ارشيف من : 2005-2008
تحت سقف واشنطن: فرنسا في دوّامة الاستحقاق!

قررت فرنسا استغلال التفويض الأميركي لها لانتاج توافق لبناني حول الانتخابات الرئاسية، في مهلة زمنية حددها الرئيس الأميركي جورج بوش في القمة التي جمعته مؤخراً مع نظيره الفرنسي في واشطن، وهي مهلة لن تتجاوز سقف الرابع والعشرين من تشرين الثاني الجاري.
سقف أميركي
الوساطة الفرنسية التي بدأت بوصول مساعدي الرئيس نيكولا ساركوزي الى بيروت في محاولة لرسم خريطة طرق للتوافق تقاطعت فيها المواقف الصعبة، وزادت من تعقيداتها الشروط المحلية المتبادلة حول دور الرئيس في الفترة المقبلة قبل لائحة المواصفات التي لا تؤدي الى اتفاق بالنظر الى عموميتها.
ولمزيد من الزخم للمبادرة الفرنسية وضع الرئيس ساركوزي ثقله السياسي ومن خلفه فرنسا كلها لانجاز الحل التوافقي ضمن المهلة الأميركية، ووعد نفسه بزيارة لبنان لحضور جلسة انتخاب الرئيس، وكلف كبار المستشارين في قصر الاليزيه الى جانب وزارة الخارجية وعلى رأسها الوزير برنار كوشنير بالحضور في لبنان حتى انجاز الاستحقاق الرئاسي.
استطاعت فرنسا وضع خريطة طرق كما اتفق على تسميتها، وهذه الخريطة التي يمتلك الأميركي والسوري حق الفيتو فيها على اسم الرئيس تمر في بكركي حُكماً التي وفرت لها المبادرة الفرنسية تغطية تاريخية لتسمية الرئيس.
ولولادة ترشيحات بكركي اقترح الرئيس نبيه بري ورئيس حزب تيار المستقبل النائب سعد الحريري على البطريرك صفير عقد اجتماع للقيادات المسيحية الأساسية لوضع لائحة بالمرشحين، وهو ما اعتبرته مصادر مراقبة انه تنازل من جانب الرئيس بري عن ترشيح النائب ميشال عون، مقابل تنازل الحريري عن مرشح من 14 شباط.
ولادة الرئيس أو الفراغ
الأسبوع الأخير من الموعد المحدد لولادة الرئيس أو الدخول في الفراغ المخيف كرسته المبادرة الفرنسية لقائمة الأسماء التوافقية، بالتزامن مع السعي المتواصل لنزع العراقيل التي تعترض الآلية، ولكن المشكلة الأساسية التي تعترض الفرنسي انه لا يملك ضمانات كافية لجميع القوى الداخيلة والخارجية، وتشتكي الوساطة الفرنسية من وقوف الأميركي موقف المتفرج، بل ترى في التصريحات الأميركية اشارات غير مساعدة لانضاح التوافق اللبناني.
وتستبعد قوى مسيحية دخول بكركي في التسميات، وهي لا تمانع انعقاد لقاء رباعي يضم ميشال عون وسليمان فرنجية من جهة وسمير جعجع وأمين الجميل من الجهة المقابلة، لاقتراح لائحة توافقية تباركها بكركي فوراً، تُرفع الى المجلس النيابي لاختيار الرئيس وفق الطرق الدستورية.
وسواء نجحت بكركي أو فشلت فإنها تحولت الى زعامة سياسية مارونية نافذة ولكن دورها كان محل تقويم من شخصيات مسيحية بارزة.
من يرفض التوافق؟
فقد أجاد المطارنة الموارنة في بيانهم الشهري الأخير توصيف الواقع السياسي اللبناني وخصوصاً عندما حمّل البيان مسؤولية أي فشل في التوصل الى اختيار رئيس للجمهورية الى فريقين، الأول متفرد في السلطة والثاني مقاطع لها.
وبحسب شخصية مسيحية بارزة كان يمكن للمطارنة الموارنة ان يقفوا موقفاً تاريخياً بابتعادهم عن خط الوسط، ويعلنوا أمام العالم عن الجهة التي تُعطل الوفاق، وتسعى الى نسف التوافق كلما اقترب من بلوغ الهدف النهائي.
وأكدت هذه الشخصية ان البطريرك مار نصرالله صفير يتردد كثيرا في مناقشة الأسماء المقترحة من الموالاة والمعارضة للرئاسة الأولى، ويرفض التداول في أي قائمة بدون ضمانة النتائج، كما يرفض تزكية أي مرشح بعينه لأنه أخذ علماً من مرجعيات مسيحية أبلغته صراحة رفضها خروج الرئيس من بكركي الى بعبدا، لأنها ترفض تحويل بكركي الى مرجعية سياسية تزيد من تعدد المرجعيات المارونية تحديداً.
تقول هذه الشخصية التي تسعى الى ولادة التوافق قبل وفاة الوفاق الوطني ان تردد البطريرك له ما يبرره، وهو يقيس الأزمة الحالية بتجربة 1988، فالقيادات المسيحية التي أدارت أزمة الرئاسة قبل 19 عاماً تلعب اللعبة نفسها اليوم، لذلك فإن بكركي لن تكون مضطرة الى اتخاذ مواقف لا تضمن احترامها من جانب السياسيين.
وتستدرك الشخصية معاتبة البطريرك بالقول، كان على بكركي ان تشير في بيانها بالأصبع الى الجهة التي تعرقل التوافق، وسبق لهذه الجهة (قائد القوات اللبنانية سمير جعجع) ان أعلنت رفضها انتخاب الرئيس في بكركي مهما كانت الذرائع.
اللافت ان بكركي وقفت عند المواصفات العامة للرئيس التوافقي لأن الملفات المطلوب التوافق بشأنها هي محل خلاف عميق بين اللبنانيين، ولن يتمكن المطارنة من اطلاق الدخان الأبيض كإشارة على التوافق في وقت لا يزال البعض ينفخ في النار، فيما ملفات التوافق نفسها ظلت عالقة أمام مؤتمر الحوار الوطني، فكيف يُطلب من بكركي اختيار رئيس توافقي لم تتفق عليه المرجعيات المسيحية أولاً، وهو الرئيس نفسه الذي يفترض ان يحل قضايا كبرى مثل العلاقة مع سوريا، وسلاح المقاومة، هذا فضلاً عن تحسين مستوى التمثيل المسيحي.
وتعتقد شخصية مسيحية ان المبادرة الفرنسية وجدت نفسها تبحث في الصيغة التوافقية التي تحفظ الكيان اللبناني أكثر من تحديد اسم الرئيس المقبل. وتحذّر هذه الشخصية من ان البحث في صيغة النظام اللبناني من شأنها ان تنسف الميثاق الوطني من أساساته وتهدد لبنان "بالتفكك" كما جاء في بيان المطارنة الأخير.
وبحسب هذه الشخصية فإن عدم الاتفاق على الرئيس يعني استحكام الخلاف الوطني وتعزيز الانقسام الداخلي، وتخشى بكركي ان يكون الرئيس اميل لحود هو آخر الرؤساء الموارنة، لأن أي اتفاق على لبنان جديد لن يُعطي الرئاسة للموارنة.
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد 1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر2007