ارشيف من : 2005-2008

ظلّهم العالي

ظلّهم العالي

يذهب الشهيد إلى ظله العالي كما يذهب واحدنا إلى عمله اليومي، وكما يكون لكل منّا يوميات وتفاصيل، كذلك كان للشهيد ـ قبل شهادته الممهورة بالدم ـ يوميات وتفاصيل.. له أولاده ومدارسهم ومشاغباتهم وثياب العيد ودرّاجة الهواء، له أصدقاؤه وأهله وسهراته وطرائفه و.. لكنه يغادر كل ذلك إلى ظله العالي مؤمناً إيماناً راسخاً بأن وراء كل هذه التفاصيل والمتع الصغيرة عالماً أكثر رحابةً وجاذبيةً وسحراً، عالما تحدث عنه رب السموات والأرض في كتابه الكريم بكثير من الوعود الوردية التي تفوق الخيال، ومن تراه أصدق من القرآن الكريم.
الشهادة ليست مشروع خلاص فحسب بالنسبة الى الشهيد، إنها مشروع الخلاص الوحيد من دنيا تزينت بشتى صنوف الزينة والمخاتلة والمراوغة.. الشهادة هنا طريق سريع إلى التطهر من الأدران المتراكمة، انها فعل تطهير وتزكية خاطفة لكل جارحة من الجوارح التي ساهمت بالغفلة عن الله في الحياة الدنيا، يعقبها ـ يعقب الموت ـ حياة كريمة بجوار رب كريم.. لا تلبث دائرة الجرح أن تفتح حتى تُغلق، فاتحةً جسر العلاقة بين الموت والولادة الحقيقية.
هذا هو العرس الحقيقي في الليلة التي لا تنتهي، كأن دماء الشهداء أشرعة الرجوع إلى البداية، بداية الحياة الحقيقية.. إنهم يخلعون جلد حياة الغفلة ويتحررون من يومياتنا الكئيبة، انهم يتطايرون إلى ظلهم العالي على سطوح الجراح كما السنونو العاشق.
ليس لنا نحن البشر الغارقين في بحار الذنوب، أن نفهم سر هذا اللقاء السريع.. إننا نحاول ذلك، لكنها مجرد محاولة.
حسن نعيم
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007

2007-11-09