ارشيف من : 2005-2008
باكستان بين طوارئ مشرف وقلق واشنطن: ديمقراطية ضائعة بين المصالح الشخصية والدولية
فتح اعلان الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف حال الطوارئ في البلاد وتعليق العمل بالدستور الباب واسعا امام الاسئلة القلقة داخلياً وخارجياً لما يمكن ان تؤول اليه الاوضاع في اول بلد اسلامي يمتلك رسمياً القنبلة النووية ويخوض صراعاً تاريخيا مع الهند جاره النووي ايضاً.

فعلى المستوى الداخلي بقيت ردود الفعل على ما وصف بالانقلاب الثاني لمشرف بعد الاول الذي جرى في تشرين الاول عام 1999، في حدود السيطرة بعد التدابير الفورية التي اتخذتها الاجهزة الامنية والعسكرية برغم موجة الاعتراض على تقييد الحريات السياسية والاعلامية وموجة الاعتقال وقمع التظاهرات بطريقة عنيفة وعزل رئيس المحكمة العليا من منصبه واستبداله بقاض آخر موال للحكومة.
وفي حين يعتبر الموضوع الاكثر الحاحاً هو اجراء الانتخابات التشريعية العامة في موعدها المحدد في الخامس عشر من كانون الثاني/ يناير القادم، ومصدر الاحتجاج الرئيسي، مع توقعات بتأجيلها عاما بذريعة حال الطوارئ، فإن الانظار تتجه لمعرفة ما اذا كان لا يزال بالامكان اعلان المحكمة العليا في مهلة اقصاها الثاني عشر من الجاري شرعية ترشح وانتخاب مشرف رسميا لولاية رئاسية جديدة برغم انه لم يف بوعده بالتخلي عن منصبه قائدا للجيش وتولي السلطة بصفته المدنية قبل ان تنتهي ولايته رسميا في الخامس عشر من هذا الشهر. وهو وعد ذُكر انه قد يحصل قبل ادائه اليمين الدستورية للولاية الثانية.
وهنا يواجه مشرف معضلتين قانونيتين:
الأولى أن الدستور لا يسمح من جهة له بالترشح، وهو في الوقت نفسه قائد القوات المسلحة.
والثانية انه انتخب من طرف مجالس وطنية واقليمية منتهية ولايتها وموالية له في معظمها، بينما المفروض ان ينتخب من المجالس التي ستنبثق عن الانتخابات التشريعية القادمة.
اما مصدر القلق الخارجي، الاميركي خصوصاً، فيعود الى وقوع باكستان على خط تماس مع مجموعة من الازمات المتشابكة اقليمياً ودولياً، وكلها ذات صلة بملفات السياسة الخارجية الاميركية، بدءاً مما تسميه الحرب على الارهاب في افغانستان والجوار والتي تطال تنظيم القاعدة تحديداً، حيث تلعب اسلام آباد دوراً محورياً في هذه الحرب وتتلقى لهذه الغاية مساعدات مالية دورية ضخمة من واشنطن بلغت منذ العام 2001 نحو 11 مليار دولار.
وعليه فإن الاعتراض الاميركي على اجراءات مشرف والتلويحات المستمرة بإعادة النظر بالمساعدات لا تتجاوز حد الصراخ، وان كانت مرفقة بحديث غير ذي قيمة من ان لصبر واشنطن حدودا. ذلك ان تخلي مشرف عن الدور الذي يقوم به في الحرب على "الارهاب" لا يمكن الاستغناء عنه، وان كان يقوض الديمقراطية التي لا يمكن بأي حال ان تتقدم على المصالح الخاصة للولايات المتحدة في هذه المنطقة. فمشرف حسب توصيف الرئيس جورج بوش في ذروة هذه الازمة "مقاتل قوي" في الحرب العالمية ضد الارهاب.
على ان ابرز التوصيفات التي فسرت طريقة تعاطي واشنطن مع الازمة الباكستانية هو ان ادارة بوش لديها سياسة تتعلق بمشرف وليس بباكستان كبلد، كما يلفت المحللون الى ان المعارضين بنازير بوتو ونواز شريف لا يحظيان بالتأييد في الولايات المتحدة بسبب الاتهامات المنسوبة اليهما بالفساد اثناء فترة حكمهما في التسعينات. وعليه فإن الولايات المتحدة التي كانت تسعى للتوصل الى اتفاق لتقاسم السلطة بين بوتو ومشرف لا يسعها سوى الانتظار لرؤية ما يحدث نظراً لانعدام البدائل الداخلية، ولان ثمة توقعات بأن تنقلب حالة الطوارئ ضد مشرف لانها تهدد بتأجيج ردود فعل المجموعات الاسلامية التي كانت الهجمات التي ينفذها القريبون من تنظيم القاعدة احد الاسباب التي وردت في سياق تبرير اعلان الطوارئ.
كما تنذر هذه الاجراءات باتساع رقعة تمرد هذه المجموعات في مناطق القبائل المحاذية لافغانستان، والآخذ بالاتساع شمال غرب البلاد حيث ستوفر حال الطوارئ مزيدا من الفرص للمقاتلين الاسلاميين. فضلا عن ان هناك تحليلات بأن يكون الجيش الباكستاني نفسه مصدر خطر على مشرف برغم انه دعم انقلابه قبل ثمانية اعوام لان سمعة الجيش الذي يشكل مؤسسة وطنية ستتأثر سلباً على الارجح، ما سيثير توتراً بين مشرف وجيشه.
وعليه فإن واشنطن تبدو حذرة جداً في تعاطيها مع حليفها الاقليمي، ولا سيما ان باكستان تستحضر ايضاً بطريقة ما في سياق المقاربة الاميركية للملف النووي الايراني الذي يشكل خطرا داهماً وملحاً من وجهة نظر ادارة جورج بوش التي تجهد لإيجاد حل ما لهذه المعضلة الاستراتيجية. هذا فضلا عن قلق الإدارة الأميركية ووراءها الإسرائيلية من احتمال سيطرة الإسلاميين على الحكم في إسلام آباد مع ما يعني ذلك من سيطرتهم على القنبلة النووية الباكستانية، وبالتالي لا يتوقع ان تذهب الولايات المتحدة الى حد العداء او الحصار لنظام مشرف لدواع ديمقراطية يسجل الاميركيون ارقاما قياسية في انتهاكها يومياً.
عبد شبيب
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018