ارشيف من : 2005-2008
الخيارات التصعيدية دونها عقبات فهل تبقى أبواب التسويات مفتوحة؟
كتب مصطفى الحاج علي
لم تشكل كل التحركات والاتصالات واللقاءات المكثفة داخلياً وخارجياً قوة دفع كافية لنقل قطار الاستحقاق الرئاسي نحو محطته الدستورية الايجابية، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول ما إذا كان هناك إمكانيات متاحة بالفعل لإنجاز توافق ما في ما تبقى من مهلة دستورية، وخصوصاً، أن ما يطلق من تصريحات، وما يرشح من معلومات، ويُتداول من معطيات، ويُتبادل من رسائل مباشرة وغير مباشرة، يكاد يقول إن الأوان قد فات، ولم يعد في البين إلا ما لم بد منه.
إلا أن حسم الأمور على هذه الشاكلة يحتاج إلى فحص أعمق، وتدقيق أشمل في مجمل المشهد السياسي بكل أبعاده واتجاهاته.
وفي هذا الإطار، يمكن ملاحظة التالي:
أولاً: إن الاستحقاق الرئاسي في لبنان يخرج عن كونه استحقاقاً عادياً إلى كونه اليوم يكاد يختصر مجمل عناصر الأزمة اللبنانية، وتشابك القوى الفاعلة والمؤثرة فيها داخلياً وخارجياً.
ثانياً: إن لبنان هو اليوم بالنسبة إلى واشنطن بمثابة خط الدفاع المتقدم عن مشروعها في المنطقة، ووظيفة الدفاع هذه يؤديها فريقها المعنون باسم 14 شباط، هذا الفريق الذي ربط عضوياً مصيره السياسي موقعاً ودوراً بهذه الوسيطة.
ثالثاً: لا يبدو أن واشنطن راغبة حتى الآن في القيام بتسويات شاملة ترى أن ظروفها وشروطها لم تنضج على الأقل، هذا مع فرض أن هكذا رغبة موجودة لديها أصلاً.
رابعاً: كل المواقف الأميركية الأخيرة يمكن عدها متعارضة تعكس حيرة وارتباكاً، كما يمكن عدها مناورة تتوسل الغموض احتفاظاً بعامل المفاجأة من جهة، وبإبقاء اللعبة مفتوحة على كل الاحتمالات من جهة أخرى، فرايس ـ مثلاً ـ ترفع السقف إلى الحد الأقصى معلنة وبحزم رفض التسويات، ومصرة على رئيس من لون أميركي فاقع، أما زلماي خليل زاده فيشيع لانتخابات بالنصف زائد واحد، ومن جهته ديفيد ولش يعلن أن واشنطن تفضل التوافق، ولا تحبذ انتخابات بالنصف زائد واحد، وأما السفير الأميركي في بيروت، فيكاد يجمع في مواقفه المعلنة وغير المعلنة كل المواقف السابقة، ويزيد عليها أن واشنطن ستخضع موقفها الأخير للظروف.
خامساً: باريس المتحمسة للتوافق لاعتبارات معروفة لا تعرف كيف تحققه، حيث تبدو حائرة بين مسلتزمات هذا التوافق الاقليمية والداخلية، وما تريده واشنطن، الأمر الذي دفع مؤخراً وزير الخارجية الفرنسي للقول صراحة بأن هناك خلافات تظهر بين الحين والآخر بين واشنطن وباريس حول طريقة مقاربتها للاستحقاق الرئاسي، هذه المقاربة التي يتوقع ان تحسم في لقاء واشنطن الذي سيجمع بوش وساركوزي في قمة مشتركة.
سادساً: الغياب العربي المعني بالاستحقاق مغيب، خصوصاً الدور السعودي، هذا الغياب الذي لا يمكن قراءته إلا كمؤشر سلبي، وإلا لو كان هناك أمر ايجابي لتقدمت الرياض إلى الواجهة لقطف الثمن.
سابعاً: لم يتمكن لقاء عون ـ الحريري من إحداث أي خرق داخلي في الاستحقاق الرئاسي، وما رشح من معلومات حول اللقاء، وما واكبه من مواقف ورسائل، يظهر بوضوح أن هدف فريق الموالاة لم يكن الاستحقاق، بقدر ما كان ممارسة ضغوط سياسية ومعنوية على عون تدفعه للقيام بإجراء عملية تموضع سياسية، وهذا ما عبّر عنه جنبلاط صراحة، وبقدر ما يستهدفه تحويل فشل اللقاء إلى مبرر ودافع للذهاب إلى الانتخابات بنصاب النصف زائد واحد.
ثامناً: الكثير من المعطيات الصحفية كشفت بوضوح عن انشغال اميركي ـ فرنسي ومن قبل فريق الموالاة أيضاً بتحديد الاجراءات التي سيتخذها رئيس الجمهورية في ما لو لم يتم التوافق، وكذلك بردود الفعل التي ستقوم بها المعارضة.
تاسعاً: لم تتوقف تصريحات وتلميحات فريق السلطة عن الاشارة إلى نيتها الذهاب إلى الانتخابات بنصاب النصف زائد واحد، والى اعتبارها ان الجلسات ستكون مفتوحة ولا تستلزم دعوة رئيس المجلس بعد الرابع عشر من تشرين الثاني.
عاشراً: بدت دعوة جنبلاط لأعضاء في الكونغرس، ولشخصيات تمثل أحزاباً سياسية في أوروبا، للعب دور الشهود في عملية انتخاب رئيس بنصاب النصف زائد واحد مؤشرا اضافيا على توجهات هذا الفريق.
حادي عشر: من نافل القول، ان لا نية محسومة بعد لدى البطرك في المشاركة في لعبة الأسماء، وهو ما زال يصرّ على التوافق ونصاب الثلثين.
كل ما تقدم، وغيره من الوقائع الكاشفة عن ضغوط وضغوط مضادة، يقود إلى الاستنتاجات الرئيسية التالية:
أولاً: يبدو أن استعداد واشنطن وفريقها لاعتماد انتخاب رئيس كيفما كان كبير، الا أن دون ذلك عقبات ليس أقلها موقف البطرك، والخشية الفرنسية من تداعيات هكذا خطوة، اضافة إلى المعمعة التي سيدخل فيها فريق الموالاة حين مواجهة حسم اسم الرئيس المقبل، ولا سيما أن جعجع ما زال يطرح اسمه مرشحَ تحدّ.
ثانياً: إن الخيار الآخر لواشنطن يتمثل بترك كرسي الرئاسة شاغراً لمصلحة رجلها الموثوق في لبنان فؤاد السنيورة، إلا أن هذا بدوره دون الموقف المسيحي عموماً، وتأثيراته السلبية على مسيحيي السلطة.
ثالثاً: ان الصعوبات الآنفة والتوازنات الدقيقة في موازين القوى المتنوعة من شأنها أن تبقي باب التسويات، أو الحلول الانتقالية مفتوحاً، أو باب التفاهم الدولي ـ الاقليمي على تنظيم عدم التوافق بما لا يؤدي إلى تصادم لا تطلبه واشنطن في هذه المرحلة لأنه لن يكون لمصلحتها ومصلحة فريقها، ولأنها ترغب في شراء الوقت، في سياق إعادة ترتيب أوضاعها العامة في المنطقة.
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018