ارشيف من : 2005-2008
أهمية يوم القدس العالمي في ظل الفظائع والجرائم الأميركية الصهيونية في المنطقة
لا ندري هل الصدفة أم العبثية هي التي تجعل أميركا أو "اسرائيل" تندفع إلى تحرك ما يستفز الشارع العربي والإسلامي قبيل إحياء ذكرى يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك من كل عام!
الذكرى التي أطلقها زعيم الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران الإمام الخميني الراحل (قده) في الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية المظفرة.
في الوقت الحاضر يمكن القول ان منطقة الشرق الأوسط تعيش ظروفاً وأوضاعاً لا تُحسد عليها وتحركات استكبارية مقصودة تريد الشر بالأمة التي يبدو أنه كتب عليها أن تكون عرضة للمطامع الاستعمارية، بسبب تمركزها في موقع هو أهم بقعة جيوسياسية، اضافة إلى تربعها على بحر من الثروات الطبيعية وفي مقدمها النفط والغاز اللذان كانا ولا يزالان يسيلان لعاب القوى الاستغلالية الكبرى منذ ما يزيد على مئة عام.
وبرغم أن أبناء المنطقة ذاقوا الأمرين نتيجة عمليات نهب خيراتها والتدخلات الأجنبية الغربية في شؤون بلدانها وحكوماتها في بداية القرن العشرين، إلا أن قيام الاستعمار البريطاني البغيض بزرع الكيان الصهيوني اللقيط في فلسطين، بل في قلب العالم الإسلامي، كان بمثابة الطعنة النجلاء في خاصرة الأمة التي ما فتئت تدفع أثماناً باهظة بسبب تموضع "اسرائيل" غير الطبيعي وغير المشروع بين ظهرانيها، وتعمدها بين حين وآخر افتعال الأزمات والصراعات والحروب على خلفية تنفيذ السياسات والمشاريع الامبريالية الغربية والصهيونية في الشرق الأوسط.
ومن المعلوم ان انتشار الجيوش الأجنبية في الخليج تزايد في أعقاب احتلال النظام العراقي السابق للكويت في عام 1991، إذ وفرت هذه المغامرة الطائشة الذرائع القانونية والدولية لاستقدام القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية إما في إطار قرارات مجلس الأمن أو انطلاقاً من الاتفاقيات العسكرية التي أبرمها بعض البلدان الخليجية مع القوى الكبرى لحمايتها من أي تهديد، وذلك حينما طردت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الجيش العراقي من الكويت ومهدت بعد ذلك الأرضية لاحتلال العراق وإسقاط بغداد في 9 نيسان 2003 عقب سلسلة من الإجراءات والضغوط الغربية المدروسة التي جعلت بلاد الرافدين لقمة سائغة.
ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا حولت أميركا الشرق الأوسط إلى منطقة ملغومة جراء تماديها في الغطرسة والتدخل في شؤون دولها وشعوبها وإثارة المجموعات المتطرفة هنا وهناك.
وبالطبع فإن واشنطن كانت تمارس تحركاتها المشبوهة دون أن يغمض لها جفن وهي ترى تنامي القدرات والإنجازات التي أخذت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحققها بوتيرة متسارعة بعد انتهاء مرحلة الدفاع المقدس واعتراف صدام حسين بكل الحقوق الإيرانية التي أشعل حرب الثمانية أعوام من أجلها بدعوى الدفاع عن البوابة الشرقية للأمة العربية.
ولا شك في أن السنتين الماضيتين كانتا محطة لتجاذبات عاصفة بين طهران وواشنطن، ويعود السبب في ذلك إلى عدم تحمل أميركا رؤية الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتبوأ مكانة اقليمية وعالمية متألقة، بل وتمارس دور العقبة الكأداء لإجهاض عملية تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، سواء عبر مقاومتها الصلدة للمخططات الاستكبارية أو من خلال اسنادها قوى الممانعة العربية والإسلامية، ولا سيما سوريا الصمود والتحدي، والمقاومة الباسلة في لبنان وفلسطين، المستهدفة جميعها بهذا المشروع التمزيقي والتسلطي.
ولقد شاءت الظروف أن يزور الرئيس الإيراني الدكتور محمود أحمدي نجاد نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتتوافر له الأجواء لعرض وجهات النظر العادلة والمشروعة في لقاء تاريخي مع طلبة جامعة كولومبيا برغم تقصد رئيس هذه الجامعة التطاول وإطلاق عبارات وقحة استفزازية لا تتناسب لا مع مقتضيات حسن الضيافة ولا مع الجو الأكاديمي العلمي الذي ينبغي أن يكون هو الفيصل في مثل هذه المواقع.
ولا شك في أن المواقف المحقة التي عرضها رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في قلب الولايات المتحدة بأسلوب منطقي وموضوعي وأكاديمي، سواء قضايا طهران العادلة خصوصاً أو المطالب العربية والإسلامية المشروعة عموماً، ولا سيما القضية الفلسطينية، قد أثمرت نتائج كبرى سياسياً وإعلامياً على المستوى العالمي.
إلا أن التصرفات البعيدة عن أصول اللباقة التي تعامل الرئيس أحمدي نجاد معها بكل رباطة جأش وبدرجة راقية جداً من العقلانية والحكمة، كشفت القناع مرة أخرى عن الوجه الكريه للإدارة الأميركية وأدواتها وممارساتها أمام الرأي العام العالمي، ولا سيما أمام أبناء الأمتين العربية والإسلامية المهيئين أساساً لتكريم ذكرى يوم القدس العالمي هذا العام بقدر عالٍ من العنفوان والغضب احتجاجاً على جرائم الحرب التي يرتكبها البيت الأبيض بزعامة جورج بوش الابن وبطانته المتطرفة بدعوى الحرب على الإرهاب.
ان التصرف المشين الذي قام به عميد جامعة كولومبيا بإيعاز من الإدارة الأميركية والدوائر الصهيونية، جاء بمثابة صب الزيت على النار، الأمر الذي سيترك آثاره بشكل كبير على مسيرات الشعب الإيراني المليونية في آخر جمعة من شهر رمضان الفضيل، إضافة الى المسيرات والبرامج التي سينظمها أبناء الأمة كافة تعبيراً عن تضامنهم مع فلسطين والمسجد الأقصى والقضايا العربية العادلة الأخرى، وإعلاناً لإدانتهم المطلقة لكل الممارسات والجرائم الفظيعة التي ترتكبها "اسرائيل" الغاصبة بدعم من العرّاب الأميركي المستهتر.
الانتقاد/ العدد 1235 ـ 5 تشرين الاول/اكتوبر 2007
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018