ارشيف من : 2005-2008
إديلمان لا يرى سبباً لكي تكون "إسرائيل" عدواً ويريد "علاقة ثابتة مع الجيش"
الإدارة الأميركية، مستفيدة من مناخات الأزمة السياسية الخانقة التي يعيش في ظلالها هذا الوطن الصغير، لربط لبنان «بشراكة استراتيجية» معها تجعله بقوة الأمر الواقع وفارق القوة أقرب ما يكون إلى «قاعدة عسكرية حليفة».
فأما التأكيد الأول فقد جاء على لسان وكيل وزارة الدفاع الأميركية إريك إديلمان الذي تحدث في لقاء مباشر ضمن برنامج «كلام الناس» الذي يقدمه الزميل مارسيل غانم في محطة ال. بي. سي. عن «شراكة استراتيجية وعلاقة ثابتة مع الجيش اللبناني».. وأنه ناقش مع المسؤولين اللبنانيين «إنشاء مجموعة عمل ثنائية بين وزارتي الدفاع في البلدين تساعد في ما ينبغي أن تكون عليه الاستراتيجية من أجل لبنان والجيش اللبناني».
أضاف إديلمان: طلب مني وزير الدفاع الأميركي غيتس أن أقصد لبنان للقيام بمتابعة نتائج الزيارة السابقة التي قام بها قائد القيادة المركزية الأدميرال
(فالون)..
وأما التأكيد الثاني فقد جاء على شكل تصريح غاضب وخارج على الأصول ولا يليق بسفير لأقوى دولة في العالم، إذ تجاهل الوقائع جميعاً وقال بنبرة حانقة: «هذا المقال هو في بساطة نموذج قدمته «السفير» عن اختراع الحديث وليس نقله»..
وبدلاً من «أن يضحك كعادته الصباحية من بعض الدعابات التي ترد على صفحات الصحف» فإن السفير جيفري فيلتمان رأى في ما نشرته «السفير» «إهانة لقيادة الجيش اللبناني ضباطاً وجنوداً، إهانة لذكرى 168 جندياً شجاعاً وهبوا حياتهم من أجل لبنان في نهر البارد»!..
ولأن السفير فيلتمان أشد حرصاً من «السفير» على كرامة الجيش اللبناني قيادة وجنوداً، فقد أكد أن زيارة وكيل وزارة الدفاع الأميركية كانت شفافة بهدفها ومعناها: «التزامنا بمساعدة لبنان لبناء دولة قوية، لا سيما بناء جيش قوي»...
بل إن سعادته رأى في ما نشرته «السفير» إهانة للمسؤولين المدنيين والعسكريين اللبنانيين ولأرواح الجنود الذين استشهدوا في نهر البارد.
الجملة المفيدة الوحيدة في تصريح السفير فيلتمان: «نحن لسنا هنا لنبني قواعد في لبنان»... وهي جملة يستحق عليها الشكر لأنها «تنقل الحدث ولا تخترعه».
وإذ نشكر سعادة السفير على مشاركته الحزن على أرواح الجنود الذين استشهدوا في نهر البارد، لا يمكن إغفال واقعة أن كل التعهدات التي حفلت بها زيارات الوفود العسكرية الأميركية التي توالت ـ كثيفة ـ خلال السنة الماضية، والتي تكثفت أثناء «حرب البارد» وبعدها لم تنجح في تأمين السلاح أو حتى الذخيرة التي كان يفتقد إليها الجيش، برغم التعهدات والوعود ومن ثم «الإحالة على مخازن القواعد العسكرية الأميركية في بعض الأقطار العربية»... ولو أن أياً من التعهدات قد نفذ لربما كان لبنان قد استبقى الشهداء الذين يرثيهم السفير فيلتمان أحياء.
ولعله من المفيد أن نذكّر السفير فيلتمان أنه طالما تحدث، هو نفسه، عن «الشراكة الاستراتيجية الثابتة والقائمة بين بلدينا وشعبينا وحكومتينا وجيوش بلدينا».. وآخر مرة تطرق فيها إلى هذه الشراكة لمناسبة تسليم سيارات «الهمفي» قبل شهر ونصف شهر.
أما وكيل وزارة الدفاع في حديثه التلفزيوني فكان أصرح. تحدث إديلمان عن شراكة استراتيجية وعلاقة ثابتة مع الجيش اللبناني.. وأنه ناقش مع المسؤولين اللبنانيين إنشاء مجموعة عمل ثنائية بين وزارتي الدفاع في البلدين... هذه الاستراتيجية العسكرية هي ما يرغب الأميركيون برؤيته من آلية للمضي قدماً بشكل يتناسب مع مصالح الجيش اللبناني.
على أن إديلمان لا يرى سبباً ليكون لبنان وإسرائيل عدوين، وهذا بُعد آخر للاستراتيجية التي يتحدث منها وموقع الجيش فيها.
وهذا، في الوقت نفسه، دليل صارخ على المطلب الأميركي الملح بضرورة «نسف» الكراس التوجيهي الذي يعتمده الجيش والذي يركز على أن إسرائيل هي العدو، والذي يشير إلى واجب حماية المقاومة.
سنتجاوز عن النفي الذي صدر عن «مصادر حكومية بارزة» خصوصاً أنه لم يجد ما يستند إليه إلا الزعم الكاذب أن المعلومات التي نُشرت إنما بُثّت عبر موقع إلكتروني إسرائيلي هو موقع «ديبكا فايل»!
وفضلاً عن أن الزعم باطل أصلاً فإن هذه المصادر الحكومية البارزة تعرف باليقين أن «السفير» ليست بحاجة لأن تستعين عليها بالمواقع الإلكترونية الإسرائيلية... وفي الموقف من إسرائيل مبدئياً وعملياً، قبل حرب تموز وخلالها وبعدها، لا تحتاج «السفير» إلى شهادة من هذه المصادر البارزة، ولعل العكس صحيح.
أما بالنسبة للتوضيح الذي أدلى به وزير الإعلام، بعد الاجتماع الوزاري، والذي حاول تلطيف هذه الفرية، وإن عاد إلى الاستشهاد بالمواقع الإلكترونية الإسرائيلية نفسها، فكنا نتمنى لو أنه لحظ أننا لم نتهم حكومته، بل طالبناها بما ينفي شبهة التورط في اتفاق استراتيجـي مع هذه الإدارة الأميركية، وأننا تحدثنا عما طلبه غير مسؤول أميركي من لبنان، وبإلحاح، لأننا نريد أن نسمع ما يطمئن اللبنانيين إلى أن بلادهم لن تتورط في علاقة غير متكافئة مع حليف العدو الإسرائيلي، فيكون ذلك انتحاراً.
بعد ذلك يمكن هنا عرض شريط سريع لزيارات المسؤولين الأميركيين، والعسكريين منهم بشكل خاص، والتي توالت مطراً خلال السنة الماضية وما مرّ من هذه السنة، والعروض التي قدموها مباشرة أو عبر سفيرهم في بيروت:
ـ في 17 شباط ,2006 وبعد زيارته وزير الدفاع، أعرب السفير الأميركي جيفري فيلتمان عن قلقه للبيان الصحافي الذي صدر عن قيادة الجيش، «لأننا لا نفهم كيف يمكن لهذا النوع من السياسة أن يحسّن الوضع الأمني، ويجعل من الصعب علينا تقديم المساعدات التي نود تقديمها للبنان في هذا المجال. وهذا يتناقض في نظرنا مع قرار مجلس الأمن 1559».
ـ في 4 آذار من العام ,2006 نقلت «السفير» عن صحيفة «شيكاغو تريبيون» الأميركية أن «الجيش الأميركي يقوم منذ الانتخابات النيابية الأخيرة (2005) بعملية تقييم هادئة لقدرات الجيش اللبناني وبجردة عامة لمخزون الأسلحة الموجودة لدى قواته البرية والبحرية والجوية، كما يعد سلسلة من الاقتراحات لتحديثه».
ـ في 3 أيار ,2006 وصل إلى بيروت مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية والعسكرية جون هيلين والذي يترأس مكتباً هو صلة الوصل بين وزارتي الخارجية والدفاع، ويهتم بصوغ الاتجاهات السياسية في مجالات الأمن الدولي وتأمين المساعدة على الصعيد الأمني والمساعدات الإنسانية والتبادل في مجال الشؤون الدفاعية.
ـ في 10 أيلول ,2006 أفادت صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية في عنوانها الرئيسي أن واشنطن أبلغت إسرائيل مخططها لتسليح الجيش اللبناني وتدريب عناصره بهدف دعم رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة مقابل إضعاف سوريا و«حزب الله». وأضافت الصحيفة «إن إسرائيل رحبت بالخطة، وطلبت من الأميركيين الاهتمام بألا تصل الأسلحة إلى يد حزب الله».
ـ بعد هذا الخبر بأقل من شهر، وقّع مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي بيتر رودمان، ووزير الدفاع اتفاقاً كان الأول منذ أكثر من 25 عاماً.
ـ في 7 شباط ,2007 وبعد اللغط حول اكتشاف الجمارك معدات عسكرية في طرود مصرح عنها بأنها معدات كهربائية، اعترفت السفارة بأن «الطرود حوت مواد طلبتها قوى الأمن الداخلي لعناصرها».
ـ في التاسع من آذار ,2007 أعلن وزير الدفاع خلال زيارته الرسمية لواشنطن أن الإدارة الأميركية وافقت على تقديم مساعدات للجيش اللبناني على مراحل، والمرحلة الأولى تبدأ العام 2007 وتبلغ 320 مليون دولار على أن تليها مساعدات أخرى لاحقة. وكان عقد محادثات «مغلقة» مع وزير الدفاع روبرت غيتس.
ـ في 26 حزيران ,2007 جال مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي) روبرت مولر في إطار زيارته الرسمية للبنان على بعض المسؤولين في بيروت.
ـ في 29 آب ,2007 وصل لبنان فجأة قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الأدميرال وليام فالون، وأجرى محادثات سريعة مع عدد من كبار المسؤولين تركزت على التسليح الأميركي للجيش اللبناني.
بعد هذا كله أليس من حق اللبنانيين أن يتساءلوا: ماذا تريد من بلدهم الإدارة الأميركية، التي تخوض حرباً عسكرية ضد شعب العراق لحماية احتلالها، والتي تهدد إيران بالتدمير، والتي تحاصر سوريا سياسياً واقتصادياً وتتواطأ مع "إسرائيل" ضدها ـ كما ضد الدول الأخرى في المنطقة؟! ـ وإلى أين تجرهم عبر هذا الحديث المتكرر عن الشراكة الاستراتيجية، وكيف يعبر عن هذه الشراكة؟!
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018