ارشيف من : 2005-2008
الرئيس كرامي في الذكرى العشرين لاستشهاد الرشيد : لا إنقاذ بغير حكومة وحدة وطنية لا نتوزعها حصصا بل نتشارك فيها لجبه الأخطار
اذا دهمنا الاستحقاق فسيكون تنازع بين حكومتين وربما بين رئيسين للجمهورية
نظراً للظروف الامنية التي وقع لبنان تحتها، وحرصاً منه على سلامة الناس، كان الرئيس عمر كرامي قد الغى المهرجان السنوي بذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وللمناسبة عقد الرئيس كرامي مؤتمرا صحافيا، قبل ظهر اليوم في منزله في طرابلس، تطرق فيه إلى مختلف الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة، وقال:
"أخي رشيد، هي عشرون سنة، إذا ما قيس الغياب بالوقت. لكن غيابك يقاس بالمهج، وبالغصص وبالجرح المفتوح في بيتك ومدينتك، ولدى أهلك وقومك ومحبيك، ولدى كل اللبنانيين الشرفاء الذين يستعيدون في ذكراك ما تبقى من ذكرى وطن ودولة.
أما أنا، يا أخي ويا شهيدي، فلا المواقيت ولا المناسبات ولا انطواء الأيام، تغير عندي ما كان وما سيكون. كنت في حضورك العزيز والغالي وتبقى بعد رحيلك الأعز والأغلى.
كنت مالىء الدنيا أيام الدنيا، وصرت مالىء الزمان والمكان.
وكلما إدلهمت، يا رشيد، أو ضاقت أو عصت، أدركت لا محالة تنفرج وتصفو ولو بعد حين، مستعينا بك وبالصبر، وما خذلتماني يوما.
وأما الناس، أهلك وناسك وكل اللبنانيين، أولئك الذين عرفوك جزءا من حياتهم السياسية، وأولئك الذين تعرفوا اليك جزءا من تاريخهم المعاصر، فإنهم يشهدون لك، عاما بعد عام، بما كنته. لقد كنت رجل دولة بامتياز لا تنحاز، في كل ما تفعل وتقول، لغير لبنان العربي والحر والمستقل، وبصماتك الاصلاحية واضحة في سجل الدولة اللبنانية ومؤسساتها. لقد كنت نبراسا في الأخلاق وفي النزاهة وقدوة للحكام في الزهد والترفع. ولطالما رغبت أن تتولى في حكومتك في كل العهود حقيبة المالية العامة، حتى صار حرصك على المال العام مضرب مثل، وأحيانا موضع تندر لمن لم يرقهم ذلك، لكنك حفظت مال الدولة ومال الناس حتى غدت ليرتنا اللبنانية في أيامك الخوالي، بقوة الدولار الأميركي. لم يكتب لك يا أخي أنت وجيل من رفاقك الاصلاحيين الكبار، أن تترجموا أحلامكم في بناء دولة المؤسسات، الدولة العادلة والعصرية والرشيدة، عاجلتكم الشدائد فانصرفتم للتصدي لها، كنت يا أخي ترى المؤامرة تحاك على وحدة لبنان فتصديت لها في كل المواقع، وخصوصا في موقعك في رئاسة الحكومة، وكان سلاحك الأمضى موقفك السياسي الوطني. وحتى عندما علا صوت الرصاص والمدافع على كل الأصوات، بقيت المدني بامتياز، الأعزل بامتياز، والمقاتل المقاوم بامتياز ضد التقسيم وانهيار الكيان. وعندما عجزوا عن مواجهتك... قتلوك.
ولكن، ما أضعف القاتل يا أخي وما أقوى القتيل، عندما يكون القاتل رمز تقسيم لبنان، وعندما يكون القتيل شهيد وحدة لبنان. دمك يا رشيد، ودم الشهداء الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الوطن، ودم المقاومين الأبطال الذين أعادوا لنا طعم العزة والكرامة في تموز الماضي، ودم الضباط والجنود الذين غدر بهم تحت جنح الظلام قبل نحو إسبوعين. دمكم هو انتصار دائم للبنان الواحد الموحد العربي الحر المستقل".
وأضاف: "منعتنا الظروف العصيبة الراهنة التي تعيشها البلاد من إحياء ذكرى شهيدنا الكبير رشيد كرامي، ما اضطرنا إلى إلغاء المهرجان السنوي الذي نقيمه لهذه المناسبة والاستعاضة عنه بهذا اللقاء في ظل مناخ من القلق البالغ الذي يخيم على الناس، وخصوصا في طرابلس والشمال، حيث نشهد فصلا من فصول الفوضى الخلاقة التي وعدنا بها، وبئس الوعود.
وبغض النظر عن موالاة ومعارضة، فإن المسؤولية الكاملة حيال ما يجري تقع على السلطة وعلى هذا الفريق الحاكم الذي يتحفنا كل لحظة بجدارته في الهرب من مسؤولياته. إما أن يكون المسؤول مسؤولا أو فليرحل. الحكم مسؤولية، والإستقالة من الحكم قمة المسؤولية. إنهم يتشبثون بالسلطة رافضين المشاركة ورافضين كل المبادرات سواء أكانت محلية أم عربية، ولكن ما هي نتائج إدارتهم للبلد؟ ماذا فعلوا؟ وكيف أداروه؟ لن أحكي عن الإقتصاد وعن مخالفة الدستور وعن تعميق الإنقسام وعن تأجيج الفتن والنعرات... يكفي أن أتوقف أمام هذا الذي يحصل منذ أسبوعين في الشمال. لقد حولوا مناطقنا في طرابلس وعكار والمنية والقلمون وكل لبنان إلى وقود. إن لم يكن ذلك كافيا لكي يرتاحوا ويريحوا، فمتى يفعلون؟ عندما يخرب كل البلد؟"
وتابع: "إن الأول من حزيران هذا العام له معنى خاص، لكأنما التاريخ يعيد نفسه... فها هي المؤامرة على وحدة لبنان، والتي استهدفت الرشيد قبل 20 عاما، تطل برأسها من جديد، وبأدواتها السابقة، مستهدفة وحدة لبنان وعروبته في ظل انقسام سياسي ووطني غير مسبوق يؤجج مفاعيل هذه المؤامرة وينذر بالشرور والأخطار الكبرى. نحن نشهد أزمة حكم تهدد الصيغة والنظام والكيان، إذ لم تعد المسألة منحصرة بالحكومة البتراء وبالسلطة التنفيذية المعطلة وبالشلل الذي يعم كل المؤسسات السياسية والدستورية، وإنما نحن أمام فريق سياسي يمعن في ترسيخ واقع الانقسام متلطيا وراء شعارات وحجج باطلة ومتلهفا على استدراج ردود فعل من جنس فعله. إنه فريق مغامر ومقامر وغير مسؤول، هذا إذا جنحنا إلى حسن النية تجاه الفريق. ولكن، تبطل النيات الحسنة حين نتلمس، يوما بعد يوم، حجم الضغوط والتدخلات الخارجية التي باتت جزءا من يوميات البلد".
وقال: "هناك، أيها الأخوة، نوع من تبادل المشروعية بين فريق السلطة وبين ما يسمى المجتمع الدولي، بحيث لم يعد يصح القول إن ثمة وصاية من أطراف دولية وحسب، وإنما هناك تشريع متواصل لهذه الوصاية من الأطراف الداخلية. لقد تعرضنا لأول هجمة من الوصاية الدولية عبر قرار الفتنة، القرار 1559. وتلته القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، فإذا بالسياسة الخارجية مدولة، وإذا بالقضاء مدول، وإذا بالأمن- بعد عدوان تموز- مدول وحتى الاقتصاد- بعد "باريس-3" صار مدولا. وها هم يعدون العدة الآن لتدويل حياتنا الدستورية عشية الاستحقاق الرئاسي. والأخطر من كل ذلك أن هذا الفريق الحاكم لا يفوت الفرصة، في كل مرة، لكي يلجأ إلى مجلس الأمن أو حتى إلى سفارات بعض الدولة الكبرى، مستعينا بالخارج على الداخل، ومستقويا بالأجنبي على شركائه في الوطن. ولا أخفيكم أن هذه السياسة المشبوهة ستقودنا، في حال دهمنا الاستحقاق الرئاسي، إلى فوضى من النوع الخطير، تكون أولى نتائجها الكارثية الوصول إلى فراغ في المؤسسات الدستورية، بل وإلى تنازع بين حكومتين، وربما بين رئيسين للجمهورية، مع ما يستتبع ذلك من جنوح أمني وإقتصادي وإجتماعي في كل منطقة ولدى كل فئة. أي أننا سنجد أنفسنا أمام أشلاء وطن".
واضاف: "الوقت يضيق والحائط المسدود الذي نسير إليه سيكسر كل الرؤوس، وليس لنا إلا الرجوع إلى الذات وإستنهاض الإرادات الخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. ولا إنقاذ بغير حكومة وحدة وطنية، حكومة لا نتوزعها حصصا وإنما نتشارك فيها في جبه الأخطار التي تحدق بنا عبر تحصين منعتنا الداخلية والتوافق على المسلمات والأسس التي يرتكز عليها كيان وطننا ومجتمعنا. قد لا تخرجنا الوحدة الداخلية من دائرة الإعصار في المنطقة، لكنها كفيلة صون الحد الأدنى من الإستقرار، والحد الآمن من تنظيم الإختلاف في ما بيننا تحت سقف الثوابت الوطنية والقومية وفي إطار المواثيق التي تضمن عيشنا المشترك وسلمنا الأهلي وحياتنا الديموقراطية".
وأضاف: "أيها اللبنانيون، اليوم جاء دور الجيش. إنها المؤسسة الأخيرة الحافظة لوحدة الوطن وللسلم الأهلي وللنظام العام. إنها خط الدفاع الأخير. وما تعرض له الجيش منذ أسبوعين هو مؤامرة تهدف إلى إلهائه وإضعافه والنيل من هيبته تمهيدا للشر الأعظم الذي يقضي بإزاحته عن الطريق لكي تخلو الساحة لكل أنواع المخططات.
لن نفرط، أيها الأخوة، بجيشنا ولن نسمح للمتآمرين بتحقيق مبتغاهم، وإننا إذ ندين، وبقوة، عمليات الغدر التي تعرض لها هذا الجيش الباسل، إلا أننا نؤمن بما لدى قيادته وضباطه وأفراده من حكمة ووعي ومسلك وطني وانضباطي، ونشهد لقائد الجيش بدوره بالأمس واليوم في حماية المؤسسة العسكرية ودورها من كل الأفخاخ والمؤامرات. ليس لأحد، لا لنا ولا لسوانا، أن يقول للجيش ما عليه أن يفعل أو لا يفعل، لا مكان للعنتريات أو للمزايدات في هذا الشأن الخطير والحساس. حسبنا أن نكون مع هذا الجيش الوطني في أي قرار يتخذه، مؤمنين بأنه الأدرى بكيفية التعامل العسكري والميداني مع الحالات الشاذة، وبأنه الأقدر على حفظ هيبته ومعنوياته. سبق لهذا الجيش أن تجاوز الصعاب خلال العامين الماضيين، ولن يصعب عليه تجاوز المحنة الحالية بما يحفظه ويحفظ الوطن". وتابع: "قال رشيد كرامي الذي نتذكره معا اليوم: لقد ورثنا لبنان وطنا للحرية والإنسان، وشاهدا عليهما، وهذا ما نريد أن نحمله إرثا غاليا إلى أجيالنا اللاحقة. ونحن، بإذن الله، على خطى الرشيد".
"حرصاء على كشف القتلة ومعاقبتهم"
وردا على سؤال عن نظرته الى إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن تحت الفصل السابع قال: "نحن نؤكد مواقفنا السابقة، نحن جميعا من ناحية المبدأ مع هذه المحكمة، ونحن حرصاء على كشف القتلة والمجرمين ونيل العقاب، ولكن، طبعا، هناك انقسام حاد في لبنان حول ملاحظات عديدة على مسودة المحكمة. ولقد تابع اللبنانيون جميعا كيف هربت هذه المسودة من البحث والمناقشة ومن دخولها الطبيعي في الطرق الدستورية التي يجب أن تقر بها، لذلك نحن أعلنا مرارا عن هواجسنا من أن تستعمل هذه المحكمة لأغراض سياسية. وطبعا المحكمة كما صدرت عن مجلس الأمن وما قاله مندوبو الدول التي امتنعت عن التصويت، أكدوا أكثر من ذلك لجهة وجود سابقة خطيرة في حق مجلس الأمن في الاعتداء على الدول من ناحية السيادة والموضوع الدستوري ومن ناحية القوانين المرعية الإجراء على كل حال. العالم كله يترقب كيف ستعمل هذه المحكمة، وأنا أكيد أنه إذا انحرفت هذه المحكمة عن غاياتها وأهدافها فلن يكون الوضع في لبنان إلا جهنم مفتوحة".
وردا على سؤال عن الجديد في قضية ضم ملف اغتيال الشهيد رشيد كرامي إلى المحكمة الدولية، قال: "نحن فكرنا في هذا الموضوع واستعنا بلجنة قانونية درست الملف. مع الأسف، من الناحية القانونية فإن مجلس الأمن يتعاطى فقط مع الدول، ولذلك لم نستطع، مع الأسف".
وكان الرئيس كرامي تلقى سلسلة اتصالات هاتفية في الذكرى العشرين لاستشهاد الرئيس رشيد كرامي، أبرزها من: رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، الرئيسين سليم الحص ورشيد الصلح، رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون، النائب عبد اللطيف الزين، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الوزير السابق وديع الخازن، النائب السابق وجيه البعريني، طوني حبيب، عضو "اللقاء الوطني" خالد الداعوق.
فيما أمت دارته في طرابلس شخصيات وهيئات منها: الوزير السابق سامي منقارة، النائبان السابقان جهاد الصمد وعبد الرحمن عبد الرحمن، رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال عبد الله غندور والرئيس السابق للمحاكم الشرعية السنية في لبنان الشيخ ناصر الصالح.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018