ارشيف من : 2005-2008

لا للقواعد العسكرية وللأحلاف

لا للقواعد العسكرية وللأحلاف

عارية من الصحة.‏

ونود أكثر أن نصدق الحكومة وهي تنفي من الأساس أي حوار أميركي لبناني يتعدى دعم الجيش وتعزيز قدراته. يكفي لبنان شبهة الانحياز إلى المحور الأميركي الذي يصرف هنا عداء لمحيطه وتنازلاً عن حقوقه الوطنية في الدفاع عن أرضه واكتساب عناصر القوة والمواجهة مع إسرائيل. لكن الاهتمام الأميركي بلبنان ودعم حكومته وفريقها السياسي تجاوزا المألوف من التأييد والدعم إلى حدود إدراج لبنان وحكومته في دائرة «الأمن القومي الأميركي». ولم يسبق أن سمعنا استنكاراً من الجهة اللبنانية المعنية لهذا الموقع.‏

كلما حاولت فئة من اللبنانيين التنبيه إلى خطورة انزلاق البلد إلى الارتباط بسياسات خارجية محكومة إلى مصالح كبرى في المنطقة تترتب عليها نزاعات وحروب، سارع فريق الحكومة إلى تبرير ذلك بأنه مجرد دعم من «المجتمع الدولي». لكن المجتمع الدولي الآن يشهد صراعات متنامية انقضت معها لحظة «القيادة الأميركية» لمصلحة اعتراضات تؤسّس لتجاذبات دولية بدأت طلائعها في المواجهة الروسية الأميركية حول الأمن العالمي، والأمن في آسيا وأوروبا الشرقية على وجه التحديد. فسواء طلبت الولايات المتحدة قواعد في لبنان أم هي لم تطلب ذلك حتى الآن، فإن المنطقة دخلت مرحلة التنافس الدولي.. والدور الروسي يتزايد حضوراً في جميع الملفات من إيران حتى سوريا.‏

أما الولايات المتحدة فهي توطّد نفوذها في المنطقة وتعزز قواعدها وتقوم الآن بشكل مكشوف بتسليح حلفائها وتقديم الدعم لهم من خلال الستين مليار دولار التي سيتم من خلالها دعم القدرات العسكرية لإسرائيل أولاً ومعها دول الخليج ودول «الاعتدال العربي» ثانياً.‏

خلف موجة التسلح هذه نحن بانتظار مواجهات وحروب لا أحد يستطيع أن يتخيّل طبيعتها وقواها وحدودها، لا سيما أن الملفات السياسية تنتقل من طاولة حوار وتفاوض إلى طاولة أخرى دون حلول جدية. فلا الصراع العربي الإسرائيلي مرشح لوضع قواعد عادلة للحلول، ولا الأزمة العراقية بكل تشعباتها الداخلية والإقليمية سائرة إلى انحسار العنف، ولا الحرب على «الإرهاب» استطاعت أن تحاصره في أفغانستان. هذه الصورة القاتمة تضع المنطقة كلها فريسة صراع الإرادات والمصالح التي تتسع أطرافها. لقد زاد منسوب الاهتمام الأوروبي وكذلك الروسي وسيزداد مع تعقيدات الأزمة.‏

كما ستشكّل الإخفاقات العربية في إيجاد حلول لبعض مشكلات أقطارها ما يمكن وصفه بالاشتراكات المرضية خصوصاً في فلسطين ولبنان. وكلما تراجعت فرص الحلول السياسية تصاعدت احتمالات العنف وتغذّت نزعات التطرف وتراجعت شرعيات المنظومات السياسية الحافظة الآن لكيانات المنطقة وحدودها وأنظمتها.‏

وفي المحصّلة ليس خياراً عربياً انكشاف النظام الإقليمي كله على هذه التحديات، بل إن السياسات الأميركية هي التي أطلقت الفوضى في أربع رياح الأرض وهي التي مهّدت وتمهّد الطريق لاندلاع نزاعات حدودية جديدة يبرز منها الآن النزاع التركي ـ الكردي أو التركي العراقي. وفي حقيقة الأمر إن تطورات القضية الكردية المعقدة ستؤثر في غير دولة ونظام.‏

أمام هذه الاحتمالات المفتوحة على تداعيات لا سقف لها ولا قعر يشكّل انحياز لبنان إلى هذه الدائرة أو تلك من الأحلاف أو المعسكرات خطراً جدياً قد يكون الأصعب في تاريخه، خاصة إذا ما تحوّل مسرح عمليات لهذه أو تلك من القوى العسكرية. على لبنان إذاً أن يعتصم بوحدته الوطنية أولاً وبسعيه الجدي إلى بناء سياسة خارجية تحجب عنه الصراعات الدولية وتضعه في موقع إيجابي في التزام الحياد في الصراعات العربية العربية دون التخلي عمّا هو محل توافق وإجماع عربي.‏

المصدر: صحيفة "السفير"‏

2007-10-22