ارشيف من : 2005-2008

اغتصاب القدس تحدّ دائم للمسلمين

اغتصاب القدس تحدّ دائم للمسلمين

"القدس" تلك البقعة المباركة من الأرض العابقة بالأجواء الايمانية والروحية التي تتسلل إلى نفس المسلم وقلبه وروحه من خلال قوله تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى".
فالقدس مهد الأنبياء، وموطن الرسالات السماوية، وأرض الطهر والقداسة، وقبلة المسلمين الأولى، ومعراج خاتم الأنبياء "محمد" (ص) إلى السماوات العلى، ولذلك كله تثير تلك المدينة في النفس مشاعر الأسى والحزن والأسف كونها صارت مدينة مغتصبة من جانب شذاذ الآفاق "الصهاينة" الذين اجتمعوا في أرض فلسطين من كل بقاع العالم ليستوطنوا فيها ويطردوا منها أهلها الفلسطينيين الذين صاروا مشردين في كل أرجاء الأرض.
إن احتلال القدس من جانب الكيان الغاصب هو تحدّ سافر وفاضح جداً للمسلمين، وعلى كل أبناء الأمة الإسلامية أن يسعوا لتحريرها لكل ما ترمز اليه مما ذكرناه من مقام عالٍ ومكانة مميزة في عقيدتنا الإسلامية وفي قلوب المسلمين.
فمن منا لا يحلم بأن يزور القدس ومسجدها الأقصى ومسجد قبة الصخرة وكل الأماكن الأخرى التي لها قدسية خاصة عند كل مسلم ليسترجع الذكريات التي تعيده إلى زمن الأنبياء الذين مشوا على أرضٍ قدّسها الله وأنبياؤه؟
فاحتلال القدس هو الغصة الدائمة في نفس كل مسلم، والكل يتمنى تحريرها اليوم قبل الغد، لأنه ما دامت القدس محتلة فالأمة غير متوازنة وغير قوية وغير موحدة، واحتلالها يعني أن المشروع الصهيوني ما زال قوياً وفاعلاً ومؤثراً في الأمة الإسلامية تدميراً وتمزيقاً وتشتيتاً، وبتحالف المشروع الصهيوني مع الاستكبار العالمي بقيادة أميركا تزداد العوامل السلبية تأثيراً خطيراً في حياة الأمة الإسلامية كما نرى ذلك جلياً في زماننا الحاضر.
من هنا ينبغي على الأمة الإسلامية قيادة وشعوباً وحركات ومنظمات وأحزاباً أن تعمل على تحرير القدس بأية وسيلة من الوسائل، لأن تحريرها هو بداية إعادة القوة والمنعة والعزة والكرامة لهذه الأمة المسلوبة الإرادة والقرار والمنهوبة ثرواتها وخيراتها، والممنوعة من التقدم والازدهار لتلحق بالأمم القوية التي لها مكانتها ودورها في العالم اليوم.
من كل ما سبق ونظراً لأهمية قضية  القدس عند المسلمين أعلن الإمام الخميني(قده) يوم الجمعة الأخير من كل شهر رمضان أنه يوم للقدس، وقال أيضاً إن "يوم القدس ليس يوماً لفلسطين فقط، بل هو للعرب والمسلمين جميعاً"، وهذا القول ليؤكد بأن قضية القدس هي القضية المركزية التي لا تختلف عليها الأمة الإسلامية قاطبة، ولو كانت مختلفة في قضايا أقلّ شأناً منها وخطراً على الأمة كلها.
وقد كان للإمام الخميني دور مميز في التحذير من مخاطر احتلال فلسطين والقدس من جانب الكيان الغاصب، ومن كلماته في هذا المجال نذكر ما يلي:
1 – "ان جرثومة الفساد "اسرائيل" لن تكتفي بالقدس، ولو اعطيت مهلة فإن جميع الدول الاسلامية ستكون معرضة للخطر".
2 – "وقفت اسرائيل أمام مليار مسلم وهاجمت وارتكبت الجرائم التي ليس لها نظير في التاريخ، ومع هذا فإننا نرى الدول المسلمة تسعى إلى الاعتراف باسرائيل، ونحن نقول ان اسرائيل يجب ان تمحى من الوجود، فبيت المقدس للمسلمين وهو قبلتهم الأولى".
3 – "لقد حذرت مراراً من خطر اسرائيل وعملائها، ولن ترى الأمة الإسلامية السعادة الا بعد أن تقتلع جرثومة الفساد هذه من أصلها. على الأمة الاسلامية بحكم واجبها الانساني والأخوي وطبق الموازين العقلية والإسلامية أن لا تتأخر في اقتلاع هذا الوكيل للاستعمار، وفي مساعدة إخوانهم المرابطين في جبهة الحرب مع اسرائيل بالمساعدات المادية والمعنوية وبإرسال الدم والدواء والأسلحة والتموين".
كما أن الإمام الخامنئي "دام ظله" من موقعه اليوم كولي لأمر المسلمين يحذو حذو الإمام الخميني في التحذير من خطر الكيان الغاصب ويقول في هذا المجال:
1 – "ولهذا فلا نستبعد، بل من المحتوم ان فلسطين ستعود للشعب الفلسطيني، وسيقع هذا الأمر بإذن الله، ومعنى هذا أن القضية الفلسطينية لم يغلق ملفها، والتصور بأنها انتهت وختمت تصور خاطئ".
2 - أجل، إن قضية فلسطين تمثل أولاً قضية العالم الإسلامي، وفضلاً عما فيها من جوانب أمنية وسياسية واقتصادية، فهي قضية تكليف اسلامي، والأهم من ذلك هو أنها قضية الهية.
3 - ان هدف اسرائيل هو التوسع ولا تقنع بأرض فلسطين وحدها، فهم في بداية الأمر كانوا يريدون الحصول على شبر واحد، ثم احتلوا نصف فلسطين، ثم احتلوا فلسطين كلها، ثم اعتدوا على الدول المجاورة لفلسطين، كالأردن وسوريا ومصر ـ واحتلوا مساحات من أراضيها، والهدف الأساس للصهيونية هو إنشاء "اسرائيل الكبرى".
من فحوى كلمات الإمام الخميني (قده) والقائد الإمام الخامنئي "دام ظله" يبدو أن المسلمين لن يسكتوا عن هذا التحدي الكبير الذي أوجدته الصهيونية في قلب عالمنا الإسلامي، ويمكننا أن نقول إن الرد على ذلك التحدي قد بدأ ويظهر في جملة من الأمور التي تحققت حتى الآن.
وعلى أمل تحقيق المزيد من الخطوات في الحاضر والمستقبل القريب ان شاء الله تعالى، وما تحقق حتى الآن هو: انتصار الثورة الاسلامية في ايران حيث اعتبرت اسرائيل بكل قياداتها السياسية والعسكرية والأمنية أن هذه الثورة هي بداية النهاية لدولة اسرائيل وزوال الصهيونية.
2 - انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان عام ألفين، وكذلك عام ألفين وستة، الذي كان انتصاراً الهياً بكل المقاييس قد دمّر سمعة الكيان الصهيوني وجيشه الذي لا يُهزم، وهذا الانتصار صار محل الأمل للمسلمين جميعاً بأن هذا الكيان الغاصب قابل للهزيمة، بل قابل للزوال أيضاً فيما لو توافرت العناصر الايجابية المحققة لذلك الأمر الذي نحلم به.
3 -  الانتفاضة المباركة في فلسطين سواء الأولى في أواخر الثمانينيات، أو الثانية التي انطلقت عام ألفين، تلك الانتفاضة التي أحدثت زلزالاً في الكيان الغاصب لأنها تشكل شوكة في خاصرته، ولأنها اربكته في داخل الكيان المغصوب، وأخذت من وقته الكثير للرد على الانتفاضة التي لم يستطع انهاءها حتى الآن، بل نرى أنها أقوى من أي يوم مضى، وخصوصاً أن قيادة هذه الانتفاضة هي قيادة اسلامية لا تساوم ولا تهادن على الحق الاسلامي في تحرير فلسطين.
4 - الصحوة الاسلامية في عموم العالمين العربي والاسلامي التي تنمو وتتسع يوماً بعد يوم، وهذه الصحوة المباركة، وإن كانت تحتاج الى الوقت والجهد لتنظيمها من النواحي الفكرية والسياسية والجهادية وتحديد الأعداء، إلا أن هذه الصحوة تشكل عاملاً مساعداً للوصول الى الهدف، لأنه كلما زاد اهتمام المسلمين بإسلامهم والانطلاق منه كقاعدة للحياة، فإن ذلك سوف يجعل المسلم يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه قضايا العالم الإسلامي وعلى رأسها قضية احتلال القدس وفلسطين.
وبنظرة تأمل في ما تحقق من خطوات نرى أنها تتناسب مع الدلالات التي يرمز اليها يوم القدس العالمي وهي التالية:
1 - تذكير المسلمين على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم ولغاتهم بأن القدس هي قضيتهم، وأنهم لا يملكون حق التخلي عنها أو الانسحاب من تحمل المسؤولية تجاه القدس الشريف، وأن المسلم لا يمكن أن يعيش اللامبالاة وعدم الاهتمام بقضية خطيرة مثل قضية قبلة المسلمين الأولى.
2 - تحذير الأمة الاسلامية من خطر الكيان الغاصب، لأن اسرائيل ككيان هي ثمرة التعاون الإجرامي بين الحركة الصهيونية وقوى الاستكبار العالمي، وأن خطرها لا يقتصر على فلسطين، وإنما يتعداها الى كل أرجاء العالم العربي والإسلامي، وأن مجرد وجود هذا الكيان هو خطر مستمر لا يمكن السكوت عنه، ولا بد من مواجهته لأنه تحدّ للأمة كلها في الحاضر والمستقبل، كما كان منذ نشأته المشؤومة عام ثمانية وأربعين.
3 - اليأس من خطاب الأنظمة العربية والاسلامية، وذلك لأن أغلبية هذه الأنظمة واقعة تحت تأثير القوى الاستكبارية العالمية ولا تخرج عن ارادتها وقراراتها ولو على حساب الشعوب العربية والإسلامية، ولذا لا بد من توجيه الخطاب للشعوب التي تختلف في نظرتها الى الأمور عن الأنظمة، لأن الشعوب ليست مقيدة اليدين ومكبّلة، وهذا بالفعل ما حصل مع الشعب الإيراني الذي استطاع أن يقتلع النظام الذي كان خاضعاً للإرادة الأميركية، وأن يقيم على انقاضه دولة اسلامية لا تعترف بإسرائيل وتدعو لإزالتها من الوجود، وتتحول مع الوقت الى دولة قوية رفيعة ومهابة الجانب، وهذا ما يزعج اسرائيل واميركا وكل الدول القوية المساندة لإسرائيل في العالم التي تدعو اليوم الى ايقاف نمو القدرات العسكرية والفكرية والعلمية لدولة إيران الاسلام، وما حصل في لبنان هو نموذج آخر عن قدرات الأمة الإسلامية حيث استطاعت المقاومة الإسلامية في لبنان إجبار الكيان الغاصب على الانسحاب من الأرض التي احتلها عام اثنين وثمانين من لبنان، وأن تنتصر هذه المقاومة انتصاراً عظيماً في عدوان تموز من العام ألفين وستة، ذلك الانتصار الذي أذهل العالم وجعله يقف حائراً أمام ظاهرة المقاومة الإسلامية في لبنان وشعبه المجاهد المضحي، ولا يفوتنا أن نذكر انتصار الانتفاضة في فلسطين على كل محاولات تدميرها واسقاطها، وها هي اليوم تقف قوية في مواجهة اسرائيل بكل غطرستها وهمجيتها وعربدتها، وقد أعطت تلك الانتفاضة الأمل للشعب الفلسطيني في تحرير القدس وفلسطين، وهكذا يمكننا أن نقول انه كلما ازدادت قوة الشعوب العربية والإسلامية وتمردت على إرادة حكامها، صار وقت التحرير أقرب مثالاً وأسرع وصولاً.
والخلاصة فإن الصراع مع الكيان الغاصب لم ولن يتوقف حتى يتحقق الوعد الإلهي بدخول المسلمين المسجد الأقصى وإخراج اليهود الغاصبين منه، لتعود فلسطين اسلامية الأرض والشعب والتاريخ، ولتعود البسمة الى شفاه كل المسلمين المشتاقين لتحرير قبلتهم الأولى من رجس الاحتلال البغيض، وذلك اليوم لم يعد بعيداً بإذن الله بعد الصحوة الاسلامية العالمية التي بدأت بتحقيق انجازات على مستوى الأمة وصولاً الى تحقيق الأهداف الكبرى ومنها وعلى رأسها تحرير فلسطين والقدس من سيطرة أعداء الله والإسلام والإنسانية وكل القيم والمبادئ الإلهية.
الانتقاد / العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/ اكتوبر 2007

2007-10-05