ارشيف من : 2005-2008

بصيص يواكب الانتظار الثقيل للقمم المتنقلة : بكركي «تلعن الظلام» و«ترجم» السلطة والمعارضة

بصيص يواكب الانتظار الثقيل للقمم المتنقلة : بكركي «تلعن الظلام» و«ترجم» السلطة والمعارضة

ويستطيع أن يكون حَكَماً بين اللبنانيين»، لكنها نعت في الوقت عينه مبادرتها وأوقفت زمن الانتظار لحركتها، وردّد المطارنة الموارنة «اللعنة» على الظلام بعد أن أُطفئت كل الشموع التي أشعلوها في الأسابيع الماضية.‏

وقع البطريرك نصر الله صفير مرّة جديدة في كمين تفويضه المشروط، برغم الحذر الشديد الذي حَكَمَ طريقة تعاطيه مع ذلك التفويض. صحيح أن البطريرك صفير نجح في تخفيف خسائره المباشرة هذه المرّة إلا أنه يدرك أن خسائر بكركي ستكون في المرحلة المقبلة كبيرة جداً تكراراً لتجربة العام 1988 وما بعدها من تعطيل لدور البطريركية المارونية وإضعاف لموقعها.‏

لكن البطريرك صفير الذي ألِفَ «الكمائن الرئاسية» انسحب من مواجهتها تحت ستار وابل من «الرجم» الذي أطلقه بمعاونة المطارنة الموارنة نحو فريقي السلطة والمعارضة معاً، انطلاقاً من أن بكركي بلا خطيئة...‏

لم يكن «استسلام» بكركي مفاجئاً، لكنه أيضاً لم يكن متوقعاً بهذه السرعة وبهذا الإخراج الذي يرمي بحمل الفشل على القيادات اللبنانية، ومجلس النواب على وجه الخصوص، فجاءت «لبننة» المشكلة والحل في البيان من دون الأخذ بالاعتبارات الأخرى المتداخلة في الشأن اللبناني، بمثابة إدانة للبنانيين وحدهم وصك براءة للدول التي تعلن صراحة «شروطها» لتسهيل الحلّ في لبنان أو ربط مصيره بقضايا ومصالح ومشاريع لهذه الدول في المنطقة.‏

قد يكون انكفاء بكركي مربكاً في الليالي الظلماء، لكنه قد لا يكون نهائياً، وبالتالي فإن البيان الشهري يصبح بمثابة رسالة لمن يعنيهم الأمر، ولم يكن من باب رفع المسؤولية على قاعدة «اللهم اشهد اني قد بلّغت»...‏

فزوار البطريرك صفير خلال الأيام الماضية كانوا يتحدّثون عن غضبه من عرقلة مبادرته مسيحياً، ويرون ارتباكاً وخشية من احتمال فشل التوصل إلى تسوية في انتخابات الرئاسة، لكنّهم لمسوا منه أنه ما زال في انتظار شيء ما يستطيع حلّ الأزمة.‏

في كل حال، مهّد انكفاء بكركي الطريق أمام حركة يفترض أن تكون أكثر نشاطاً على خطّ عين التينة ـ قريطم ـ الرابية، حيث يعتقد البطريرك صفير أن الحوار بين رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري ورئيس كتلة الإصلاح والتغيير العماد ميشال عون، بغض النظر عن نتائجه، يشكل استعادة للدور المسيحي بعد أن شكل حوار الحريري مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي نافذة لـ«استشعار» الخطر على أي دور للمسيحيين في اختيار الرئيس المسيحي للجمهورية.‏

كما أن هذا الانكفاء، الذي جاء على وقع الانتظار الثقيل لما سينتج عن «القمّة اللبنانية» بين الرئيسين الأميركي جورج بوش والفرنسي نيكولا ساركوزي في واشنطن، وما يترافق معها من قمم في الفاتيكان وشرم الشيخ، يضيّق خيارات الأزمة إلى ثلاثة:‏

ـ تسوية إقليمية ـ دولية ليس للبنانيين أي دور في صياغتها بينما سيكون عليهم الأخذ بها حكماً من دون حق الاعتراض أو التصويب.‏

ـ إطالة حال المراوحة التي يعيشها لبنان منذ أكثر من سنتين، مع ما يعني ذلك من تفاقم المشكلات وتنقّل الخضّات الأمنية.‏

ـ اصطدام إقليمي دولي في لبنان بأوجه مختلفة التي ليس انتخاب رئيس بغير توافق وطني إلا أحدها.‏

لا توحي أجواء بكركي بالتفاؤل، أقلّه حتى الأمس، برغم إشارات التطمين التي تلقّتها من الموفدين الدوليين المتطابقة مع تفاؤل الرئيس نبيه برّي.‏

لكن، ليس البطريرك صفير وحده الذي لم تنتقل إليه عدوى التفاؤل من رئيس مجلس النواب، فما يتردد في أوساط حلفاء الرئيس برّي نفسه يرسم صورة قاتمة للمرحلة المقبلة، ويفتح النقاش واسعاً حول خيارات المعارضة وسيناريوهات المواجهة لكل الاحتمالات.‏

لا يكفي ذلك البصيص من النور المتسرّب عبر «الإغراءات» البريطانية والفرنسية إلى سوريا لأن يرجح كفة الحلّ، فما أبلغه موفد دولي لقطب سياسي لبناني عن «امتعاض» أميركي من الاتصالات الفرنسية ـ السورية، وما توصّلت إليه من اتفاق شبيه باتفاق مورفي ـ الأسد في العام ,1988 قد يكون كافياً لأن يضعف هذا الاتفاق لكنه لا بد أن يؤسس لحلّ بديل تكون الولايات المتحدة الطرف الرئيسي فيه.‏

على ذلك، لا يلام البطريرك صفير، والمعارضة كما الموالاة، على ذلك الضياع في التكهّن بمسار المأزق اللبناني، لكن السؤال الذي سمعه البطريرك صفير تكراراً من زوّاره ما يزال يتردد صداه في صالون الصرح: هل يمكن أن يتكرّر سيناريو الفراغ الرئاسي مرّة ثانية كما تكرر التمديد مرتين؟‏

المصدر : صحيفة السفير اللبنانية‏

2007-11-08