ارشيف من : 2005-2008

المناورات الاسرائيلية: إعادة نظرية "الشعب كله جيش"؟

المناورات الاسرائيلية: إعادة نظرية "الشعب كله جيش"؟

شعب مقاتل ومستعد للانخراط في الجيش للدفاع عن "اسرائيل"، وهذا ما دفع بعض المحللين الاستراتيجيين الى اطلاق مقولة ان "اسرائيل" دولة بنيت لجيش وليست كباقي دول العالم حيث يقام الجيش لحماية الدولة.‏

لكن الوقائع التاريخية تفيد أن إسرائيل خلال تاريخها لم تتمكن من تحقيق هذه النظرية اي "الشعب كله جيش"، لسبب بسيط وهو أن معظم مواطني الدولة لم يكونوا مؤمنين بالخدمة العسكرية، وان نقطة الضعف الاساسية كانت ولا تزال لدى الاسرائيليين هي الخسائر البشرية. والحقيقة ان المحللين الاسرائيليين لم ينكروا هذا الامر، بل ذهب بعضهم الى اعتبار ان نظرية "الشعب كله جيش" بدأت بالسقوط منذ عام 1973 حيث يذكر المحلل عوفر شيلح ان "الكثيرين من مواطني الدولة الاسرائيلية لم يكونوا شركاء في المعاناة الجماعية التي خلفتها حرب عام 1973، وإن التخصصات المختلفة، والعولمة، والفسيفساء الثقافية التي وصلت إلى المجتمع خلال العقود الأخيرة، وقدوم عدد كبير من الفئات السكانية ممن لا يخدمون في صفوف الجيش، عملت جميعها على إبعاد المواطنين عن النظرة الأمنية الطلائعية التي حكمت الدولة عند تأسيسها".‏

وعندما تم الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، فإن التصفيق الحار الذي قابل به الاسرائيليون جنود الاحتياط المتحررين من الخدمة العسكرية والعائدين الى الديار، أثبت انهيار عملي وفعلي لمقولة "جيش الشعب". وبحسب اعتراف وزير الحرب الأسبق موشيه آرنز، فقد كان لجنود وضباط الاحتياط تأثير حاسم على الانسحاب من لبنان سواء في العام 1982 او 1985 او عام 2000. وهكذا يظهر ان النظرية الاسرائيلية "الشعب كله جيش" لم تستطع ان تقوم واقعياً بالرغم من استمرارها في خيال القادة الاسرائيليين واحلامهم التوسعية. ولعل أبلغ تعبير عن انهيار هذه النظرية في اذهان الاسرائيليين مقولة شائعة يتندر بها المجتمع الاسرائيلي للتعبير عن استيائه من الاموال التي تنفق على الجيش الاسرائيلي والتي تكلف الخزينة العامة مبالغ باهظة وهي: "في هذه الدولة ثلث السكان يدفعون الضرائب وثلث آخر يحافظ على القانون، والثلث الأخير يخدم في صفوف الاحتياط، والمشكلة تكمن بالذات في هذا الثلث الأخير".‏

اما اليوم، فلا بد لأي مراقب للمناورات الاسرائيلية الجارية والتي لا مثيل لها في تاريخ الامم، باستثناء اسبارطة اليونانية، والتي أشركت فيها المجتمع الاسرائيلي بأكمله، بالاضافة الى القيادة السياسية والجيش، من ان يدرك ان نظرية "شعب مقاتل طلائعي" ما زالت تراود القادة الاسرائيليين، وانهم يسعون الى تحقيقها وتأمين التفوق الاسرائيلي العسكري الذي فُقد وتزعزع إثر حرب تموز على لبنان 2006 والهزيمة التي لحقت بـ"اسرائيل" على كل المستويات كما كشف تقرير لجنة فينوغراد.‏

اذاً، "اسرائيل" استفادت من عبر الهزيمة في حرب تموز، وها هي تعد العدة لحرب مقبلة على لبنان لتأديبه وتأديب مقاومته على الانتصار، ويبدو ان السباق الآن بات في الشرق الاوسط هو في من ينتهي من اعداد نفسه للحرب أولاً:‏

ـ "اسرائيل": تقوم بتنفيذ توصيات لجنة فينوغراد، التي طالبت باستعادة الردع والهيبة وإلا فقدت قدرتها على البقاء في منطقة معادية. وها هي تبادر الى الاصلاح والتحضير للحرب وذلك على مستويات عدة: المستوى العسكري أي الجيش والاستخبارات، المجتمع او الجبهة الداخلية، والمستوى السياسي والحكومي.‏

ـ لبنان: عليه التحضر لحرب مقبلة وذلك على المستويات السياسية والعسكرية والشعبية.‏

بالنسبة للمستوى السياسي، فإن الحكومة اللبنانية والموالاة، ومن خلال تاريخها يبدو انها لا تمانع او لن تعترض فيما اذا حاولت "اسرائيل" ضرب لبنان بحجة نزع سلاح حزب الله، بينما المعارضة ستتكاتف وتواجه.‏

اما المستوى العسكري، والذي يتحدد بمصدرين: الجيش والمقاومة. وبما ان الجيش اللبناني الذي يُمارس عليه أقسى انواع التقشف في المال والعتاد والاليات بقرار سياسي قد لا يستطيع اجتراح معجزات في الميدان ـ بالرغم من انه لن يقف مكتوف الايدي في حال تم الاعتداء على لبنان ـ تبقى "المقاومة" بفصيلها العسكري الذي أعلن قادته مراراً انهم مستعدون لهذه الحرب، وانها لن تكون نزهة لـ"اسرائيل".‏

وفي النهاية، يبقى الاستعداد المادي والمعنوي للجمهور اللبناني، الذي أكد انه مستعد للتضحية في سبيل الوطن مهما كانت الاثمان. ويبدو ان التضامن الذي تجلى خلال عدوان تموز سوف يتكرر بأبهى حلله، بل ان بعض اللبنانيين من مناطق الشمال وجبل لبنان يقولون: "اذا كان هناك من حرب قادمة فإننا لن ننتظر أهلنا الجنوبيين للقدوم الى مناطقنا، بل سنذهب جميعنا للصمود في الجنوب".‏

وهكذا قد يتحول شعب لبنان العظيم الى "شعب مقاوم طلائعي" او "الشعب كله مقاومة" فيحقق ما عجزت عن تحقيقه "اسرائيل" بنظريتيها: "شعب مقاتل طلائعي" و"الشعب كله جيش".‏

الانتقاد/ العدد1262ـ 11 نيسان/ أبريل 2008‏

2008-04-10