، ويعلن أن ممارسة الأعمال السيئة تنـزع الإيمان من القلب: "ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوء أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون" [الروم/10].
وليس من المعقول أيضاً أن يعيش الإنسان في مجتمع يناقض الخط الذي يسلكه في عمله، ويتنافى مع إيمانه وأخلاقه، ثم لا ينفعل بذاك المجتمع؟!
إن الإنسان في تكوينه، في حياته، في حاجاته، في وعيه، في تفكيره، وفي جميع جوانب حياته... الإنسان في جميع ذلك، موجود اجتماعي يتفاعل مع مجتمعه الذي يعيش فيه. فلا يمكنه إذاً أن يعزل إيمانه وأخلاقه وأعماله الشخصية عن تفاعلات مجتمعه.
ولهذا فقد أكد الإسلام، على لزوم إيجاد مجتمع يتناسب مع الإيمان والأخلاق، والأعمال الصالحة، وأعلن بصراحة: "ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع".
لاحظ كلمة "ما آمن"، التي تنبه إلى التناقض الذي يراه الإسلام بين الإيمان وبين سوء الوضع الاجتماعي الذي يوجب هذه الظاهرة، والقرآن يؤكد هذا المبدأ: "أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدعُّ اليتيم * ولا يحضُّ على طعام المسكين"[الماعون/301].
وعلى هذا الأساس، نجد أن الإسلام، الذي يؤكد نبيه "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، يحاول لأجل هذه الغاية أن يتدخل في الحياة العملية للإنسان، ثم في الحياة الاجتماعية، فيضع للأول مبدأ الحلال والحرام على المستويين الفردي والإجتماعي.
الانتقاد/ العدد1239 ـ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018