ارشيف من : 2005-2008

استراتيجية بوش الجمهورية تنعى نفسها وعلى الديمقراطيين أن يتعظوا

استراتيجية بوش الجمهورية تنعى نفسها وعلى الديمقراطيين أن يتعظوا

بقلم حميد حلمي زادة (*)
الرئيس الأميركي جورج بوش الذي يبدو أنه بدأ ينعى استراتيجيته الفاشلة، وتنبأ مسبقاً عبر مقابلته الأخيرة مع قناة العربية بهزيمته السياسية والعسكرية وبالتالي هزيمة الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه في الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة، أوضح في معرض تبرير أخطائه المتكررة وجواباً عن سؤال مقدم برنامج (بصراحة) الزميل ايلي ناكوزي، حول امكانية أن تقوم بلاده بضربة عسكرية ضد ايران، في حين لم يبق من فترة رئاسته الا القليل:
"إن الخط العام للاستراتيجية الاميركية هو خط واحد لا يمكن أن يختلف فيه أي حزب يتسلم البيت الأبيض جمهورياً كان أو ديمقراطياً".
ومؤخراً صرحت السيدة هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية الأوفر حظاً للفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة ـ حسب المراقبين ووفقاً لما تتطلبه الموضة الأميركية الميّالة هذه الأيام إلى أن تكون زوجة صاحب المغامرات والفضائح الجنسية الرئيس السابق بيل كلينتون، زعيمة للمكتب البيضاوي في واشنطن ـ صرحت "أن أميركا لن تتردد في استخدام الخيار العسكري لمجابهة إيران اذا ما أحكمت سيطرتها على عمليات تدفق النفط في المنطقة الخليجية".
بالتأكيد فإن ما قاله كل من جورج بوش وهيلاري كلينتون لا يجافي الحقيقة في شيء، انطلاقاً من أن صناعة الاستراتيجية الأميركية محكومة بقوانين العرض والطلب التي تتلاعب بها الاحتكارات العالمية باعتبارها الممول الرئيسي لوصول الرؤساء وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين إلى مواقعهم السياسية، يضاف إلى ذلك دور "اللوبي" الصهيوني في رسم البرامج والخطط الاستغلالية "للكارتلات" الغربية في مضمار السيطرة على الموارد والثروات التي تزخر بها الكرة الأرضية ولا سيما النفط، وتجيير القسم الأعظم من أرباحها لمصلحة تجار الحروب وشركات صناعة الأسلحة.
وبالطبع فإن هؤلاء يرون في بقاء العالم على كف عفريت مبعث ازدهار وترويج مستمرين لمنتجاتهم الحاصدة للأرواح، والمدمرة للعمارة والمدنية.
بيد أن هناك جانباً مهماً يبدو بعيداً وغائباً عن الوعي السياسي والقيمي للنظام الاحتكاري العالمي، وهو ما أشار اليه صديقنا الكبير الباحث السوري "نصر شمالي" في مقال سابق منشور في صحيفة تشرين، قال فيه:
"إن الكثيرين لا يدركون ـ ويا للأسف ـ أن العالم بجميع أقطاره وأمصاره يجتاز راهناً أزمة عظيمة تشمل جميع فروع الحياة البشرية المادية والمعنوية والبيئية أيضاً، وهذه الأزمة الشاملة، التي تعصف بالعصر الأوروبي وباستطالته الأميركية، تتميز بأنها نوعية وليست روتينية، وبأنها تاريخية وليست مرحلية، فهي أزمة تتناول مصير النظام الرأسمالي العالمي ونظامه الدولي، بقضه وقضيضه الذي بدأ يضمحل ويعاني من خلل يضرب في نخاعه الشوكي بحيث صار عبئاً كارثياً لا يطاق بالنسبة لجميع أمم الأرض".
من هنا يمكن تفسير تخبط الاستراتيجية الأميركية بشقيها الجمهوري والديمقراطي، وتورط الولايات المتحدة في مستنقعات ضحلة لن يتسنى الخروج منها بمواقف استفزازية يسارع المنظّرون القابعون وراء الكواليس إلى نعتها بأنها "زلات لسان" كما في القنبلة السياسية التي أطلقها أخيراً جورج بوش، وحذر فيها العالم من مغبة اندلاع حرب عالمية ثالثة، إذا لم يقنعوا الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالتخلي عن برنامجها النووي السلمي.
عميقة في فلسفة التاريخ وسننه لعلهم يدفعون عن بلادهم بذلك كارثة تاريخية تزداد حدتها عليهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وتقودهم في عملية عد تنازلي إلى المصير المشؤوم الذي آلت اليه جميع القوى المتجبرة على مرّ العصور.
ولا شك بأن التنبه لمثل هذا المصير، قمين بأن يحث الديمقراطيين والجمهوريين معاً ومن وراءهم في الولايات المتحدة الاميركية على مراجعة حساباتهم على أساس من العقلانية والاتزان، والاعتبار بتجارب الدول والأمم السابقة، ومن ثم التورع عن ممارسة العدوان والغطرسة والاستكبار التي لن تعود الا بالضرر والخسران على أصحابها.
(*) كاتب وإعلامي إيراني
الانتقاد/ العدد 1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر2007

2007-11-16