ارشيف من : 2005-2008

"القدس عاصمة السماء وعاصمة الأرض"

"القدس عاصمة السماء وعاصمة الأرض"

أسماء كثيرة أطلقت عليها، وثبت أخيراً اسم القدس، وكانت مختلف هذه الأسماء تدل على القداسة والتقديس والسلام، ومن السلام اتخذت اسماءً مختلفة لها، اتخذت اسمها الأول الإله الكنعاني "شاليم" أي إله السلام.
ورد اسم أورشليم في التوراة أكثر من 680 مرة، وهي تسمية كنعانية أصلية، وأطلقت التوراة أسماء أخرى على المدينة منها مدينة الله، وتذكرها أحياناً باسم يبوس أو مدينة اليبوسيين.
في العهد الروماني سميت القدس بمدينة إلياء، وبقيت هذه التسمية معروفة حتى بعيد الفتح الإسلامي.
سِجِلُّ تاريخ القدس، هو في جوانب كثيرة ومعبّرة منه سجل لتاريخ العرب أجمعين، على اختلاف انتماءاتهم.
تقع مدينة القدس على خط طول 35 درجة و13 دقيقة شرقاً، وخط عرض 31 درجة و52 دقيقة شمالاً، وترتفع نحو 750م عن سطح البحر، ونحو 1150م عن سطح البحر الميت.
داخل أسوار القدس يتفاعل التاريخ والدين بأقانيمه المختلفة، وفي مساحة تتجاوز 860 دونماً تحتفظ بأكثر من 350 أثراً دينياً. وبذلك يكون عمر القدس قد تعدى 35 قرناً من الزمان.
اليبوسيون
اليبوسيون هم أول شعب سكن القدس وبنوا سورها حوالى العام 3000 قبل الميلاد، وهم شعب ينتمي إلى القبائل الكنعانية جاؤوها من الجزيرة العربية.
تبين المراجع التاريخية أن اليبوسيين هم الذين بنوا الصيغة الأولى لسور القدس، وأنه طرأت عليه تعديلات وعمليات ترميم في الفترات المتعاقبة، منها التجديد الذي تم في زمن صلاح الدين الأيوبي بعد استرداد القدس عام 1187 ميلادية، ولكن هذا السور تعرض للخراب بعد أكثر من 30 عاماً بفعل تعرض المدينة لحصار صليبي، ودمّر مرة أخرى في العام 1227، وبسبب ذلك تمكن فريدريك الثاني من استلام المدينة المقدسة في العام 1229، ثم بقيت القدس لأكثر من ثلاثة قرون متتالية تفتقر إلى نظام دفاعي فعال، إلى أن جاء العهد العثماني.
سور القدس
سور القدس، الذي يحيط بالمدينة القديمة من جهاتها الأربع، القائم اليوم، هو نتاج تجديد استغرق خمس سنوات اعتباراً من العام 1536 ميلادية، في فترة السلطان العثماني سليمان الأول المعروف بـ"القانوني"، وبإشراف مباشر من معتمده المهندس خوجاسنان، وكان هذا التجديد فوق أساسات البناء المتهدم التي بقيت من العهد الأيوبي.
جعل للسور آنذاك 34 برجاً و344 فتحة رمي، وفي أعالي أبراج بوابات السور بنيت 17 حجرة لأغراض قتالية.
أما أواخر عمليات ترميم المسجد الأقصى خلال العهد العثماني فقد كان منها الترميم الواسع الذي تم بعد زيارة والي صيدا للمسجد في العام 1816، والترميم الذي جرى في زمن السلطان عبد الحميد الذي أنفق على أعمال ترميم الحرم وزخرفته 20 ألف ليرة، عدا الأثاث الذي بلغ ثمنه نحو 10 آلاف ليرة، كذلك انشأت خلال العهد العثماني مساجد عدة في الحرم القدسي للصلاة والتدريس، وهي أمكنة مرتفعة قليلاً بنيت من الحجارة وبلّطت سطوحها، ولبعضها محراب باتجاه القبلة. أبرزها: مسطبة سليمان ومسطبة علي باشا ومسطبة الطين.
خلال العهد العثماني، ولا سيما في عقوده المتأخرة، تبلورت في القدس القديمة (داخل السور) أربعة أحياء، لا تزال قائمة، هي: الحي الإسلامي (في الشمال الشرقي = نحو 300 دونم) الحي المسيحي (في الغرب = 180 دونماً) الحي اليهودي (في الجنوب، وقد توسع لاحقاً وصودرت نسبة 90% من منازله من الفلسطينيين = 116 دونماً) الحي الأرمني (في الجنوب الغربي = 135 دونماً).

مسجد الصخرة
يرجع اهتمام المسلمين في شتى أصقاع الأرض للصخرة بسبب علاقتها الوثيقة بقصة الإسراء والمعراج، وقد خصهما القرآن الكريم بسورة من سوره هي "سورة الإسراء ورقمها 17".
تقع تلك الصخرة تحت قبة المسجد المعروف مباشرة وطولها من الشمال إلى الجنوب حوالى 17 متراً ونصف المتر، وارتفاعها يتراوح بين المتر ومترين، وقد تم بناء القبة المثمنة الشكل في العام 691 ميلادية، ويرجع تاريخ انشاء المسجد الأقصى إلى العام 638 ميلادية.

مسجد الأقصى
يقع المسجد الأقصى في الجهة الجنوبية من رقعة الحرم، وقد شرع في بنائه عبد الملك بن مروان وأتمه ابنه الوليد في العام 705 ميلادية، ويبلغ طوله 18 متراً وعرضه 35 متراً، ويقوم على 53 عموداً من الرخام و49 سارية مربعة الشكل.
وفي داخل الأقصى جامع مستطيل يسمونه جامع عمر، وديوان كبير يسمونه مقام عزيز، وايوان آخر يسمونه محراب زكريا، وأمام المسجد من الشمال رواق أنشأه الملك عيسى الأيوبي في العام 1217 وهو مؤلف من 7 قناطر مقصورة، كل واحدة منها تقابل باباً من أبواب المسجد.
 أما جدار البراق فهو حائط كبير مبني من الحجارة الضخمة ويبلغ طوله حوالى 56 قدماً وارتفاعه 65 قدماً.

مدارس القدس
انتشرت في القدس عبر العصور عشرات المدارس التاريخية التي سميت بأسماء المؤسسين لها والأماكن التي انشئت فيها، وخاصة في العصر المملوكي الذي ازدهرت فيه العمارة الاسلامية في القدس، ومن أشهر هذه المدارس المدرسة العمرية التي تعد مجمعاً لثلاث مدارس، والمدرسة الطازية التي ما زالت شاهدة على عصرها حتى يومنا هذا، والمدرسة الجاولية والمدرسة الأمينية والمدرسة الأرغونية والمدرسة الأشرفية والمدرسة الغادرية والمدرسة الأسعردية والمدرسة المحدثية.
تبدأ المدرسة المحدثية من الزاوية الغربية بجانب مئذنة باب الغوانمة، وهي مكونة من طابقين وكل طابق مؤلف من خمس غرف وفي الطابق السفلي منها مسجد.
أما المدرسة الأرغونية فهي احدى مدارس الأقصى التي لعبت دوراً كبيراً في تعليم وتثقيف أهل القدس عبر عشرات السنين، ولكن في ظل الاحتلال الصهيوني الذي يعمل على طمس هوية القدس الاسلامية، أُهملت هذه المدرسة، وأضحت مسكناً لا قيمة له.
وأما المدرسة الأمينية فهي من أجمل المدارس المطلة على ساحات الأقصى ومن أهمها، حيث تمثل دروعاً وحصوناً تدافع عن أبوابه، وهي اليوم مكان شبه مغلق.

نمو عدد السكان
من ناحية أخرى، تفيدنا إحصاءات دافعي الضرائب بأن فترة حكم السلطان سليمان شهدت نمواً متزايداً جداً في عدد سكان القدس، فبينما كان عددهم لا يتجاوز الـ4000 نسمة عام 1525، ارتفع إلى نحو 12000 نسمة في العام 1553، وإن ارتفاع عدد السكان إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه خلال 30 عاماً يعد مؤشراً على الجاذبية الجديدة للمدينة.
بتأثير النمو السكاني وانتقال أبناء المناطق المجاورة إلى القدس، وقدوم المهاجرين اليهود، بدأت تظهر المباني خارج السور منذ أوائل الخمسينيات من القرن التاسع عشر.
في أواخر العهد العثماني أصبح عدد سكان القدس الجديدة نحو 35 ألف نسمة، أي ما يقارب عدد سكان البلدة القديمة الواقعة داخل السور، والمثير للانتباه ان هذا العدد الأخير ظل على حاله حتى الآن، بتأثير حركة السكان والسياسات الصهيونية، فيما ازداد عدد السكان العرب واليهود في القدس الجديدة (بشطريها الشرقي والغربي) إلى نحو 650 الف نسمة.
وأخذت مساحتها تتسع تدريجياً في العقود اللاحقة، حتى أصبحت القدس القديمة تشكل حالياً نحو 1% من مساحة القدس الكبرى.

التهويد
بدأت في عهد الأمبراطورية العثمانية تتشكل نواة الحركة الصهيونية حسب ما سماها أصحابها في العام 1882 للحصول على فلسطين، تمت دعوى "أرض الميعاد" و"استعداء السامية" وبدأ  تنظيم الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
نشأت قواعد الحركة الصهيونية الرامية إلى انشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين" بعيد اغتيال قيصر الروس الكسندر الثاني من العام 1881.
التهويد استهدف فلسطين كلها، وركز على القدس بصفة خاصة فزنرها الاحتلال بالمستوطنات وفرغها من اهاليها بالإرهاب.
ان ما تلا الحرب العالمية الأولى من انهيار تام للأمبراطورية العثمانية، ومن ثم ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، جعل القدس قبل غيرها فريسة سهلة أمام الأطماع الإسرائيلية. وقد ساعدت الأوضاع الدولية المرافقة على ذلك من اعلان وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 إلى تسهيل الهجرة اليهودية ما بين العامين 1920 و1948، ليصل عدد المهاجرين اليهود إلى 56 ألفاً في العام 1948. في 30 تموز 1980 تقدمت النائبة غينولا كوهين العضو في المنظمة الارهابية "شتيرن" باقتراح يجعل القدس عاصمة "لإسرائيل"، ونص القانون على أن تكون "القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة  اسرائيل وهي مكان ومقر رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا".
عبد الحليم حمود
الانتقاد / العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/ اكتوبر 2007

2007-10-05