ارشيف من : 2005-2008

الاستحقاق الرئاسي: سباق بين التوافق والصدام

الاستحقاق الرئاسي: سباق بين التوافق والصدام

ثلاثة أيام تفصل عن الجلسة الرئاسية المقررة يوم الاثنين المقبل في الثاني عشر من تشرين الثاني الجاري من دون أن يتغير مشهد "التشاؤم" حول امكانية التوصل إلى توافق على انتخاب رئيس للجمهورية خلال هذه الجلسة، وعليه بات من المؤكد أن الجلسة ستُرجأ يومين، أي إلى مطلع الأيام العشرة الأخيرة التي "سيداوم خلالها رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر المجلس النيابي ويدعو الى جلسات يومية حتى الرابع والعشرين من الشهر، كي يسد الطريق على "المعاصي الدستورية" التي ربما يلجأ اليها فريق السلطة مدعوماً من الولايات المتحدة لانتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائد واحد.
ومع تسارع "ذوبان" أيام المهلة الدستورية ووصولها إلى مقربة من النهاية، كانت الصورة لا تزال غامضة حول مصير الاستحقاق الرئاسي، فهل يتجه نحو التوافق على مرشح وسطي في الربع الساعة الأخير من المهلة الدستورية؟ أم يكمل الأميركي في خيار الانتخاب بالنصف زائد واحد؟ وإذا تعذر فخيار الفراغ.. لتسليم صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى الحكومة اللاشرعية برئاسة فؤاد السنيورة؟
بحسب المصادر المتابعة فإن ترجيح أي من خياري "التوافق" أو "الصدام" لم تعكسها المحطات الإقليمية والدولية التي حصلت خلال الأسبوع المنصرم، من مؤتمر اسطنبول الذي تحول من الاهتمام بوضع العراق إلى التركيز على الشأن اللبناني، إلى قمة الرئيسين الأميركي جورج بوش والفرنسي نيكولا ساركوزي في  واشنطن، وبينهما زيارة الموفدين الرئاسيين الفرنسيين إلى دمشق.
بعض الأوساط المتابعة ترى أن واشنطن قد حسمت خيارها بالذهاب نحو الفراغ الرئاسي مستندة إلى العديد من المعطيات، منها:
أولاً: تصريح وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس من الطائرة التي كانت تقلها إلى مؤتمر اسطنبول الأسبوع الماضي، الذي أعلنت فيه رفضها أي توافق رئاسي بين المعارضة وفريق السلطة. وهي بذلك قطعت الطريق على إكمال اللقاءات التي حصلت بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون ورئيس كتلة المستقبل في باريس.
ثانياً: "البيان الأميركي" الذي صدر على هامش مؤتمر اسطنبول و"بصم" عليه وزراء خارجية العديد من الدول العربية التي تدور في فلك السياسة الأميركية في المنطقة.
ثالثاً: موقف مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة زلماي خليل زاد الذي زعم فيه أن الدستور اللبناني يجيز الانتخاب بالأغلبية العادية لرئيس الجمهورية.
رابعاً: الموقف المستجد لأحد مرشحي فريق السلطة النائب بطرس حرب، الذي بدا أنه موحى به من قبل السفير الأميركي جيفري فيلتمان بإمكان اللجوء إلى انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد في قصر بيت الدين.
لكن في مقابل هذه القراءة التي ترجح اتجاه الولايات المتحدة نحو خيار الفراغ الرئاسي وتسليم حكومة السنيورة صلاحيات رئاسة الجمهورية، فإن مصادر سياسية معنية تشير إلى امكانية تحقيق التوافق في اللحظة الأخيرة من المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي، وهي تنطلق في بناء هذا التوقع من محاولة قراءة المصلحة الأميركية تجاه الوضع في لبنان خلال المرحلة الحالية والقادمة.
وتتساءل: هل الفراغ يشكل مصلحة أميركية أكبر من الوصول إلى توافق؟ وهي اذ تعتبر "ان الولايات المتحدة ستكون خاسرة في لبنان في كلا الحالين"، سواء حصل التوافق أو الصدام، تشير إلى أن التوافق على رئيس للجمهورية سيحافظ على جزء من المصالح الأميركية التي يعبّر عنها فريق السلطة الذي وضع جميع أوراقه ضمن المشروع الأميركي في المنطقة، برغم أن هذا الخيار سيشكل انجازاً للمعارضة تستطيع من خلاله وقف الاندفاعة الأميركية ومشروعها في هذا البلد.
لكن خيار الفراغ الرئاسي اذا دفعت الولايات المتحدة نحو تحقيقه فإنه سيدفع المعارضة إلى اتخاذ اجراء مقابل لمنع إكمال الانقلاب. وفي تشريح للوضع على الأرض في حال الافتراق فإن المصادر تلفت إلى قراءة أوروبية حول الجهة التي سيكون لها السيطرة على الأرض، وتشير إلى أن المعارضة ستكون مسيطرة عملياً على ثلاثة أرباع العاصمة، من ضمنها الضاحية الجنوبية وكامل منطقة الجنوب، وما تعنيه من كونها منطقة تماس مع الكيان الصهيوني وتوجد فيها قوات الطوارئ الدولية التي ستكون مجبرة على التعامل مع حكومة المعارضة في حال تشكيلها.
وفي البقاع فإن المعارضة تملك الامتداد على طول الحدود بين لبنان وسوريا، مع ما يعنيه ذلك في الحسابات الكبيرة، حيث الشكوى الدائمة من قبل الأميركيين حول مزاعم ادخال السلاح. وفي الجبل فإن الانتشار الأوسع أيضاً هو للمعارضة باستثناء "جيب الشوف" للحزب الاشتراكي، وجزء من العاصمة لتيار المستقبل، اضافة إلى العديد من مناطق الشمال. وعلى صعيد المؤسسات والمرافق الاستراتيجية فإن المصادر تشير إلى أن المطار سيكون تحت سيطرة المعارضة، وكذلك مصرف لبنان، وعلى الأرجح أيضاً مرفأ بيروت. وهنا تلفت المصادر إلى أن هذه الحسابات وغيرها هي التي تدفع أوروبا إلى تبني خيار التوافق، وترى ان الحسابات ذاتها ربما تدفع الأميركي إلى تغليب هذا الخيار في اللحظة الأخيرة، حيث من الأفضل له "ابتلاع" الخسارة المحدودة عبر التوافق من الخسارة الكبيرة التي سيتكبدها من خلال سيطرة المعارضة على الأرض في لبنان اذا دفع الأمور نحو انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد، او اعتمد خيار الفراغ.
المصادر المتابعة تختم بأن مصير الاستحقاق الرئاسي في لبنان هو الذي سيشكل مؤشراً إلى اتجاه الأوضاع في المنطقة، وليس العكس كما كان يشاع خلال الأشهر الأخيرة، فإذا اتجهت الأمور نحو الصدام فيعني أن الأوضاع في المنطقة سائرة في هذا الاتجاه، وإذا حصل التوافق يعني أن أوضاع المنطقة سائرة نحو التسويات المرحلية.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007

2007-11-09