ارشيف من : 2005-2008
إسبانيا تحاول دفع التاريخ إلى الوراء في أميركا اللاتينية

انعقدت بين الخميس والسبت الماضي (8 و10/11/2007) القمة الإيبيرية ـ الأميركية اللاتينية السابعة عشرة في العاصمة الشيلية سنتياغو، بحضور 91 من رؤساء ورؤساء دول إسبانيا والبرتغال وعشرين بلداً من بلدان أميركا اللاتينية التي بات أكثرها في الخط اليساري. الموضوع الرئيس الذي استأثر باهتمامات القمة هو موضوع التماسك الاجتماعي في قارة يعيش 40 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، بعد عقود من هيمنة الولايات المتحدة وسياساتها التي جعلت من أميركا اللاتينية حقلاً للفوارق والتمايزات الاجتماعية الأكثر حدّة في العالم.
الرئيس الفنزويلي هيغو شافيز أنكر أن يكون هنالك تماسك اجتماعي في أميركا اللاتينية، معتبراً أن الأغنياء هم الذين يروّجون لهذه الفكرة، وأن المطلوب هو الحديث عن تغيير يفضي إلى المزيد من تحقيق العدل الاجتماعي. وقد انتهت القمة التي سادتها أجواء الحوار الهادئ والودي إلى تجاوز التعارض بين مفهومي التماسك والتغيير إلى إصدار بيان ختامي جاء على شكل نداء ملح أكد ضرورة تعزيز الحماية الاجتماعية في أميركا اللاتينية برغم الخلافات الأيديولوجية المتفاقمة فيها بين ثلاث كتل متمايزة من حيث التوجهات الجذرية التي تمثلها كل من كوبا وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا، أو التوجهات الليبرالية التي تمثلها كل من كولومبيا والبيرو، أو التوجهات الوسطية أو اليسارية المخففة التي تمثلها كل من الشيلي والأرجنتين والبرازيل. لكن الصيغة المخففة التي خرج بها البيان الختامي للقمة لم تخفِ التناقضات الحادة بين التوجه الأقصى الذي يمثله الثوريون من جهة والليبراليون الأقليون الذين تكلم باسمهم ـ في ظروف عزلتهم المتزايدة ـ مندوبو إسبانيا التي تمتلك أكبر قدر من الاستثمارات في أميركا اللاتينية بعد الولايات المتحدة. فقد وقع صدام كلامي بين الملك الإسباني خوان كارلوس ورئيس فنزويلا هيغو شافيز الذي قاطع عدداً من الخطباء، ليعبر عن آراء هاجم فيها الشركات الإسبانية والكنيسة الفنزويلية والبابا، واتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدعم محاولة لقلب نظام حكمه عام 2002. وكان الملك الإسباني قد خرج من القاعة عندما أعار دانييل أورتيغا دقيقة من وقته لشافيز، إلا أنه لم يتحمل الهجوم المركز الذي شنه شافيز على رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا آزنار، حيث وصفه بالفاشي واللاإنساني، معتبراً أن الأفعى أكثر إنسانية من الإنسان الفاشستي. وقد رد الملك الإسباني بأن تلفظ بعبارة جارحة حين قال لشافيز: "لماذا لا تقفل فمك؟". وعلّق شافيز على ذلك بأن الملك لم يتمالك نفسه وتصرف كما لو أننا ما زلنا رعايا جلالته في القرن السابع عشر أو الثامن عشر، مشيراً بذلك إلى الحقبة التي خضعت فيها أميركا اللاتينية للاستعمار الإسباني، في وقت تحاول فيه إسبانيا الحالية تعزيز مواقعها في القارّة في ظل حالة الانحسار التي يواجهها النفوذ الأميركي فيها.
ولم يشأ الثوريون مغادرة الشيلي دون أن يعقدوا قمة أخرى "للشعوب" هذه المرة.. فقد تحدث كل من شافيز وموراليس وأورتيغا وغيرهم أمام عشرات الألوف من المشاركين الذين احتشدوا في سنتياغو، ليؤكدوا المسار الجديد لأميركا اللاتينية باتجاه التحرر الكامل من نير الإمبريالية الأميركية والأنظمة التي لا تزال مرتبطة بها، ومن الوسطية التي تحكم عدداً من بلدان أميركا اللاتينية ذات التوجهات الاجتماعية الديمقراطية. وقد حرص شافيز على إلهاب الجماهير عندما قاطع نفسه هذه المرة ليتصل بالزعيم الكوبي فيدل كاسترو، الذي حمله تحية إلى الشعب الشيلي بمناسبة خلاصه من الدكتاتور بينوشيه. وقد عبر شافيز عن أسفه لأن هاتفه المحمول ليس مكبراً للصوت لكي يتسنى للحشود سماع كلام فيدل كاسترو. ومن جهته هاجم كاسترو محاولات أوروبا إعطاء الدروس لشعوب أميركا اللاتينية، وهنأ شافيز على انتقاداته الكاسحة. كما عبر عن فخره إزاء مداخلات الزعماء الذين وصفهم بالثوريين والشجعان، وعن حزنه إزاء مناداة بعض الزعماء اليساريين بديمقراطية اجتماعية على أساس رأسمالي. وفيما كانت الشمس تغرب على أميركا اللاتينية بعد اختتام القمتين، كان بلد جديد هو غواتيمالا، ينضم إلى دائرة اليسار مع الانتخابات التي حملت اليساري المعتدل آلفارو كولوم بفارق ضئيل إلى قمة السلطة في بلد يعيش فيه 13 مليون إنسان، ثلاثة أرباعهم من الفقراء.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2007