ارشيف من : 2005-2008

الكندي بلمار رئيساً جديداً للجنة التحقيق باغتيال الحريري: برامرتز يترك.. لـ"تعقّب" مجرمي حرب يوغوسلافيا

الكندي بلمار رئيساً جديداً للجنة التحقيق باغتيال الحريري: برامرتز يترك.. لـ"تعقّب" مجرمي حرب يوغوسلافيا

بعد عامين على استلامه دفّة التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في مطلع العام 2006، أحدث خلالها تغييراً مهمّاً في بوصلة البحث الجدّي عن الحقيقة المتوخاة، وتصحيحاً كبيراً في المغالطات الممنهجة والمتعمّدة لسلفه الألماني ديتليف ميليس على الرغم من الضغوط السياسية الهائلة عليه، يودّع القاضي البلجيكي سيرج برامرتز لبنان نهائياً لرئيس لجنة التحقيق الجديد القاضي الكندي دانيال بلمار، تاركاً خلفه صورة الجناة الذين نفذوا من هذا الملفّ المعقّد والشائك لتغيير وجه لبنان العروبي والمقاوم، تتمظهر رويداً رويداً، علماً أنّها واضحة كالشمس ولا تحتاج إلى عناء بحث وتفكير للدلالة عليها وعلى هويّة أصحابها المستفيدين والمستثمرين محلّياً وخارجياً، وما أكثرهم، وإن كان بتفاوت جلي بينهم.

فقد سار برامرتز بعكس خطّة السير وخريطة الطريق اللتين رسمهما ميليس بإيعاز استخباراتي تضليلي له علاقة بالجريمة، واللتين لا تؤدّيان بإجماع المتابعين لملفّ التحقيق، إلاّ إلى الهاوية وتضييع الوقت أكبر قدر ممكن من الزمن لتسهيل فرار الفاعلين الحقيقيين، وذلك بسبب كثرة المطبّات السياسية الموضوعة فيهما والهادفة إلى نصب كمين سياسي لسوريا بغية توريطها وإحراجها عربياً ودولياً.
واتبع ميليس أساليب ملتوية في تحقيقاته لتسريع حصول النتيجة المعروفة مسبقاً والمحصورة بضرورة الاكتفاء بإدانة سوريا كمتهمّ أوّل وأخير ومعها حلفاؤها في لبنان والذين لم يرتضوا بالانتقال إلى الضفّة الأميركية بعد خروج جيشها من لبنان في العام 2005. ومن هذه الطرائق ما كشفه اللواء الركن جميل السيّد الذي تعرّض لعملية ابتزاز من ميليس ومواطنه الشرطي غيرهارد ليمان فطلبا منه تسمية ضحية ما لقاء العفو عنه وعدم المساس به، ولمّا رفض أدخل إلى سجن رومية المركزي.
كما أنّ ميليس ركّز على شهود الزور الذين اصطنعهم أحد وزراء حكومة فؤاد السنيورة غير الدستورية، في تدخّل مباشر وسافر في التحقيق من دون أن تكون له أيّة علاقة أو خبرة فيه باستثناء خلفيته الحاقدة على سوريا التي صنعت منه رجلاً ووزيراً ونائباً في غير مرّة، وبدافع عمله مخبراً لدى استخبارات دولة يحمل جنسيّتها.
بينما وسّع برامرتز دائرة الاحتمالات والشبهات لديه، فقال في أكثر من تقرير رسمي رفعه إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة المكلّف من قبلها بترؤس لجنة التحقيق الدولية، إنّه لا يمكن تجاهل هذه الفرضيات ومنها تورّط تنظيم "القاعدة". كما أنّه فنّد إفادات شهود ميليس التضليليين وفي طليعتهم السوري محمّد زهير الصدّيق وأزال منها تلفيقاتها وأهملها.
وحسم مسألة استقدام شاحنة "الميتسوبيشي" من اليابان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة فمرفأ طرابلس في شمال لبنان، وقيام أشخاص مجهولين بشرائها من مستورد تمهيداً لاستخدامها في التفجير فيما كان ميليس حازماً لجهة الادعاء بأن هذه الشاحنة كانت في سهل الزبداني، مستنداً إلى إفادة الصدّيق.
وقد قرر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تعيين القاضي الكندي دانيال بلمار رئيساً ثالثاً للجنة التحقيق خلفاً لبرامرتز الذي ترك بصمات واضحة في مسار التحقيق في اغتيال الحريري، وضعت حدّاً للتلاعب بمضمونه وبمصير وطن صغير لا يستطيع تحمّل وزر ونتائج جريمة من هذا النوع، وجعلت ميليس يستاء من تصرّفاته إلى أقصى حدود التذمّر، ويشتكيه مراراً إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة.
وبات بحكم المؤكّد أن ينتقل برامرتز إلى منصب لطالما سعى إليه، وهو مدعي عام المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا خلفاً لكارلا دي بونتي، وهي مهمّة دونها صعوبات برؤوس متعدّدة وخصوصاً أنّ السياسة باعدت بين دي بونتي وتوقيف مجرمي الحرب السفّاحين زعيمي صرب البوسنة رادوفان كراجيتش والجنرال راتكو ملاديتش مرتكبي مجزرة سيربيرنتشا المسلمة التي ذهب ضحيتها نحو 8372 مسلماً من الأطفال والشباب والنساء والرجال والعجائز في يومين اثنين فقط في العام 1995، وهما موجودان في يوغوسلافيا السابقة من دون أن تتمكّن العدالة الدولية من اعتقالهما، ما يرسم علامات استفهام كثيرة حول حدود ودور هذه العدالة المرسومة بألوان مصالح الدول الكبرى.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2007

2007-11-16