ارشيف من : 2005-2008

في معنى الشهادة

في معنى الشهادة

كلمة الشهداء لغة مأخوذة من شهد، يشهد مشاهدة وشهادة. والمشاهدة: المعاينة. أما الشهادة فهي: الإخبار بما نشاهده. تقول استشهدتُ فلانا: أي سألتُهُ أن يشهد. والشهيد: الحاضر الذي يعاين ويشاهد.
هذا المعنى ورد في القرآن في آيات عديدة منها: "واستشهِدوا شهيدين من رجالكم"، أي أشهدوا شاهدين. "وأشهِدُوا إذا تبايعتم ولا يُضارّ كاتب ولا شهيد". "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ماذا تعبدون من بعدي". "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة". "فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين".
أما المعنى الديني الإسلامي لكلمة "الشهداء" فالواضح من موارد ذكرها في القرآن هو الشهادة على أعمال الأمم يوم القيامة. تجدر الإشارة هنا إلى أن الشهداء الذين نتحدث عنهم هم الشهداء من الناس وإلا فكل ما له تعلق ما بالعمل كالملائكة والزمان والمكان والدين والكتاب والجوارح والحواس والقلب فله فيه شهادة.
وإليه تشير الآيات التالية: "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون". "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد (أي الشهداء)  يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار".  "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم".
وهؤلاء الشهداء كما يعرّف بهم القرآن هم: الرسول الأكرم والأمة الإسلامية، "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً"، وكذلك سائر النبيين "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين" (الأعراف-6)، إضافة إلى أفراد من المؤمنين وليس كل المؤمنين، وهم المعنيون بقوله تعالى "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً". مع الإشارة إلى أن الأمة هنا يقصد بها كل جماعة تشكل وحدة قائمة بذاتها ويجمع بين أفرادها غاية واحدة وعمل واحد.
وهذه الشهادة وإن كانت في الآخرة يوم القيامة لكن تَحَمُّلها يكون في الدنيا على ما يعطيه قوله تعالى - حكاية عن عيسى (عليه السلام) – "وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد". المائدة - 117.
وقوله تعالى "ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا": النساء – 159.
وحمل الشهادة في الدنيا يكون بالقيام لله بالعدل الذي هو الوجه العملي للتقوى. يقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم أو الوالدين والاقربين. إن يكن غنياً او فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تَلْوُوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً". ويقول أيضاً "يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".
وعليه فشهادة الرسول (ص) في الدنيا لا يختلف فيها اثنان. كيف لا وهو الأسوة في كل شيء. فهو العدل المجسد نفسه وهو التقوى التي تمشي على الأرض. وأما شهادة الأمة فتحصل عندما يسود العلاقات فيما بين أجزائها افراداً وجماعات نظام عادل يلتزم بأحكامه الجميع؛ الحاكم قبل المحكوم. الأمر الذي يجعل منها نموذجاً في العدل يحتذى لمن شاء من سائر الناس. وأما شهادة الواحد من أفراد المؤمنين فأدناها شهادة الحق بالقول مطلقاً مروراً بالتزام جانب الحق في كل موقف إلى مجاهدة الظلم والظالمين لا سيّما منهم الحكام الجائرين فرداً كان أو مؤسسة أو دولة. وذلك بمختلف أشكال ومستويات الجهاد مهما اصابه جرّاء ذلك مما يكره أو يخاف: ابتداءً من قول كلمة الحق في وجه الظالم إلى بذل الأموال، فالتضحية بالنفس مقتولاً في سبيل الله. فالمؤمن الذي يصدق عليه وصف "الشهيد" بالمعنى الذي أسلفناه أعلاه هو الذي يجاهد الباطل وأهله حق الجهاد حتى لو اقتضى الأمر قتله في هذا السبيل. يستفاد هذا المعنى من الآيات التالية في قوله تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنون. إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله  الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين... وكأيّن من نبي  قاتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين".
فالله سبحانه وتعالى اتخذ المقتول في سبيله شهيداً في زمرة الشهداء على أعمال الناس من النبيين يوم القيامة لقيامه بشهادة الحق في أمر الله حتى قُتل.                 
اسماعيل زلغوط
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007

2007-11-09