ارشيف من : 2005-2008

المغرب ليس دولة مارقة.. لكنه مستهدف أيضاً!

المغرب ليس دولة مارقة.. لكنه مستهدف أيضاً!

أثارت زيارة الملك الإسباني خوان كارلوس إلى مدينة سبتة عاصفة من الاحتجاجات والتظاهرات في المغرب. وسبتة هي شقيقة مليلة، وهما المدينتان المغربيتان الواقعتان على شاطئ البحر المتوسط، واللتان لا تزالان خاضعتين مع عدد من الجزر للاستعمار الإسباني، منذ القرن الخامس عشر، تاريخ سقوط آخر الممالك الإسلامية في الأندلس واقتسام المغرب الأقصى بين إسبانيا والبرتغال، قبل دخول فرنسا على الخط في استعمار سائر مناطق المغرب. وعلى الرغم من استقلال المغرب فقد احتفظت إسبانيا بالمدينتين وبعدد من الجزر التابعة للبر الأفريقي، ولم يفلح المغرب قي استرجاعهما لا بالطرائق العسكرية أثناء حرب الاستقلال، ولا بالطرائق السلمية في الفترات اللاحقة. وتشير جميع المعطيات إلى رغبة الإسبان الواضحة في إنجاز "أسبنة" المدينتين باعتبارهما امتداداً طبيعياً وراء البحر لإسبانيا وللاتحاد الأوروبي، في ما يعتبر ميلاً واضحاً لتحشيد أوروبا إلى جانب إسبانيا. والمعروف أن عملية "الأسبنة" قد قطعت شوطاً واسعاً تجلى ـ على سبيل المثال ـ في تناقص عدد المساجد في سبتة من 1000 مسجد عند سقوطها إلى ستة أو سبعة مساجد حالياً، مع انخفاض مماثل في أعداد المكتبات وفي الأنشطة الدينية والثقافية، إضافة إلى التجنيس الإجباري للسكان، واعتبار السكان المغاربة أجانب ومنعهم من الحصول على رخص للبناء ومن العودة إلى المدينة لدى مغادرتها، مع محاولة إغراقها بالمستوطنين الإسبان واليهود وإحاطتها بجدران من الأسلاك الشائكة والمكهربة، وما إلى ذلك من إجراءات مشابهة لإجراءات التهويد في فلسطين المحتلة. والأمر نفسه ينطبق على مليلة. وقد تسارعت وتكثفت إجراءات "الأسبنة" في ظل اتفاقية سرية وُقعت بين المغرب وإسبانيا عام 1976، عند إنهاء احتلال هذه الأخيرة للصحراء الغربية، نصت على توقف المغرب عن المطالبة بسبتة ومليلة مدة عشر سنوات، وعلى إعطاء إسبانيا حقوقاً استثنائية في الصيد البحري في المجال المغربي. وبعد انقضاء فترة السنوات العشر لم تفلح المطالبة المغربية في استرجاع المدينتين، وأدى ذلك إلى فشل تجديد اتفاقية الصيد البحري عام 2000، ما أعطى زخماً كبيرا لحملات الدعاية الإسبانية المعادية للمغرب وللإسلام عموماً.
 وقد اتهم أحد الجنرالات الإسبان في حينه المغرب بالسعي إلى تجويع الشعب الإسباني، معتبراً أن الخطوة هي عبارة عن إعلان حرب تقتضي رداً حربياً. وكانت هذه الحملات قد تصاعدت منذ التسعينيات وسط تهويل بالخطر الإسلامي القادم من الجنوب، مع استحضار مكثف لصورة "المورو مالو (العربي الشرير) والـ"مورو فوبيا" (كره العرب والخوف منهم). ففي العام 1997 جرت احتفالات ضخمة في إسبانيا في الذكرى الخمسمئة لاحتلال سبتة ومليلة، جرى خلالها التذكير على نطاق واسع بخطر المسلمين. وفي العام 1996 كان أحد الاستطلاعات قد بين أن 71 في المئة من الإسبان يعتبرون أن الخطر الذي يهدد إسبانيا يأتي من المغرب. وفي العام 1998 نشرت صحيفة "إلموندو" الإسبانية وثيقة سرية للحلف الأطلسي تضمنت مخططاً لتحويل سبتة ومليلة إلى قاعدتين عسكريتين للتدخل في شمال أفريقيا ضد أي تهديد تتعرض له القارّة الأوروبية. كما تبنت قمة الحلف الأطلسي التي انعقدت في واشنطن عام 2004، مهمة الدفاع عن سبتة ومليلة في حال نشوب نزاع عسكري بين المغرب وإسبانيا. وأخيراً قام الاتحاد الأوروبي بتمويل 75 في المئة من الأسلاك الشائكة التي أقامتها السلطات الإسبانية حول المدينتين، في بادرة كشفت عن التزام أوروبا تبني الموقف الإسباني، وهي خطوة عززها اعتبار حدود سبتة ومليلة حدوداً جنوبية للاتحاد الأوروبي. وفي هذه الأجواء لم يقتصر مفهوم الحرب العالمية الثالثة على خطاب المحافظين الجدد في حربهم على ما يسمى بالإرهاب، حيث تلقفه الإسبان لاستخدامه على نطاق واسع في خلافاتهم مع المغرب.
والسؤال المطروح هو حول السبب الذي حدا بالملك الإسباني لزيارة سبتة في هذا الوقت بالذات في أول بادرة يقوم بها ملك إسباني منذ العام 1929؟ جلالته وضع الزيارة في الإطار الطبيعي لزياراته لسائر المدن "الإسبانية".. وهنالك حديث عن ضغوط تمارسها عليه الحكومة الاشتراكية تمهيداً للانتخابات التشريعية في إسبانيا. لكن الحملات الدعائية والاتفاقيات السرية، وخصوصاً قيام إسبانيا مؤخراً باحتلال جزيرة "ليلى" في مضيق جبل طارق، كل ذلك يشير إلى سعي أوروبي وغربي واضح لفتح جبهة المغرب العربي وشمال أفريقيا، بالتوازي مع جبهات فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان والقرن الأفريقي والفليبين، والتهديدات المتواترة ضد لبنان وسوريا وإيران. جبهات تأتي قصة إسبانيا والمغرب لتؤكد أن اعتدال المعتدلين لا يضعهم خارج إطار السعي الغربي للإجهاز على الجميع، بمن فيهم الأشد انبطاحاً أمام السياسات الغربية والإسرائيلية.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007

2007-11-09