ارشيف من : 2005-2008

اطلاق سراح الإيرانيين..رسالة أميركية لها اكثر من مضمون

اطلاق سراح الإيرانيين..رسالة أميركية لها اكثر من مضمون

بغداد ـ عادل الجبوري 
حظيت مبادرة إطلاق سراح تسعة من الإيرانيين المعتقلين لدى القوات الأميركية في العراق، وبينهم دبلوماسيون، بترحيب وارتياح من قبل الأوساط والمحافل الرسمية، وبعض الأوساط والمحافل غير الرسمية العراقية.
فمن جانب يمكن النظر إلى تلك المبادرة على أنها حصيلة جهد دبلوماسي عراقي اضطلعت به وزارة الخارجية العراقية وشخصيات وأوساط سياسية أخرى لها علاقات جيدة مع طرفي الأزمة: واشنطن وطهران. ومن جانب آخر فإن مبادرة إطلاق سراح الإيرانيين التسعة من شأنها أن تساهم في حلحلة بعض العقد المستعصية بين الجانبين التي قد تؤثر سلبا في اتجاهات ومسارات الأوضاع في العراق، وتفتح الباب على مزيد من الحوارات والتفاهمات حول قضايا معينة.

ولعله كان أمراً ذا دلالة أن يعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية محمد رضا باقري بعد ساعات من إطلاق سراح الإيرانيين التسعة، استعداد بلاده لإجراء جولة جديدة من المباحثات مع الولايات المتحدة الأميركية اذا تقدمت الأخيرة بطلب رسمي بهذا الخصوص عن طريق السفارة السويسرية في طهران لمصلحة الشعب العراقي.
فهذا التصريح يشير إلى استعداد إيراني لإجراء المزيد من المباحثات مع واشنطن حول الشأن العراقي فقط، ويشير كذلك إلى انه ينبغي على واشنطن أن تبادر هي إلى ذلك. وإضافة إلى ذلك كله فإن طهران ربما تكون قد تعمدت ان لا تبعث اشارات من هذا القبيل قبل ان تقوم واشنطن بخطوات ايجابية تجاهها، بعد اسابيع ـ او شهور ـ من حملة سياسية وإعلامية بدت منظمة ومبرمجة من قبل واشطن ضد طهران، كان من أبرز مفرداتها وعناوينها الاتجاه او التلويح بإدراج الحرس الثوري الايراني، وتحديدا فيلق القدس، في قائمة المنظمات الارهابية التي تصدرها سنويا وزارة الخارجية الاميركية.
ويبدو ان ملف المعتقلين الإيرانيين لدى القوات الاميركية بدأ يشهد نوعا من الحلحلة والانفراج، بالاتجاه الذي يسهل للزعماء والساسة العراقيين التعاطي مع عدد من الملفات التي يكون فيها الأميركان والإيرانيين طرفين معنيين بشكل او بآخر.
فرئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وزعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد السيد عبد العزيز الحكيم أشار في حوار أجرته معه وكالة الانباء الايرانية الرسمية بعد الاعلان عن اطلاق سراح الايرانيين التسعة، الى ان لديه معلومات تفيد بأن الجيش الاميركي سيفرج قريبا عن اسرى ايرانيين آخرين اعتقلوا في العراق، مؤكدا بهذا الشأن ان السفير الاميركي في بغداد رايان كروكر أعطاه ضمانات بهذا الصدد.
وتشير بعض المصادر الى انه ما زال هناك احد عشر ايرانيا محتجزين لدى القوات الاميركية، بعضهم منذ عام 2004 وبعضهم الآخر اعتقلوا مطلع العام الجاري في مدينة أربيل شمالي العراق، في عملية استهدفت مبنى القنصلية الايرانية هناك.
الى جانب ذلك فإن مصادر مطلعة في وزارة الخارجية العراقية أكدت ان واشنطن قررت مسبقا اطلاق سراح كل الايرانيين لديها، الا انها ارتأت ان لا يتم ذلك دفعة واحدة، بل على دفعات، من اجل تحقيق مكاسب سياسية، ولتجنب الظهور بمظهر الضعف، او الإيحاء بأنها على استعداد لتقديم تنازلات مفتوحة لعدوها وخصمها التقليدي في المنطقة، وحتى لا يبدو خطابها التصعيدي والحازم المعلن متناقضا مع فعلها التراجعي، على ضوء تجربة الأعوام الأربعة والنصف المنصرمة للولايات المتحدة الاميركية في العراق التي شابها الكثير من عوامل الإخفاق والفشل، وخصوصا ما يتعلق بالتعاطي مع بعض جيران العراق، وبالتحديد سوريا وإيران.
عوامل الاخفاق والفشل هذه لا شك في انها خلقت مزيدا من المشكلات لواشنطن، التي أدركت مع مرور الوقت انها ترتكب خطأ فادحا اذا قررت، او بعبارة أخرى استمرت على نهجها المتمثل في توسيع دائرة أعدائها وخصومها، لا سيما ان الاحداث والوقائع أثبتت عجزها عن حسم وتوجيه الامور منفردة في العراق.
وقد لا تخرج التصريحات الاخيرة لوزير الحرب الاميركي روبرت غيتس التي نفى فيها وجود مخططات أميركية لتنفيذ عمليات عسكرية ضد ايران، عن سياق اتجاه واشنطن لتبني الخيارات الدبلوماسية الهادئة، بعد ان ثبت عدم جدوى التلويح والتهديد بالقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية.
وبالنسبة الى العراقيين فإنهم اذا كانوا قد نجحوا من خلال الدبلوماسية في جمع الإيرانيين والاميركان على طاولة واحدة في بغداد أكثر من مرة، فهذا يعني ان المعطيات والنتائج الايجابية المتحققة لا بد من ان تنسحب على الوضع العراقي.
وبالفعل فإن التقليل من درجات الاحتقان واختزال عوامل الشد بين واشنطن وطهران ستعود بالنفع والفائدة على العراق، لا سيما اذا كان للدبلوماسية العراقية دور في تقليل ذلك الاحتقان واختزال عوامل الشد تلك.
وأغلب الظن ان رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وزعيم كتلة الأغلبية في البرلمان العراقي السيد عبد العزيز الحكيم الذي التقى خلال الايام القلائل الأخيرة كبار صناع القرار السياسي الايراني قبل ان يغادر طهران التي أنهى فيها مراحل علاجه الأربع من مرض السرطان بنجاح، أغلب الظن انه سيتوجه الى واشنطن، ولا شك ان مباحثاته في الاخيرة لن تكون بعيدة في جوانب غير قليلة منها مع ما جرى بحثه ومناقشته في طهران.
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2007

2007-11-16