ارشيف من : 2005-2008
إعلاميو "المنار" وحكاياتهم عن حكايات الشهداء..وللميدان سحره وسرّه
الشهداء هم الشهداء، فالشهادة كلمة لا تحتاج إلى مرادف أو تفسير أو تشبيه.. كلمة تختزن بذاتها كل مزايا المجد والعظمة والعطاء والجسد والروح.
أما عن علاقة الناس بالشهادة كنظرية وبالشهادة كترجمة لها، فذلك أمر نسبي يتفاوت بين شخص وآخر. لكن مهما تعددت الآراء فالجميع ينحني لسموّ الشهيد ورفعته.
في الدائرة التي هي على تماس دائم بهؤلاء العظام، هناك الأهل والأصدقاء ورفاق السلاح، وهناك أيضاً الفئة التي نذرت جلّ وقتها للحديث عن الشهداء ووصاياهم، والبحث في آثارهم وتقفي دروب يومياتهم، ومن ثم عرضها على الشاشة في إطار فني يتخطى التعريف نحو "التدريس". أجل فإذا كانت الحياة مدرسة فالشهداء هم أعظم معلميها.
في تلفزيون "المنار" وضمن الدوائر العديدة المتخصصة، هناك دائرة خاصة بالمقاومة وشهدائها، والعاملون في هذا القسم لهم خصوصية التبحّر في سير الشهداء المجدولة بتراب الأرض وخيوط السماء.
"الانتقاد" أطلّت على هذه الشريحة من الإعلاميين الذين أصبحوا كدائرة معارف، يحفظون عن ظهر قلب الأسماء والأماكن والتواريخ، والكثير الكثير من الأحاسيس السامية.
البرامج التي لا يمكن أن تغيب عن الشاشة
"أنوار الحرية"، "شهداؤنا"، "دمي والبندقية"، "قافلة النور"، "رجال الله"، "رجال صدقوا".. وغيرها الكثير من أسماء البرامج التي قدمها "المنار" كمنابر للشهداء وسيرهم، أصبحت اليوم منابع صافية يشرب منها كل باحث وعاشق ومهتم بالشهداء. خلف هذه الأعمال ثمة أسماء اشتغلت ميدانياً ومكتبياً، نذكر منها: ندى بنجك، نسرين إدريس، أروى الجمال، حيدر خير الدين، سناء حمدون، حياة الرهاوي ورباب الحسن.
عن هذه الفئة من البرامج يقول مدير دائرة المقاومة في تلفزيون "المنار" علي أرسلان، انها النوعية التي لا يمكن أن تغيب عن شاشة "المنار" وبرمجتها، فبفضل هؤلاء الشهداء وبركتهم كان "المنار" واستمر، كما الكثير من المؤسسات.
يقول أرسلان إن برامج الشهداء تحصد نسبة مشاهدة عالية، حتى أن الحلقة منها ما إن تنتهي حتى يصبح الطلب عليها قوياً من "دار المنار". ان الوثائقي الذي عُرض تحت عنوان "الخالدون" ـ يتناول وصايا الشهداء ـ انتشر بشكل كبير، حتى أن 30 موقعاً على الانترنت في البحرين قد عرضته، و14 موقعاً من الكويت.
يضيف أرسلان: إن أحد المغتربين اللبنانيين في أفريقيا جاء إلى لبنان لمقابلة أطفال شهيد بعد سماعه وصيته في برنامج على "المنار"، خاطب فيها الشهيد هؤلاء الأطفال.
يتحدث علي أرسلان عن وفد صيني وآخر بريطاني زاروا "المنار"، ولم يستطيعوا إخفاء دهشتهم من تخصيص هذه المحطة دائرة خاصة للمقاومة والشهداء، فهو أمر فريد، خاصة أن لكل الأمم شهداءها.
تزامن الولادة والاستشهاد
أما حيدر خير الدين فقد اشتغل ما يفوق خمسين حلقة بشكل ميداني قبل التحرير عام 2000، وهو لا يزال يذكر شهيدين من البقاع تزامنت ولادتهما في يوم واحد، ثم كانا رفيقين فترة طويلة من حياتهما، إلى أن استشهدا في المكان ذاته والزمان ذاته.
يعتبر خير الدين أن اشتغاله على هذا العنوان بلور نظرته إلى الحياة ككل، ففي جعبة كل شهيد درس وعبرة وفلسفة حياة.
لكل شهيد قصة وسرّ وسحر
منذ أكثر من تسع سنوات وأروى الجمال تطوف من موقع استشهاد إلى منزل شهيد الى وصية وأثر وحكاية.
تقول الجمال إنها في الوقت الذي تشعر به بشرف اقتران اسمها بالبرامج المختصة بالشهداء، يبادرها البعض مواسياً "لحجم الحزن الذي تعانيه منها"!
"لكل شهيد قصة وسرّ وسحر، وما عملنا سوى تعمق في عالمه من خلال الأسرة والأصدقاء، وأيضاً الوصية التي يتركها الشهيد.. وكذلك ثمة دلالات كبرى تكمن في تفاصيل صغرى مرتبطة بالشهيد، مثل أوراقه أو لباسه أو مقتنياته أو صوره". وتضيف الجمّال: لقائي بأهالي الشهداء يولد لدي غبطة، فهم الذين يحتفظون بمفاتيح الحكايا، وهم الشريحة المباشرة التي يؤثر الشهيد في مجرى حياتها إيجاباً. فبعد خبر الاستشهاد يبدأ التحول، حتى لو كانت عائلة مجاهدة، فكلمات الشهيد ووصيته تتغلغل في اليوميات وترسم مساحة مختلفة للتأمل والنظرة إلى الحياة وما وراءها. وتتابع أروى الجمال: لكل عائلة من عوائل الشهداء مكانة في قلبي، وغالباً ما أبني معهم علاقة ودّ وتواصل دائم.
"من سيَر الشهداء استوقفتني الكثير من المحطات، تقول الجمال، ومنها تستذكر: أثر في السيد عباس الموسوي وأنا أحضر وثائقياً عنه منذ سنوات، وأيضاً تأثرت بشخصية الشهيد سمير مطوط قائد عملية الأسيرين عام 1986. كذلك توقفت أمام الشهيد حسين غساني (نور) الذي بُترت قدمه وأصرّ على متابعة عمله الجهادي في الخطوط الأمامية. كذلك الشهيد وائل عناني الذي لم يكترث لأحواله المادية الجيدة جداً، ففضل الفوز بالآخرة على كل مال الدنيا. أيضاً استوقفتني روحانية الشهيد محمد منيف أشمر والاستشهادي صلاح غندور. أما الشهادة فتلمس كونها مدرسة حين ترى أن الشهيد الأب يتحول إلى أب شهيد فيما بعد، وهذا حال أبي علي رضا ياسين وحسن جغبير.. أما الشهيد زهير شحادة فلفتني لكونه مهندس طيران وكان قد صمم طائرة في المعتقل. وكذلك الشهيد فاروق اسماعيل الذي يحمل شهادتي ليسانس: واحدة في الكيمياء وأخرى في علم الاجتماع.
رجال الله
بدورها حدثتنا رباب الحسن عن تجربتها في برنامجي "رجال الله" و"رجال صدقوا"، وقد توقفنا عند انطباعاتها في الوثائقي "حماة السيادة" الذي يحكي قصة مواجهات الجبل الرفيع الذي امتزجت فيه دماء شهداء المقاومة بدماء شهداء الجيش.. في هذا العمل ـ تقول رباب الحسن ـ كان لنا لقاء مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي استشهد ابنه هادي في هذه العملية، لكننا لاحظنا أن السيد توجه في أغلب حديثه إلى شهداء الجيش وعائلاتهم.
تقول الحسن: إن سبب تأثرها بشهيد مواجهة الغندورية عماد قدوح هو وصيته التي تعرفت اليه من خلالها، فهذه الوصية هي أشبه بكتاب، وقد كتبها في اليوم الثامن والعشرين من حرب تموز، حيث كان قد تسمم جراء قذيفة صهيونية، فعاهد على الاستمرار إلى أن استُشهد بعدها، وقد حُولت هذه الوصية إلى حلقة تلفزيونية.
تضيف الحسن: إن ما لفتها في شهداء مواجهات عيتا الشعب هو هذا التنوع الواضح، ففيهم الكبير والصغير، والأب والابن، والأستاذ والتلميذ، والمهندس والعامل.
أما المفارقة التي ترويها رباب الحسن فهي عن شهيدين كان كل منهما قد مثّل دور شقيقه الشهيد في حلقة ماضية، فشاءت الأقدار أن يكونا في عداد الشهداء أيضاً.
حقاً لهذه الكلمة "السرية" مريدون يحسنون فك الألغاز، فكانوا في مكانٍ ما شهداء "الشهادة".
أما الإعلامي الذي يقتفي الأثر، فهو العنصر المفتتن الذي يدخل لبعض الوقت في بعض من التجربة فيذوق طعم العسل، أما الشهداء فعرفوا طعم الرحيق.
عبد الحليم حمود
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018