ارشيف من : 2005-2008
قائد القوات يكشف سر دولتي جنبلاط وجعجع: "من صيدا الى السويدا" ومن "المدفون الى عرمون"

خاص ـ الانتقاد
ما هو سر التحالف بين وليد جنبلاط وسمير جعجع؟ ولماذا انقلب العداء بينهما من قتال حتى الابادة الى تحالف وطيد لا تفرقه لا السياسة ولا غيرها؟ من يقف وراء هذا الحلف؟ ولماذا يتفق جنبلاط مع جعجع على عدم وجود مبرر لمعاداة "اسرائيل"؟ هل يعلم سعد الحريري أن اعداء الأمس يتفقون اليوم على تفكيك لبنان؟
اسئلة كثيرة أجاب عن بعضها الدكتور سمير جعجع في لقاء خاص مع مجموعة صغيرة من قيادات القوات اللبنانية قام بتسريبها أحد المشاركين في الاجتماع الى شخصية مسيحية، وهي التي قامت بدورها بنقل مضمون الاجتماع الى شخصيات سياسية لبنانية لتحذيرها من المشاريع التقسيمية للرجلين.
في الاجتماع الخاص الذي عقده قائد القوات اللبنانية سمير جعجع في معراب مع مجموعة من أركان القوات الأمنيين والعسكريين المخلصين له أبدى جعجع انزعاجه الكبير من دور بكركي السياسي وتحويلها الى مرجعية مارونية بيدها الحل والربط في تقرير مصير الموارنة والمسيحيين عموماً في لبنان وربما في المنطقة إذا لم يكن في الشرق العربي كله.
وحسب ما تسرب من معلومات فإن جعجع انتقد سلطة الكنيسة الجديدة والمدعومة من دول أوروبية مثل فرنسا، ورأى في مقابل الصعود السياسي لبكركي تراجعا خطيرا لدور الزعامات السياسية.
ونبه جعجع الحضور الى خطورة المرحلة المقبلة وضرورة الاستعداد للعب دور تاريخي في تقرير مصير الموارنة في لبنان خصوصاً والمسيحية في الشرق العربي. ولفت الى ان البحث عن رئيس توافقي يقود الى البحث عن أي لبنان نريد في المستقبل. وقال لا يمكن تحديد هوية وشكل ودور لبنان بمعزل عما يجري في المنطقة، فالجانب الأميركي يُصر على تثبيت "اسرائيل" في مكانها، وهذا يقتضي انتاج خريطة سياسية ديموغرافية جديدة تأخذ بعين الاعتبار وجود كيانات محلية متفاهمة مع "اسرائيل"، وبحسب جعجع فإن هذا التصور سيتم تسويقه بالقوة أو بالإقناع، ويقوم على الحد من النفوذ الشيعي المتفاقم من "ايران الفارسية" الى "العراق الشيعي"، وقد استحدثت الولايات المتحدة نقطة ارتكاز استخباراتية وعسكرية وسياسية في العاصمة الأردنية عمان لادارة تفتيت المنطقة واعادة تركيبها وفق توازنات طائفية لا تسبب خطرا على مستقبل "اسرائيل".
وبحسب المعلومات نفسها فإن سمير جعجع انتهى من اعادة بناء الجسم العسكري للقوات اللبنانية واستحدث مؤخراً مركزاً للمعلومات الأمنية، وشكل خلية أزمة لرسم حدود الكيان المسيحي في التركيبة اللبنانية الجديدة.
طلب جعجع من المجتمعين الاستعداد السياسي والعسكري والأمني والنفسي لانتاج مرجعية مسيحية واحدة تملك أسباب القوة للحسم على مختلف الأصعدة، والضغط من أجل الاستحواذ على التأييد الشعبي المسيحي لمشروع "دولة القوات" من المدفون الى عرمون ومن حدود بحمدون الى طريق صيدون القديمة.
ولانتاج هذه القيادة المسيحية الواحدة لا بد من تقويض سلطة بكركي السياسية التي برزت مؤخراً على خلفية الصراع المسيحي ـ المسيحي على الرئاسة الأولى، وهي مهمة لن تكون سهلة بعد الاجماع اللبناني والدولي على دور بكركي في الوحدة اللبنانية.
أما بالنسبة للقيادات المارونية الأخرى فلم يستبعد جعجع اللجوء الى التصفيات الجسدية واستخدام "كاتم الصوت" للتخلص من التعددية السياسية التي تُضعف الموارنة خصوصاً والمسيحيين عامة.
ورأى جعجع ان حليفه في المرحلة الحالية وخلال تأسيس "دولة القوات" هو وليد جنبلاط الزعيم الدرزي الذي لا ينازعه قرار الدروز أي زعيم آخر. وقال جعجع ان على القوات ان تسعى من أجل حسم المرجعية السياسية للموارنة وللمسيحيين تماماً كما هي الحال عند الدروز. لأن وحدة الزعامة هي مصدر القوة عند وليد جنبلاط، وهذا ما يجب ان يكون عند المسيحيين.
واعتبر جعجع ان التحالف مع وليد جنبلاط له ما يبرره، فهو أيضاً يريد بناء كيانه السياسي الخاص ويسعى الى ذلك بكل قوة، ويضيف جعجع ان جنبلاط وضع حدوداً لدولته، إلا أن مشكلته تكمن في ان القسم الأكبر من أراضي هذه الدولة يقع داخل سوريا حالياً، لذلك هو الآن في حالة حرب مع النظام السوري، وهو غير قادر على ربح هذه الحرب بدون مساعدة دولية تُطيح بالرئيس بشار الأسد، لذلك يحاول جنبلاط استدراج تدخل دولي ضد الأسد للإطاحة به، ما يساعد الولايات المتحدة الأميركية في اعادة انتاج خريطة المنطقة.
ويقول جعجع بحسب ما نقل عنه: "مشروع وليد جنبلاط الحالي يخدم "دولة القوات" لأن اضعاف سوريا سيأتي بـنتائج ايجابية على المسيحيين في المنطقة، وهو مجبور على التحالف معنا كما أننا نرى فيه حليفاً قوياً في الوقت الحاضر، ومن المهم التفاهم معه على التعاون بين الكيان المسيحي والكيان الدرزي، فهما في مناطق كثيرة يتقاطعان في الحدود والأراضي وغير ذلك".
ويقول قيادي مسيحي نقل هذه المعلومات عن احد المسؤولين في القوات اللبنانية شارك في الاجتماع بأن سمير جعجع أكد لهم في اللقاء ان دولة الدروز كما يُخطط لها وليد جنبلاط، لا تهدد الكيان المسيحي أبداً، لأن أحلامه ذهبت شرقاً نحو سوريا، وهي غير احلامه السابقة بأراضي المسيحيين في جبل لبنان، وهذا بحد ذاته مؤشر مهم من أجل بناء حلف معه، وقد حصل جنبلاط على دعم أميركي من أعلى المستويات لمشروعه، وأكد ان ليس لجنبلاط أي أطماع في المناطق المسيحية، وهو حدد حدود كيانه تحت شعار من "صيدا الى السويدا".
ويتفق جعجع وجنبلاط على ان العقبة الوحيدة أمام مشروعهما هي الطائفة الشيعية التي تتمتع بالقوة بما يكفي للمحافظة على الكيان اللبناني بصيغته الحالية بالتعاون مع بعض القيادات المسيحية.
ويؤمن جنبلاط بأن ولادة الكيان الدرزي لن تكون ممكنة بدون القضاء على حزب الله، لذلك اقترح وليد جنبلاط على الدوائر الأميركية المعنية بصناعة القرار نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية قبل التفكير بأي ضربة عسكرية لحزب الله، ويعتقد سمير جعجع بأن القرار الدولي رقم 1559 جاء في هذا السياق، وهو استجابة لمطالب رفعها جنبلاط ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري الى واشنطن بهدف فرض حظر على وصول السلاح للمقاومة، كما ان القرار 1701 يخدم مشروع تفكيك لبنان، لكنه فشل حتى الآن في اضعاف حزب الله، وتعتقد واشنطن و"اسرائيل" وجنبلاط (ونحن في القوات) وسعد الحريري ان الجولة المقبلة من الحرب الاسرائيلية ضد حزب الله ربما ستخدم أهدافنا.
وقال جعجع نحن لسنا أقوياء كثيراً في الوقت الحاضر، لكننا نملك الفيتو على المستوى المسيحي واللبناني، وفي الوقت الذي نستفيد فيه من الآخرين الذين يعملون لحسابنا من دون ان نطلب منهم ذلك، فإن بناء القوات اللبنانية قد اكتمل ونحن على أبواب حزب فاعل على جميع المستويات، وقادر على الدفاع عن المناطق المسيحية سواء طلب من المسيحيين ذلك أم لا.
ولكن ما هي خطة القوات اللبنانية للحد من نفوذ التيار الوطني الحر؟ وهل يمكن بناء "دولة القوات" فيما الأغلبية المسيحية تؤيد الجنرال ميشال عون، وتتبنى مشروعه السياسي القائم على التعايش بين اللبنانيين؟ وما هو موقف زعيم تيار المردة سليمان فرنجية من عودة مشروع القوات التقسيمي الذي يرى جعجع ان من اسباب قوته تصفيه الزعماء المسيحيين لمصلحة زعامته؟
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2007