ارشيف من : 2005-2008

د.غسان العزي يقرأ الانتخابات الفرنسية لـ"الانتقاد.نت" : الدول ليست جمعيات خيرية وهي تبحث عن مصالحها

د.غسان العزي يقرأ الانتخابات الفرنسية لـ"الانتقاد.نت" : الدول ليست جمعيات خيرية وهي تبحث عن مصالحها

للإجابة عن هذه الأسئلة كان لـ"الانتقاد.نت" مقابلة مع الخبير في الشؤون الأوروبية والفرنسية د.غسان العزي. وفي ما يلي نص المقابلة:‏

ـ ما هو دور فرنسا في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط وانطلاقاً من هذا الدور ما أهمية الانتخابات الرئاسية الفرنسية؟‏

د.غسان العزي يقرأ الانتخابات الفرنسية لـ"الانتقاد.نت" : الدول ليست جمعيات خيرية وهي تبحث عن مصالحها

فرنسا هي قوة عظمى تملك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن على الأقل، وهي دولة نووية وكلنا نعرف مدى أهمية العنصر النووي اليوم خاصة بعد الحرب العالمية الثانية حيث تبين أنه لا يمكن للدولة أن تكون عظمى إذا لم تمتلك السلاح النووي. كما أن الفرنسيين يقولون عن أنفسهم "نحن القوة العسكرية الثالثة في العالم والاقتصادية الخامسة" وهذا الأمر الذي لست متأكداً من صحته له أهمية إذا ما أخذناه بعين الاعتبار.‏

بشكل عام كانت فرنسا طيلة قرون طويلة القوة الأعظم أو بالأحرى هي وبريطانيا كانتا القوتين العظميين حتى الحرب العالمية الثانية وكانت فرنسا في حقبات معينة القوة العظمى خصوصاً الحقبة "النابوليونية". ومن بعد الحرب العالمية الثانية حاولت فرنسا أن تمارس دوراً سياسياً في العالم بحيث تلعب سياسة الخط الثالث ما بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية حيث احتفظت بعلاقات جيدة مع الاتحاد السوفياتي وكانت تشوب علاقتها مع الولايات المتحدة بعض التوترات من حين لآخر، أبرزها التوتر الذي حصل بين الجنرال شارل ديغول والرئيس الأمريكي أيزنهاور والذي انتهى بانسحاب ديغول من المنظمة العسكرية لحلف شمال الأطلسي.‏

بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين سارعت فرنسا تحديداً لترعى دول المجموعة الاقتصادية الأوروبية بمبادرة من الرئيس الفرنسي حينها فرانسوا ميتران للتفاوض وتوقيع معاهدة تقفز بالمجموعة الأوروبية قفزة نوعية وهائلة لتحولها إلى اتحاد وقد انتهت المفاوضات بسرعة لافتة لم تتعدى الأشهر المعدودة لتتمخض عنها معاهدة ماستريخت في 7 شباط/ فبراير 1992 والتي حولت المجموعة الأوروبية من مجرد مجموعة إلى اتحاد يطمح لأن يكون إلى جانب كونه اتحاداً اقتصادياً، اتحاداً سياسياً ودفاعياً.‏

توحدت ألمانيا بعد سقوط جدار برلين وباتت ألمانيا الموحدة ذات 80 مليون نسمة وذات الاقتصاد القوي عضواً في الاتحاد الأوروبي وبدأ الأخير يسير على عجلتين اقتصادية المانية وسياسية فرنسية إلى أن وصل عدد دول الاتحاد إلى 27 دولة اليوم. وأنا أتكلم عن الاتحاد الأوروبي بشكل عام نظراً لأهمية دور الاتحاد الأوروبي الذي تدفع فيه فرنسا على الأقل حتى اليوم أو بالأحرى حتى رفض الشعب الفرنسي التوقيع على الدستور الأوروبي المشترك في ايار/ مايو 2004.‏

بالنسبة لنا في منطقة الشرق الأوسط فرنسا ساهمت في رسم كل هذه الخرائط التي نعاني منها اليوم، فهي كانت وراء سايكس ـ بيكو، وهي كانت دولة كولونيالية سابقة واستعمرت عدداً من الدول العربية، وتربطها علاقات تاريخية مع بعض الدول ومنها لبنان.‏

ويسجل أن نفوذ فرنسا وبريطانيا انحسر غداة العدوان الثلاثي على مصر وتأميم الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس حيث حل مكانهما النفوذ الأمريكي والسوفياتي ولكن كانت دائماً المجموعة الأوروبية متمايزة عن الولايات المتحدة الأمريكية دون أن تكون فاعلة أي أن هذا التمايز في السياسة والمواقف لم يترجم الى افعال، وعلى سبيل المثال المرة الأولى التي تم الاعتراف فيها بحق الشعب الفلسطيني بدولة كان في إعلان البندقية سنة 1980 وكان بمثابة إعلان متقدم يعود الفضل فيه لفرنسا.‏

يضاف إلى ذلك أن الفرنسيين يؤمنون أنهم يعيشون على تخوم الشرق الأوسط وبالتالي يرون أنه ينبغي أن تكون هذه المنطقة منطقة ازدهار وتطور وأن لا تكون خط تماس ما بين حضارتين وثقافتين وكتلتين.‏

ويسجل للمواقف الفرنسية أنها لم تكن فقط متقدمة على المواقف الأمريكية بل أيضاً غالباً ما كانت الولايات المتحدة تنتقل لهذه المواقف وعلى سبيل المثال رؤية الرئيس الامريكي جورج بوش لدولتين في الأراضي المحتلة هو موقف سبقه اليه الفرنسيون الذين اعترفوا بمنظمة التحرير في وقت كان الرئيس الامريكي رونالد ريغان يقول عنها إنها "عصابة قتلة أطفال".‏

ـ ماذا تشكل الانتخابات الرئاسية في فرنسا؟‏

د.غسان العزي يقرأ الانتخابات الفرنسية لـ"الانتقاد.نت" : الدول ليست جمعيات خيرية وهي تبحث عن مصالحها

الانتخابات الفرنسية تعني بكل بساطة نهاية عصر أو حقبة رئاسية امتدت لـ12 سنة وبداية حقبة رئاسية يعلق عليها البعض الآمال بالتغيير نحو الأفضل والبعض الآخر وهو الأكثرية لا يريد أن يشعر مسبقاً بخيبة أمل إذ أنه يعرف أن تغير الرئيس لا يعني تغيير السياسات.‏

حتى الآن الملفت أن استطلاعات الرأي حتى الآن تقول إن 50% من الفرنسيين لم يقرروا بعد ماذا سيفعلون ومن سينتخبون و50% أخذوا قرارهم وبالتالي لا نستطيع الاعتماد على استطلاعات الرأي كثيراًَ لأنها تجري على نصف الشعب الفرنسي اضافة إلى ان عدد الفرنسيين في المهجر حوالى 1،5 مليون نسمة وهذا العدد يغير في المعادلات.‏

وككل انتخابات يترشح الى الانتخابات الرئاسية الفرنسية كل ألوان الطيف السياسي وهي تتمثل بـ12 مرشحاً متنوعين سياسياً وهنا أشير إلى أن ليس لدى كل المرشحين أمل بالنجاح فمعظمهم يعتبر نفسه ناجحاً ومنتصراً اذا حصل على 5 أو 6% وهناك من يترشح منهم لتسجيل موقف. على سبيل المثال يترشح جوزيه بوفيه وهو يعلم مسبقاً أنه لن يفوز ولكن اذا حصل على نسبة 5% يصبح بوفيه ظاهرة يتم دراستها ويبدأ ببناء الآمال على إنشاء حزب راسخ وقد يصبح جزءاً من السلطة في يوم من الأيام، أما بالنسبة لزعيمة الخضر دومينيك فوينيه فإن كل الاستطلاعات الرأي تعطيها ما بين 0،5 و1،5% وهناك من يتهمها بأنها لا تخوض حملة انتخابية نشطة وذلك لأنها أمنت مقعد وزير منذ اللحظة، وهذا مثال على ان عدداً من المرشحين يترشحون طمعاً بالحصول على مقعد وزاري مقابل تجيير الأصوات التي قد يحصل عليها لأحد المرشحين في الجولة الثانية.‏

وبالتالي يمكن القول إن هناك 4 مرشحين جديين للوصول الى الرئاسة الفرنسية هم مرشح الحزب الحاكم (حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية) نيكولا ساركوزي ومرشحة الحزب الاشتراكي سيغولين رويال ومرشح يمين الوسط فرانسوا بايرو ومرشح اليمين المتطرف (الجبهة الوطنية) جان ماري لو بان.‏

ـ ماذا يمكن القول عن كل مرشح من هؤلاء، سياسته وحظوظه في الوصول إلى قصر الأليزيه؟‏

جان ماري لو بان؟‏

د.غسان العزي يقرأ الانتخابات الفرنسية لـ"الانتقاد.نت" : الدول ليست جمعيات خيرية وهي تبحث عن مصالحها

أنا متأكد أن جان ماري لو بان لن يصبح رئيساً لفرنسا لأنه اذا وصل للجولة الثانية وفي وجهه أي من المرشحين الثلاثة الآخرين فالشعب الفرنسي بيمينه ويساره ووسطه سوف يصوت للمرشح الآخر. أي أن ظاهرة شيراك في العام 2002 ستتكرر حيث كان هناك مرشحان أساسيان هما جاك شيراك وليونيل جوسبان إلا أن الفرنسيين اعتبروا أن صعود جوسبان للدورة الثانية حاصل لا محالة فصوتوا احتجاجياً لمرشحي اليسار الذين كان عددهم كبيراً ما أدى إلى وصول لو بان إلى الجولة الثانية في مواجهة شيراك الذي حصل حينها على 80% من الأصوات حيث اعتبر الفرنسيون أن الواجب الوطني يستدعي التصويت لشيراك، وبالتالي فإن وصول لو بان الى الدورة الثانية سيسجله التاريخ في فرنسا وهو أمر مرعب بالنسبة للفرنسيين.‏

وهناك اذاً فرق بين الصوت الاحتجاجي وبين تمني وصول لو بان الى الرئاسة وجزء من أصوات لو بان هي احتجاجية لذلك فإن المعركة الأساسية بين المرشحين الثلاثة الآخرين.‏

بايرو‏

ـ ماذا عن بايرو وحظوظه خصوصاً أن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت مراوحته لمكانه علماً أنه تقدم بشكل ملحوظ قبل ذلك؟‏

د.غسان العزي يقرأ الانتخابات الفرنسية لـ"الانتقاد.نت" : الدول ليست جمعيات خيرية وهي تبحث عن مصالحها

كثيرون استهانوا ببايرو عندما ترشح وقد أعطته أقصى الاستطلاعات في البداية ما بين 5 و10% وذلك لأسباب عديدة منها أنه عندما كان وزيراً للتربية تسبب بمظاهرات سنة 1994، ومنها أن حزب الاتحاد من أجل ديمقراطية فرنسية الذي يتزعمه (UDF) حزب ليس قوياً حيث انسحب منه أعضاء كثيرون والتحقوا بالحزب الحاكم (UMP) مثل رئيس الوزراء الأسبق جان بيار رافاران ووزير الخارجية الحالي فيليب دوست بلازي وقد ضعف الحزب لصالح الحزب الحاكم فكان ترشح بايرو مفاجأة للكثيرين على اعتبار أن ساركوزي يمثل اليمين بكل أطيافه. وبدأ بايرو يتسلق استطلاعات الرأي بسرعة هائلة حيث أخذ من شعارات اليسار واليمين وراح يقدم وعوداً وعرف كيف يلعب على موضوع العولمة خصوصاً وأن الفرنسيين يخافون كثيراً من هذا الموضوع إضافة إلى تبنيه ما يسمى "الاقتصاد الاجتماعي" وهو ما يغري الكثير من اليساريين.‏

عندها تحول المرشحون عن الكلام عن برامجهم الانتخابية ليهاجموا بايرو الذي راح بدوره يرد عليهم ما أفقده بعضاً من رصيده ولكن رغم ذلك فإن وصوله إلى الدورة الثانية يعني فوزه لأنه سيأخذ أصوات رويال في حال تنافس مع ساركوزي وأصوات الأخير في حال تنافس مع المرشحة الاشتراكية.‏

هل يعتبر بايرو رئيساً قوياً في حال تمكن من الفوز؟‏

في الواقع جميع المرشحين ليسوا أقوياء لأن فرنسا دولة مؤسسات وهذه الدول بشكل عام فيها عدد هائل من المستشارين فالرئيس يكون محاطاً بهؤلاء ومراكز الأبحاث ولا أعرف مدى اتخاذه للقرارات بشخصه. علماً أن لدى المرشحين المذكورين شهادات علمية وهم مثقفون ولديهم تجارب سياسية وهم تسلقوا السلطة تدريجياً فكانوا أعضاء بلدية ليصبحوا بعد ذلك وزراء في الحد الأدنى وهم بالتالي قادرون على المنافسة على منصب رئيس الجمهورية في بلاد لا تحتاج الى قائد تصيح له الجماهير "بالروح بالدم".‏

رويال‏

ماذا عن المرشحة الاشتراكية؟‏

أنا كمراقب لم أتوقع يوماً أن تصل رويال الى هذه المرحلة أما كونها سيدة فإن ذلك يعطيها فرصاً خصوصاً لدى جمهور السيدات إضافة إلى أنها اشتراكية والشعب الفرنسي يحب التغيير بشكل عام فهو جرب لمدة 12 سنة رئيساً يمينياً.‏

وما يلفت أنه لأول مرة في تاريخ فرنسا يوجد مرشح اشتراكي يتكلم كثيراً عن تاريخ فرنسا وهذا ما تفعله رويال حيث تطلب من الفرنسيين رفع العلم الفرنسي وإنشاد النشيد الوطني في الأعياد الوطنية كما تستحضر الكبار في تاريخ فرنسا.‏

ساركوزي‏

ماذا بالنسبة لساركوزي؟‏

هو رجل طموح جداً جداً واستطاع أن يخترق ويتنقل من منصبه عمدة لبلدة "نويي سور سان" إلى وزير، الى ربما رئيس للجمهورية بسرعة هائلة أما عن علاقته بأوساط حزبه فهو ليس على علاقة جيدة بشيراك ودومينيك دو فيلبان. وساركوزي يميني مؤيد للولايات المتحدة وهو الأقرب إليها من الآخرين.‏

لماذا إذا أعلن الرئيس الفرنسي دعمه لساركوزي؟‏

د.غسان العزي يقرأ الانتخابات الفرنسية لـ"الانتقاد.نت" : الدول ليست جمعيات خيرية وهي تبحث عن مصالحها

لأنه لا يستطيع عكس ذلك علماً أنني لا أفسر خطاب شيراك على أنه دعم لساركوزي فهو قال في كلمته "بطبيعة الحال فإن دعمي يذهب الى ساركوزي" وطبيعة الحال تعني أنه "لا يمكنه غير ذلك". وقد جاء ذلك في خطاب دام دقيقتين تحدث فيه عن أمور عدة، فهو أعلن أن الانتخابات باتت قريبة وأنه لن يترشح وأن ساركوزي لم يعد وزيراً للداخلية وأنه بطبيعة الحال سيدعمه حتى أنه لم يطلب من الآخرين أن يدعموه.‏

ـ عادة يكون أمام الرئيس الجديد ملفات عديدة واستحقاقات؟ على الصعيد الداخلي في فرنسا ما هي اهتمامات الشعب الفرنسي؟‏

الشعب الفرنسي يهتم بموضوع السياسة الخارجية لكن هذا الأمر ليس في طليعة اهتماماته وقد أشارت استطلاعات للرأي أنه من ضمن 10 أسئلة طرحت على مواطنين غربيين كانت السياسات الخارجية تحتل الرقم 10 في سلم اهتمامات المواطنين في كل من الدول التالية: فرنسا وامريكا والمانيا.‏

والدليل على ذلك أنه رغم كل المظاهرات التي قام بها البريطانيون ضد الغزو الأمريكي للعراق ووصفهم رئيس الوزراء توني بلير بـ"أنه كلب عند بوش" إلا أنهم عادوا وصوتوا مرة ثالثة لبلير لأنه كانت له إنجازات على صعيد الداخل البريطاني.‏

ومن الملفات التي تهم المواطنين الفرنسيين الأمن الداخلي والهجرة وتأمين فرص العمل والمواضيع الاجتماعية الداخلية.‏

ماذا عن العرب والمهاجرين في فرنسا ومن هو المرشح الأقرب لديهم؟‏

سيغولين رويال هي الأقرب لسبب بسيط لأنها تقول في حملتها الانتخابية إنه يجب تخفيف الإجراءات في إعطاء الجنسية. وقد تحدث الكتاب الفرنسيون عن ضرورة مراعاة العرب لكونهم يشكلون كتلة انتخابية. والملفت أن هذه المرة عمد كل المهاجرين العرب إلى الحصول على بطاقات انتخابية حتى أؤلئك الذين لم ينتخبوا يوماً وكل ذلك من أجل التصويت ضد ساركوزي الذي يعتبرونه سيفاً مسلطاً على رقابهم.‏

هناك استحقاق أمام الرئيس الجديد هو موضوع الدستور الأوروبي؟ كيف سيتعاطى المرشحون الثلاثة مع الأمر؟‏

المرشحون الثلاثة هم أوروبيون رغم أن الأشخاص الذين يحيطون برويال ضد أوروبا وهم يخلطون المواقف بحيث يقولون إننا مع صيغة جديدة حول الدستور ويتكلمون كثيراً عن فرنسا الشعب والأمة والوطن والعلم والتاريخ وكأنهم يريدون أن يقولوا للشعب الفرنسي "لا تخافوا إذا عدنا وتكلمنا عن أوروبا فنحن فرنسيون قبل كل شيء".‏

لبنان في السياسة الخارجية لفرنسا‏

ـ تحتل السياسة الخارجية للمرشحين أهمية بالنسبة لنا في المنطقة وفي لبنان؟ ماذا يمكن القول عن برامج المرشحين الثلاثة للسياسة الخارجية؟‏

برأيي إن اللبنانيين بموالاتهم ومعارضتهم والعرب كل العرب سيترحمون على عهد شيراك لأنه لم يمر رئيس في تاريخ فرنسا قريب إلى هذه الدرجة من العرب ومن القضية الفلسطينية كما كان عليه الرئيس شيراك.‏

في مجلة الأسبوع العربي في عددها الصادر منذ اسبوعين قال ساركوزي "إن لبنان أولوية لديه وإن حزب الله هو ميليشيا خارج عن سلطة الدولة اللبنانية" في حين أن شيراك لم يصف يوماً حزب الله بهذا الوصف وساركوزي وعد بالقطيعة مع سياسة شيراك وعليه يمكن القول إن ساركوزي سيسعى لوضع حزب الله على لائحة الإرهاب الأوروبية كما أنه يهاجم سوريا ويتساءل عما اذا كانت مستعدة لحوار جدي.‏

أما بالنسبة لسيغولين رويال فلا أعتقد أنها ستختلف عن ليونيل جوسبان وهو أول من قال "إن حزب الله هو إرهابي وذلك في جامعة بيرزيت في الأراضي الفلسطنيية المحتلة". وبايرو لا يختلف عن ساركوزي ورويال في هذا الأمر وسنترحم على شيراك أياً كان الرئيس الجديد باستثناء جوزيه بوفيه وهو الذي يعتمر الكوفيه الفلسطينية وهو مرشح فلسطين ولكن للأسف لن يتخطى الـ2% وبأحسن الأحوال 3%.‏

ولكن دائماً كانت السياسة الخارجية بخطوطها العريضة واحدة منذ شارل ديغول وحتى شيراك تبحث عن موقع متميز لفرنسا ما بين المعسكرات الخارجية وهي تعتبر منطقة الشرق الأوسط منطقة مصالح لها فهم مثلاً ضد صدام الحضارات لأن ذلك يعني صدامهم هم مع الحضارات فهم مع الوئام والتقارب بين الشعوب.‏

صحيح أن ساركوزي قال إنه سيجري قطيعة خاصة بالسياسة الخارجية لكن لا أعتقد أنه يستطيع أن يذهب بهذه القطيعة بعيداً ففرنسا ليست نظاماً ديكتاتورياً. بالمجمل‏

أعتقد أن السياسات العريضة رسمت وهذه ترسمها التطورات الدولية وليس شخص الرئيس المنتخب.‏

ـ يقال إن القاسم المشترك بين المرشحين الثلاثة ولاؤهم للدولة العبرية؟ هل هذا الأمر صحيح؟‏

هذه ليست حال شيراك فالأخير كانت لديه مشاكل مع "اسرائيل" التي تعتبره معادياً للسامية وشارون من قال عنه ذلك. أما ساركوزي فسياسته إسرائيلية حتى أن الإسرائيليين صمموا له طابعاً بريدياً منذ اللحظة وأعلنت كل الجمعيات اليهودية المؤيدة لـ"اسرائيل" خصوصاً جمعية "أرباب العمل" LES PATRONS وهي الأفعل في فرنسا تأييدها بل أعلنت أن مرشحها ساركوزي وكذلك "اسرائيل" والولايات المتحدة ولذلك نستطيع التكهن بشكل واضح ما سيكون عليه ساركوزي.‏

أما سيغولين رويال فهي ليست مرشحة "اسرائيل" ولا أمريكا إلا أن الاشتراكية الفرنسية تقليدياً هي صديقة للاشتراكية الإسرائيلية بعيدة عن الولايات المتحدة لكنها قريبة منها لناحية المصالح.‏

ـ ماذا عما ستكون عليه العلاقة الفرنسية الأمريكية؟ ومن هو الأقرب إلينا بين المرشحين؟‏

لا أحد قريب منا ولا أحد بعيد عنا، وحدها المصالح هي التي تقرر هذا الأمر فالدول ليست جمعيات خيرية فهي تبحث عن مصالحها، فمثلاً اذا وجد بايرو أن القرب من الأمريكيين لمصلحة فرنسا فهو سيقترب أي أن لا شيء ثابت.‏

ولكن لا أعتقد أن أحداً في تاريخ فرنسا وقف في وجه الأمريكيين كما فعل جاك شيراك الذي هدد باستخدام حق الفيتو ضد أمريكا نفسها. والمواجهة الأمريكية الفرنسية لم تصل إلى ما وصلت اليه في عهد شيراك خاصة في العام 2003 حين قاطع الفرنسيون البضائع الأمريكية والأمريكيون البضائع الفرنسية ولا أعتقد أن أحداً من المرشحين قد يصل بالعلاقة الفرنسية الأمريكية إلى ما وصلت إليه في عهد شيراك بل إنني متأكد أننا سنشاهد إعادة ترتيب لهذه العلاقة.‏

ـ ولكن هناك تقاطع بين السياسة الأمريكية والفرنسية إزاء لبنان وسوريا كيف تفسرون هذا الأمر؟‏

السبب الأساسي هو علاقة شيراك بالرئيس السوري بشار الأسد وهي علاقة ساءت سنة 2004 مع صدور القرار 1559 الذي كانت فرنسا وتحديداً شيراك وراء البند المتعلق بالخروج السوري من لبنان فيما كانت الولايات المتحدة الأمريكية وراء البند المتعلق بنزع سلاح المقاومة. وتم الاتفاق في قمة "سي آيلاند" على دفن الخلاف حول العراق.‏

ـ ماذا عن نظرة المرشحين إلى العلاقة مع سوريا؟.‏

هناك فرق بين ساركوزي والمرشحين الآخرين إزاء العلاقة مع سوريا وهو كالفرق بين بوش وبيلوسي فبوش مع القطيعة وعدم الكلام مع سوريا وشيراك كذلك وأيضاً ساركوزي أما رويال وبايرو فهما مع الكلام والحوار. ولكن ينبغي أن نميز بين الحوار كحوار ومضمون الحوار حيث يجمع كل هؤلاء على أن يكون الحوار تحت سقف القرار 1559 وكل القرارات الدولية.‏

ـ ماذا عن البرنامج النووي الإيراني كيف يقارب المرشحون هذا الملف؟‏

كما في الصراع العربي الإسرائيلي وفي أزمة دارفور كذلك في هذا الموضوع هناك قاسم مشترك بين المرشحين وهو التعاطي مع إيران بحزم لمنعها من الحصول على السلاح النووي.‏

وهنا أود الإشارة إلى أن السياسة الخارجية لساركوزي واضحة أكثر من سياسة رويال وبايرو اللذين لم يضمنا برنامجيهما الانتخابيين الكثير حول هذا الموضوع.‏

ـ أخيراً، كيف تقيمون حقبة شيراك ولماذا لم يترشح لولاية ثالثة؟‏

بالنسبة للوضع الداخلي لم يستطع شيراك الإيفاء بوعوده للشعب الفرنسي على غرار كل المرشحين للرئاسة وأنا مقتنع أن المرشحين للرئاسة الفرنسية لن يتمكنوا من تنفيذ وعودهم.‏

وصل شيراك على الصعيد الداخلي منذ سنتين إلى مرحلة كانت منتهية شعبيته إذ وصلت إلى الحضيض. ويؤخذ على شيراك في الموضوع اللبناني سياساته التي مارسها بناء على علاقاته الشخصية مع آل الحريري.‏

وصل شيراك منهكاً بعد عشر سنوات في الرئاسة وآخر معركة خسرها كانت معركة مرشحه للرئاسة دومينينك دو فيلبان الذي مني بخسارة في الموضوع الاقتصادي وذلك بسبب العقد الوظيفي الأول الذي رفضه الفرنسيون ومنذ تلك المظاهرات عرف أن لا شيراك ولا دوفيلبان لديهما حظوظ في الرئاسة.‏

حوار وصورة : ميساء شديد

2007-04-10