ارشيف من : 2005-2008
الأميركي يسعى للفراغ والمعارضة جاهزة لمنع الانقلاب

سياسة حافة الهاوية بشأن الاستحقاق الرئاسي هي التي باتت معتمدة من مختلف الأطراف المعنية بهذا الاستحقاق قبل أيام عدة من جلسة الحادي والعشرين من الشهر الحالي التي حددها رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل ثلاثة أيام من انتهاء المهلة الدستورية في الرابع والعشرين من هذا الشهر.
وفيما كانت بيروت تزدحم بحركة الموفدين الدوليين العاملين على خط تمرير الاستحقاق الذين زاروها مؤخراً والذين سيصلون اليها تباعاً مطلع الأسبوع المقبل، كانت الأنظار تتجه إلى ما وصلت اليه المبادرة الفرنسية بقيادة وزير الخارجية برنار كوشنير الذي زار بيروت قبل أيام واستطاع إقناع البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير بإعداد لائحة بأسماء مرشحين توافقيين ورفعها إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب سعد الحريري للتوافق على اسم من داخل هذه اللائحة، على أن يعود إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل لمواكبة الأيام الأخيرة من مهلة الاستحقاق.
مصادر متابعة لاحظت أن قبول صفير بإعداد الأسماء بعد التجربة المماثلة الفاشلة عام ثمانية وثمانين كان بمثابة مغامرة، لأن نجاحها غير مضمون، وهو ما دفع البطرك إلى التريث بالأمر وطلب ضمانات مسبقة من الأطراف المعنية في الخارج والداخل بشأن الأخذ بهذه اللائحة واختيار رئيس توافقي منها. وتشير المصادر إلى أن إقدام البطريرك على ذلك أملته ضغوط كبيرة مورست عليه ليتقدم بها، وأنه اذا لم يحصل ذلك فسيحمل مسؤولية عدم اتمام الاستحقاق الرئاسي بشكل توافقي.
المصادر ترى أن عقبات كبيرة لا تزال تحول دون التوافق على الاستحقاق الرئاسي، وأن الصدام يتقدم بنقاط كبيرة على خيار التوافق استناداً الى العديد من المعطيات. ومنها التساؤلات الكبيرة التي طرحت حول مدى التفويض الأميركي المعطى للجانب الفرنسي لإتمام الاستحقاق الرئاسي بالتوافق وبما يخدم مصلحة لبنان واستقراره وليس المصلحة الاميركية، حيث ظهر من خلال المتابعة الدقيقة لمحادثات كوشنير في بيروت أن الفرنسيين مخوّلون العمل أميركياً على محاولة إيصال رئيس يميل الى فريق السلطة ويلتزم تطبيق القرار 1559، وأن المهلة الأميركية المعطاة الى الفرنسيين تنتهي في الحادي والعشرين من الشهر الجاري موعد الجلسة التي حددها بري.. فإذا لم ينجح الفرنسي في مهمته فسيتولى الأميركي في الأيام الثلاثة المتبقية من مهلة الاستحقاق تولي الأمر وتمرير خيار من اثنين: إما ايصال الاستحقاق الى الفراغ وجعل الحكومة اللاشرعية برئاسة فؤاد السنيورة تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو الأرجح، وإما دفع فريق السلطة الى انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد. وإن كان الخيار الأخير يعمل الأميركي على تمريره بعد تاريخ الرابع والعشرين بعد أن تكون المعارضة قد اتخذت من خلال رئيس الجمهورية خطوتها الدستورية المنتظرة لمواجهة الانقلاب الاميركي عبر فريق السلطة.
وما يعزز هذا التوجه بحسب المصادر المتابعة هو الحملة المسعورة التي شنها فريق السلطة على الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ذكرى يوم الشهيد، والذي وضع من خلاله خارطة الطريق الواضحة للحل والخروج من الأزمة. وترى المصادر أن خطاب السيد نصر الله أزال الوهم لدى فريق السلطة من أن المعارضة لن تقدم على أي خطوة مقابلة لخطواته التخريبية، سواء لخيار الفراغ أو الانتخاب بالنصف زائد واحد كما حصل في الماضي. وتضيف ان هذا الخطاب جعل هذا الفريق ومن خلفه الوصي الأميركي يستيقظ من الوهم ويتأكد من أن المعارضة عازمة على اتخاذ خطوات تمنع إكمال الانقلاب.
وفيما كان رئيس الجمهورية العماد اميل لحود يكرر بشكل يومي التأكيد أنه سيتخذ خطوة دستورية متكتماً على ماهيتها، كانت المعارضة تؤازر الرئيس لحود بالموقف المساند والداعم، اضافة الى انجازها خطواتها اللوجستية التي ستواكب من خلالها مرحلة ما بعد الرابع والعشرين من الجاري. وفي هذا السياق جاء تفعيل اجتماعات اللقاء الوطني برئاسة الرئيس عمر كرامي الذي عقد جلستين خلال عشرة أيام في منزل الأخير في الرملة البيضاء، والذي "ثمّن في بيانه الأخير الدور الوطني الكبير لرئيس الجمهورية العماد اميل لحود وتمنيه عليه الاستمرار في هذا الموقف، مع اليقين التام بأنه لن يتخلف عنه".
وتتحدث المصادر المتابعة عن خيارات عدة متاحة أمام الرئيس لحود سيقوم بواحدة منها:
أولاً: خيار تشكيل حكومة ثانية، وهو ما كثر الحديث عنه في تصريحات قادة المعارضة.
ثانياً: تسليم قائد الجيش مقاليد الحكم من خلال المجلس العسكري في قيادة الجيش.
ثالثاً: بقاء الرئيس لحود في قصر بعبدا إذا كانت المصلحة العليا للبلاد تقتضي ذلك، كي لا تذهب البلاد الى الفوضى والخراب مع الحكومة اللاشرعية والفريق المتسلط الذي رهن نفسه للمشروع الأميركي والصهيوني الذي يحاول الهيمنة على المنطقة.
وفي جميع الأحوال فإن البلاد دخلت في مرحلة حبس الأنفاس مع اقتراب المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي من نهايتها، حيث يتوقع أن تتضح الصورة أكثر مطلع الأسبوع المقبل مع عودة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الى بيروت مجدداً، اضافة الى معرفة ما ستؤول اليه لائحة المرشحين التوافقيين التي سيعدها البطريرك الماروني والتي تتضارب المعلومات بشأنها. ويشاع أن البطريرك الماروني سيضمّن هذه اللائحة أسماء العماد ميشال عون ومرشحي فريق السلطة: النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود، إضافة الى اسمي رئيس الرابطة المارونية جوزيف طربيه وميشال خوري. لكن بدا لافتاً الموقف الذي نقل عن العماد عون لجهة إبلاغه بكركي وكوشنير رفضه تضمين اللائحة اسمه، لأنه يرى من الإجحاف وضع اسمه مع ما يمثله من ثقل شعبي عبرت عنه الانتخابات النيابية الى جانب أسماء راسبة في الانتخابات وأسماء أخرى لا تمثل أي حيثية سياسية ولا تملك رؤية لحل الأزمة.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2007