ارشيف من : 2005-2008
بعد لقاء أردوغان ـ بوش في البيت الأبيض: واشنطن تعطي الضوء الأصفر لعملية عسكرية محدودة في شمال العراق
أنقرة ـ حسن الطهراوي
لقد سمع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ما كان يريد أن يسمعه من الرئيس الأميركي جورج بوش خلال اللقاء الذي جمعهما الاثنين 5/11/2007 في البيت الأبيض، باستثناء الموافقة الأميركية على العملية العسكرية الواسعة التي كانت تهدد بها تركيا لإنهاء مشكلة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

فبوش بعد اللقاء قال إن حزب العمال الكردستاني PKK منظمة ارهابية وعدو لتركيا والعراق والولايات المتحدة. وتحدث عن تعاون مع تركيا وتزويدها بمعلومات استخبارية ستساعد في محاربة "الكردستاني"، وعن تشكيل لجنة ثلاثية من قيادة الجيش في البلدين لمتابعة التنسيق.
ويبدو من خلال هذا الاتفاق على الخطوات الجديدة سيكون ملف حزب العمال الكردستاني قد انتقل بالكامل من السياسيين إلى العسكريين، فاللجنة الثلاثية التي شكلت ستضم نائبي قيادة أركان الجيشين التركي والأميركي اضافة الى قائد قوات التحالف في العراق الجنرال ديفيد باتريوس.
أردوغان وصف مباحثاته مع الرئيس الأميركي بالإيجابية وعبر عن ارتياحه لنتائجها، وأطلق من واشنطن تصريحات أكد فيها تصميم بلاده على حل مشكلة حزب العمال، واستخدام الصلاحيات التي منحها البرلمان لحكومته بالقيام بعملية عسكرية خارج الحدود.
وبرغم كل ذلك يبقى السؤال الذي يختلف الأتراك ـ سياسيين ومحللين ـ حول جوابه هو: هل هذا بالفعل ما أرادته أنقرة من واشنطن؟
بالنظر إلى التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأتراك بعد العملية الأخيرة التي نفذها حزب العمال في (21) من الشهر الماضي وأدت إلى مقتل (12) من الجنود الأتراك، وما أعقبها من ثورة غضب في الشارع التركي تحدث أردوغان وقتها عن عملية عسكرية تنهي الوجود المسلح الكردستاني في شمال العراق، واعتبر ذلك حقاً مشروعاً ودفاعاً عن النفس وأن تركيا قادرة على فعل ذلك من دون مساعدة من أحد أو موافقة أحد.. وقد حددت أنقرة شرطين أساسيين للعدول عن الخيار العسكري:
الأول اغلاق معسكرات حزب العمال في شمال العراق التي يصل عددها إلى (35) معسكراً موجودة في جبل "قنديل" في المثلث الحدودي بين تركيا والعراق وإيران.
الثاني تسليم قيادات الحزب السياسية والعسكرية الموجودة في العراق. وبحسب تقرير أعدته وكالة الاستخبارات التركية فإن عدد المسلحين التابعين للكردستاني في شمال العراق يصل إلى (2900) عنصر. وكانت أنقرة قد سلمت بغداد قائمة تضم أسماء (135) من مسؤولي حزب العمال مطلوبين لها.
ويبدو أن هذين الشرطين ـ على الأقل بحسب ما هو معلن ـ لم يتحققا في الاتفاق الذي توصل اليه أردوغان مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن! اذن ما الذي تغير لتقبل تركيا بالحد الأدنى من مطالبها، بعد أن رفضت من قبل أي تعاون مع الحكومة العراقية أثناء زيارة الوفد الأمني العراقي إلى أنقرة، وطالبت بخطوات عملية وجدية تنهي الوجود المسلح لحزب العمال في شمال العراق؟
بحسب البعض فإن المتغير الواضح هو عدم نجاح تركيا في تغيير الموقف الأميركي المعارض بشدة لعملية عسكرية واسعة للجيش التركي، وهو ما تحدثت عنه صراحة وزيرة الخارجية غونداليزا رايس أثناء زيارتها إلى أنقرة الجمعة الماضية، وقالت إن الإدارة الأميركية لن تقبل بأي عمل يزعزع الاستقرار في إقليم كردستان العراق.
وعلى عكس موقف الحكومة فإن أحزاب المعارضة انتقدت بشدة لقاء أردوغان ـ بوش وما نتج عنه، هي لم ترَ أي جديد في الموقف الأميركي، وأن ما تحدث عنه الرئيس بوش ليس إلا (مسكنات جديدة)، حتى ان "دولت بهشلى" زعيم حزب الحركة القومية ثاني أكبر أحزاب المعارضة وصف اللقاء "بالجبل الذي تمخض فولد فأراً".. وقال إن أردوغان عاد فارغ اليدين من واشنطن.
أما حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان فدعا رئيس الوزراء أردوغان إلى ضرورة مراعاة المصالح العليا للبلاد وعدم التردد في اتخاذ القرار المناسب لإنهاء المشكلة من جذورها. ويرى آخرون في أحزاب المعارضة أن موضوع العملية العسكرية في شمال العراق أصبح مرتبطاً بالموافقة الأميركية من خلال المعلومات الاستخبارية التي سيقدمونها لتركيا، فالأميركيون هم الذين سيحددون الهدف وزمانه ومكانه، والطيران التركي يقوم بعملية قصف جوي لا أكثر.
ولا شك في أن أحزاب المعارضة ستواصل ضغوطها على حكومة أردوغان التي تحاول جاهدة الآن إقناع الرأي العام التركي بأن محاربة "ارهاب" حزب العمال الكردستاني تحتاج إلى صبر ووقت وأساليب متنوعة دون استبعاد الخيار العسكري. وهي ترى أن تقدماً مهماً قد حصل على هذا الصعيد، فقبل يومين من زيارة أردوغان إلى واشنطن وبالتزامن مع الاجتماع الموسع لدول جوار العراق الذي عُقد في مدينة اسطنبول، أقدمت الحكومة العراقية على جملة من الخطوات وصفها الأتراك بالمهمة، منها إغلاق مكاتب حزب العمال والمنظمات والأحزاب الكردية المرتبطة به، كحزب الحل الكردستاني المشروع في اقليم كردستان العراق، وقطع الدعم اللوجستي وتشديد الحصار على المسلحين الأكراد ومعسكراتهم في جبل "قنديل". وكان لافتاً أيضاً الإفراج عن الجنود الأتراك الثمانية الذين كان حزب العمال قد أسرهم قبل أسبوعين، وهذه خطوات فسرت على أنها تدفع باتجاه التهدئة وتعزز مواقف الداعين لإيجاد حل سياسي للمشكلة.
وبكل الأحوال يمكن القول ان نتائج لقاء أردوغان ـ بوش والخطوات التي سبقت اللقاء تشير الى أن تركيا قد جمدت موضوع العملية العسكرية الواسعة في شمال العراق ما لم يعد حزب العمال الى تنفيذ عمليات كبيرة أو هجوم على غرار ما حدث الشهر الماضي. ويستبعد مراقبون حدوث ذلك بسبب الضغوط التي يتعرض لها الحزب حالياً من قبل الأميركيين والقيادة الكردية في كردستان العراق، وكذلك دخول عناصر الحزب في فترة "البيات الشتوي" التي تمتد عادة حتى فصل الربيع، حيث تبدأ الثلوج بالذوبان عن جبال كردستان وبعدها يستطيع مسلحو الكردستاني التحرك فيها بحرية. حتى أن الحزب كان قد أعلن عن استعداده لإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد.
لكن هذا لا يعني بالطبع أن أنقرة قد أغلقت ملف حزب العمال وأسدلت الستار على فصول الأزمة، فالجيش التركي سيبقى على استعداده وجهوزيته، وأكثر من 155 ألف جندي ينتشرون على الحدود مع العراق.
والمرجح أن تقوم تركيا بعمليات عسكرية محدودة الأهداف يُتفق مع الأميركيين على شكلها وحجمها ومدتها، وتكون عمليات جوية وربما في بعض الحالات تشارك وحدات من القوات الخاصة، على أن يبقى المستهدف الأول والأخير حزب العمال الكردستاني ومعسكراته في شمال العراق.
ويبدو أن هذا النوع من العمليات الذي حصل على ضوء أصفر من الأميركيين لن يقابل بنفس المعارضة من قبل أكراد العراق والاتحاد الأوروبي والدول الأخرى، ويمنح حكومة أردوغان بعض أوراق القوة في مواجهة أحزاب المعارضة، والأهم بالطبع يبقي على كل خيوط الأزمة في يد واشنطن، لأنها هي التي ستقرر متى سيتغير الضوء الأصفر الى أخضر أو أحمر. فجورج بوش كان واضحاً عندما تحدث الى وسائل الاعلام ـ وأردوغان الى جانبه ـ وقال: "لا عملية عسكرية من دون معلومات استخبارية".
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018