ارشيف من : 2005-2008

شهر رمضان واستحضار الأمة للقدس والمقدسات

شهر رمضان واستحضار الأمة للقدس والمقدسات

لقد فرض الله الصيام على الفرد المسلم وعلى الأمة المسلمة، وصيغة التكليف كانت بالجمع "كتب عليكم الصيام"، والهدف الواضح هو التقوى "لعلكم تتقون"، وتقوى الفرد بلزوم الطاعة واجتناب المعاصي، بفعل ما أوجب الله عليه وترك ما حرّم الله عليه، وتقوى الأمة كذلك تكون بأداء واجبها والتخلي عما حُرم عليها لتكون خير أمة أخرجت للناس كما أراد الله لها أن تكون، "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، ففاعلية الأمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الشاهد على أنها خير أمة، والعكس صحيح أيضاً، بحيث ان تخلي الأمة عن هذا الواجب يجعلها أمة راكدة قاصرة ضعيفة وواهية يتآكلها الأعداء من كل جانب، وتنتهب ثرواتها وخيراتها وتقعد عاجزة عن الحراك والدفاع عن نفسها، وإن أبشع منكر عرفه التاريخ الحديث هو "اسرائيل"، التي تعني من حيث الظاهر احتلال أرض وطرد شعب لكنها من حيث الفعل هي محاولة لنسف التاريخ وضرب التراث والانقضاض على المبادئ والقيم، وفي مشاريع الأمم هي رأس حربة في مشروع يهدف إلى تفتيت الأمة الإسلامية وتفكيكها وتحويلها إلى كيانات متناثرة متنافرة تتنازعها المصالح الضيقة بعد تصديرها وتقديمها على أنها مصالح مقدسة لا تمسّ، كما أن وجودها (أي "اسرائيل") مدعاة إلى التخلف والتأزم وانعدام التنمية والتقدم في المحيط العربي ـ الاسلامي، لأن اسرائيل الارهابية التي تمتلك أسباب القوة والبطش والموت والخراب ستكون الذريعة للتسلح والارتهان الأمني لأرباب "اسرائيل" (المستكبرين) والاستثمار في شراء المعدات والأسلحة بدل الاستثمار في التنمية والعلوم والتكنولوجيا. من هنا فإن الصراع مع هذا الكيان ومقاومته ليس نشاطاً جهادياً أمنياً فحسب، وانما هو صراع تاريخي مبدئي لا يحتمل التنازل أو التراجع، إنه صراع تفرضه حتمية التناقض بين الحق والباطل التي تؤسس لحتمية الصراع والمواجهة، وعلى ضوء هذا المبدأ فلا صلح ولا تسوية مع هذا الكيان، فإنه شر مطلق كما عبر الإمام موسى الصدر (اعاده الله) والشر المطلق تعبير عن عدم امكانية الالتقاء أو التفاهم، وإنه احتلال ولا بد أن يزول.
وان القدس للمسلمين ويجب أن تعود اليهم بحسب النظرة الإلهية للإمام الخميني (قده) الذي اعتبر فلسطين والقدس القضية المحورية للمسلمين والمؤشر على مدى الحياة في قلب الأمة وكيانها، فما دام هناك مقاومة وممانعة وتحدّ ومواجهة فالأمة بخير ودماؤها تجري في العروق وقلبها ينبض وأركانها تعمل، وفي حال الخنوع والتهاون والتقاعس عن جهاد ومقارعة هذا الكيان فإن ذلك شاهد موات وفناء للأمة حتى لو كان جسدها قائماً وشاخصاً، فإنها تتكئ على عصا مهترئة لا بد أن تنهار لتثبت حالة الوفاة للأمة، والإمام الخميني (قده) الذي استنهض هذه الأمة ودبّ فيها أسباب الحياة، وهو الحجة عليها وعلى علمائها ومثقفيها ونخبها وجماهيرها قام هذا الإمام (قده) باختيار أفضل يوم من أيام الأمة وهو يوم الجمعة، وأفضل شهر من أشهر الأمة وهو شهر رمضان، وأفضل فترة من هذا الشهر وهي النصف الثاني منه، وجمع بين هذه الأزمنة الفضلى التي تعني الكثير للمسلمين على مستوى التوحد وعلى مستوى التعبد، التوحد بين أجزائها ومكوناتها والتعبد لخالقها الواحد الأحد، الذي أراد لها أن تكون أمة واحدة، وأن تكون أمة وسطاً، وأن تكون خير أمة، أمة واحدة لأنها تتبع إلهاً واحداً، وأمة وسطاً لتشهد على الأمم وتستقطبها الى الحق والى العبودية، وخير أمة لتقود الأمم الى النجاة والسلام والعدالة، ولتكون أمة المسلمين كذلك عليها أن تتخذ من هذا اليوم الجمعة الأخير من شهر رمضان من كل عام محطة استحضار للقدس ولفلسطين لا من أجل التباكي والرثاء والنعي، بل من أجل استعراض القوة والاقتدار والعنفوان طريقاً الى إرهاب العدو واخافته عندما يلبي جميع المسلمين بالصوت الواحد المدوّي الصارخ "يا قدس إننا قادمون".
الانتقاد / العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/ اكتوبر 2007

2007-10-05