ارشيف من : 2005-2008

أي سيناريو للأيام الفاصلة؟

أي سيناريو للأيام الفاصلة؟

كتب مصطفى الحاج علي

لا شك أن الأيام الفاصلة المتبقية لنا من المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي ستكون وطأتها ثقيلة على اللبنانيين جميعاً، لأنها ستحدد الوجهة النهائية لمسار هذا الاستحقاق، ومعه مسار الأزمة اللبنانية برمتها سلباً أو إيجاباً.
في هذا السياق، فإن فحصاً دقيقاً لطروحات كل من أطراف فريق السلطة والمعارضة يصبح مطلوباً، أولاً: لمعرفة حقيقة من يريد أخذ البلد نحو التسويات، وحقيقة من يريد أخذه نحو المجهول، وثانياً: لتحديد مدى امكانية التوصل إلى حلول من عدمها.
يمكن ايجاز سيناريوهات الفريق الأميركي في لبنان بالتالي:
أولاً: سيناريو التفاهم أو الاتفاق، إلا أن تدقيقاً لهذا السيناريو من خلال مواقف الادارة الأميركية وفريقها في لبنان يظهر أن كلمة اتفاق هنا مجرد غطاء لحل وفق الشروط والمواصفات الأميركية، والمتمثلة على نحو أساسي بالاتيان برئيس من فريق 14 شباط، يلتزم تنفيذ القرارات الدولية خصوصاً القرار 1559 والـ1701، ويلتزم، بالتالي، مسألة نزع سلاح المقاومة.
هنا، ثمة محاولة لإقامة تلازم بين شخص الرئيس وانتمائه السياسي، والبرنامج السياسي للحكومة المقبلة، بكلمة أخرى، إن هذا السيناريو يشرط البرنامج السياسي بشخص الرئيس وانتمائه السياسي ولا يرى إمكانا للانفكاك بينهما، ما يعني في المقابل، أن الفصل بين الاثنين يستلزم إحداث إزاحة سياسية لكل منهما، بمعنى، أن أي تسوية تفرض أن لا يكون المرشح اميركياً خالصاً، وأن لا يلتزم القرارات الدولية وفق شروط المصلحة الاميركية حتى لا نقول المصلحة الاميركية ـ الاسرائيلية، بل أن يلتزم ما فيه المصلحة الوطنية اللبنانية المجردة.
ومن الواضح أيضاً، أن التلازم الآنف بين شخص الرئيس، والبرنامج السياسي، يحتمل بعداً تكتيكياً، بمعنى تخيير المعارضة بين الموافقة على رئيس اميركي مقابل تنازل تكتيكي عن البرنامج السياسي، أو العكس، القبول بتنازل عن رئيس اميركي مئة في المئة، مقابل تعهد بالتزام القرارات الدولية. وفي هذا تخيير مستحيل، لأنه يتم بين أمرين كلاهما مرفوض تماماً من المعارضة لألف سبب وسبب.
الثاني: وهو سيناريو الفراغ. يمكن تقسيم هذا السيناريو إلى بعدين: الأول، ويتمثل بإبقاء السنيورة وفريقه الحاكم بحكم الأمر الواقع، أو بصفة حكومة تصريف أعمال اذا ما نجحت خطة تمريرها بهذه الصفة. ولا يمانع هنا المعنيون من اميركيين وفرنسيين وحلفائهما في المنطقة ـ إذا ما اقتضى الأمر ذلك ـ من بقاء الرئيس لحود في سدة الرئاسة. والثاني، يتمثل في الحصول على موافقة اقليمية وداخلية على هذا السيناريو تكفل تنظيم عملية تجميد الأوضاع لفترة من الزمان، من دون الدخول في خيارات تصادمية.
طبعاً الهدف من ذلك هو شراء  الوقت لكي يتبين الأميركي الخيط الأبيض من الأسود من فجر خياراته في المنطقة: إما تسويات شاملة، وإما مواجهات شاملة.
كما أن هكذا خيار، يسمح للأميركي بتقنين كل خطوات مشروعه السياسي والأمني والاقتصادي في لبنان من خلال حكومة رجله الكبير ووكيل أعماله المعتمد فؤاد السنيورة.
ومن الواضح، أن ما يريد تجنبه الأميركي في هذه اللحظة هو أي خيار تصادمي من شأنه أن يغامر بوجود فريقه في لبنان ودوره فيه، وكذلك يغامر بمصالحه ومصالح حلفائه الدوليين والاقليميين في لبنان أيضاً.
يبدو هذا الخيار في صورته الآنفة مثالياً أكثر من خيار تسوية يمكن أن تفرض ستاتيكو لوقت أكثر مما يريده الأميركي، وكذلك أفضل من خيار المواجهة. لكن، إن نجاح هذا الخيار يتوقف أو مشروط بقبول الأطراف الأخرى المعنية بلبنان وبالاستحقاق الرئاسي داخلياً وخارجياً، وهذا ما لا يبدو متيسراً أو متاحاً حتى الآن بشكل جلي، هذا من دون أن ننسى مضاعفاته عند البطريرك تحديداً والمسيحيين عموماً.
ثالثاً: سيناريو انتخاب رئيس لفترة انتقالية، الذي بدا مؤخراً أنه طوي من التداول، من دون أن يسقط نهائياً نظراً لكونه يسقط جملة من سلبيات السيناريوهات السابقة، ويستجيب ايجاباً مع مطلب الستاتيكو الذي يريده الجميع، إلا إذا كان الوقت المستقطع الذي تريده واشنطن ليس بالكبير، أي لا يتجاوز البضعة أشهر قبل أن تحسم قراراتها النهائية.
رابعاً: سيناريو انتخاب رئيس بنصاب النصف زائد واحد، هذا السيناريو وإن أتى برئيس اميركي من أدوات واشنطن في لبنان، إلا أنه سيكون رئيساً "ضعيفاً" لن يتمكن من الحكم، وبدلاً من أن تكون إزاء حكومة مشلولة ستكون حيئنذٍ أمام حكم وحكومة مشلولين.
اضافة الى ما ستقوم به المعارضة  من ردود فعل قوية وحاسمة ما يجعل كلفة هذا الخيار أعلى بكثير من فوائده.
هذا السيناريو وإن لوح ويلوح به الاميركيون وأتباعهم في لبنان، فإنه لا يغدو أكثر من أداة ضغط وتهويل هدفها ابتزاز المعارضة لتحسين شروط فريق السلطة في التسوية سواء في ما يتصل بشخص الرئيس، أم بالبرنامج السياسي للمرحلة المقبلة.
في مقابل هذه السيناريوهات طرحت المعارضة جملة مخارج أبرزها:
أولاً: التسوية والتفاهم الذي ينطلق من شخص الرئيس ليصل الى البرنامج السياسي للمرحلة المقبلة، وقد رسمت المعارضة سقفاً لهذه التسوية يرتكز الى عمودين أساسيين: أن لا يكون رئيس الجمهورية من فريق السلطة، وأن لا يلتزم تنفيذ الاملاءات الاميركية في ما يخص القرارات الدولية، وهي اعتبرت أيضاً أن الاجماع المسيحي على شخص الرئيس المقبل هو المدخل الضروري للاجماع الوطني.
من الواضح، أن مفهوم التسوية كما تقدمه المعارضة هو غيره كما تنظر اليه الموالاة.
ثانياً: تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تنحصر مهامها في نقطتين: اصدار قانون انتخابات نيابية جديدة، وإجراء انتخابات نيابية جديدة، يتم على أثرها انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويكون من مهامها أيضاً اشغال الفراغ في سدة الرئاسة في حال تعذر التفاهم.
وهذا أيضاً ما رفضه فريق السلطة بقوة نظراً لتعارضه مع توجهاته الأساسية.
ثالثاً: الذهاب مباشرة الى إجراء  انتخابات نيابية مبكرة، تكون هي المدخل لإجراء انتخابات لرئاسة الجمهورية، وهذا ما يرفضه أيضاً اميركيو الداخل لإدراكهم أن خطوة من هذا النوع ستكشفهم نهائياً كأكثرية نيابية مدعاة.
من الواضح، أن طروحات المعارضة هي علاجات فعلية، ومخارج سياسية دقيقة للأزمة اللبنانية، لكن، وللأسف، فإنها لا تلقى آذاناً صاغية لتعارضها مع المشروع والمصالح الاميركية في لبنان والمنطقة.
ومن نافل القول، إن المعارضة هددت بإجراءات تصعيدية في مقابل كل خطوة تصعيدية يقوم بها فريق السلطة، ما من شأنه في الواقع، أن يفرض قناعة عامة بأنه لا بديل من تسوية وتوافق، وإن استند على توازن قوى سلبي بين مختلف الأطراف.
هذه الخلاصة، هي التي تكسب التحرك الفرنسي جديته، وهي التي تضخ باباً جيداً أمام التفاهم، الذي يبدو أن البطرك قبل أخيراً بالتزام آليته المقررة، والتي لا تخلو من صعوبات وأفخاخ، فهل تشهد الأيام المقبلة تحركاً سريعاً على طريق التفاهم، أم أن الأمور ستبحث عن سبل أخرى تحافظ على الستاتيكو الحالي، وعلى التهادن القائم، لفترة مقبلة؟ ان حسم الوجهة النهائية بات مسألة أيام ليس إلا.
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2007

2007-11-16