ارشيف من : 2005-2008

بيريز في تركيا: البحث عن إنجازات شخصية

بيريز في تركيا: البحث عن إنجازات شخصية

ما الذي ذهب رئيس كيان العدو شيمون بيريز يفعله في تركيا في هذه اللحظة السياسية بالذات حيث تشهد علاقات أنقرة وواشنطن توترا غير مسبوق على خلفية الإدانة الاميركية للابادة التي تعرض لها الأرمن، والتي قابلتها تركيا بتجييش إعلامي يمهد لهجوم على شمال العراق لتنفيذ عملية عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في بلد تعد إدارته حصرا من اختصاص الولايات المتحدة؟

من حيث الشكل أسبغ بيريز على زيارته أوصافاً تتصل برغبته في تعويم دوره "الفخري" أصلاً في "إسرائيل" نفسها، وأطلق عليها صفة "التاريخية" برغم أنه ليس لديه صلاحيات تنفيذية ليعود بصيد يمكن أن يفرضه على حكومة ايهودا اولمرت؟ وإذا كان الخرق "المعنوي" الذي عاد به ليكون أول رئيس إسرائيلي يلقي خطابا أمام برلمان تركيا البلد "المسلم الديموقراطي المهم والذي يمكنه أن يضطلع بدور كبير في تقاربنا مع العالم العربي" حسب تعبيره، فإن الموضوعات التي تم التطرق إليها هي اكبر من اختصاصه ولا تعدو مجرد خطابات تتصل برغبة شخصية لبيريز ليضيف إلى لائحة "إنجازاته" انه ربما آخر ملوك "إسرائيل" الذين سجلوا "فتوحات" لها في عالم عربي وإسلامي أكثر عداء لها واقل ميلا لإبرام اتفاقيات سلام معها بعد سلسلة الهزائم التي بدأت مع دحرها من لبنان عام 2000 وخروجها مهزومة من قطاع غزة وإخفاقها المريع في حرب تموز على يد حزب الله مجدداً.

صحيح أن بيريز تحدث عن معظم القضايا الملحة التي تهم "إسرائيل" إلا انه لم يحمل معه سوى التوقيع مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والرئيس التركي عبد الله غول  اتفاقا لإنشاء منطقة صناعية مشتركة في الضفة الغربية أولاً في ترقوميا، ثم جنين، بإشراف الاتحاد التركي للبورصات وغرف التجارة. وهو اتفاق يوجب على "إسرائيل" أن تضمن امن هذه المواقع وتنقل برا وبحرا السلع التي ستنتج فيها. ويعد الاتفاق جزءا من علاقات اقتصادية أقامتها أنقرة وتل أبيب منذ التوقيع على اتفاق تعاون عسكري عام 1996، وهو شبيه باتفاق وقعته تركيا في كانون الثاني/ يناير 2006 مع السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" لبناء منطقة صناعية شمال قطاع غزة،  لكن تنفيذ المشروع علق بعد سيطرة حركة حماس على القطاع.

هذه الحصيلة لا تتناسب والوضع الذي تقدم فيه تركيا نفسها على أنها في الموقع المناسب لتسهيل جهود السلام في الشرق الأوسط بسبب علاقاتها الجيدة مع "إسرائيل" وكذلك الفلسطينيين وسوريا.

فبيريز تحدث عن الملف النووي الإيراني من باب التحريض على إيران "المدرسة في الإرهاب" مقابل امتداح تركيا "المدرسة في السلام والبلد المسلم الوحيد الذي يستطيع تحقيق السلام بين المسلمين والمجتمعات الأخرى" حسب قوله. لكن المعضلة تكمن في رفض تركيا أن تكون معبراً لأي عدوان أميركي أو إسرائيلي على إيران، وهي من نقاط الخلاف التي لا يمكن تخبئتها وراء مثل هذه التصريحات الغزلية. على أن حادثة تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق الأراضي التركية أثناء إغارتها على الأراضي السورية وإلقائها حمولتها في تركيا لتسهيل فرارها من وسائط الدفاع الجوي السوري، وما أعقبها من أزمة تركية إسرائيلية أدت إلى اعتذار مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهودا اولمرت، كل ذلك يظهر أن المقاربة التركية للملفات الساخنة المتاخمة لحدودها تنأى عن الزج بنفسها في صراعات لا يسمح المزاج الشعبي التركي الإسلامي بها، وان كان هذا المزاج خدش من خلال استضافة بيريز ليلقي كلمة بالعبرية أمام البرلمان التركي.

وثمة من يرى أن تل أبيب تطلب من أنقرة أن تنشط على خط دمشق من اجل أن تستكشف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة النوايا السورية لكيفية التعامل مع التصعيد الإسرائيلي الأخير ضدها عبر الغارة، أو لسبر الاستراتيجية الجديدة التي قررت دمشق اعتمادها في التعامل مع "إسرائيل" عقب هزيمة الأخيرة في حرب تموز، وما إذا كانت جادة في تهديداتها بالرد على أي تصعيد إسرائيلي بطريقة تختلف عن مرحلة ما قبل تموز 2006.

أما حديث بيريز عن طلبه من أنقرة أن تلعب دورا لاستعادة الأسرى الإسرائيليين دون أن يحدد ما إذا كان يقصد الأسير لدى حماس غلعاد شاليط أو الأسيرين لدى حزب الله فلا يعدو كونه تمنياً تبدو فرصه معدومة، لان تركيا لأسباب عديدة ليست مؤهلة للعب مثل هذا الدور، فضلا عن عدم حاجة الأطراف الأخرى له.

النقطة الأخرى التي كانت حاضرة في خطابات المسؤول الإسرائيلي ما قاله وعباس عن مؤتمر انابوليس، لكنه كلام لا يخرج عن الأدب السياسي الذي يحاول كل طرف أن يلمع به صورته ونواياه عن السلام والتسوية؛ ذلك انه وبرغم إعلان أبو مازن أن المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين حققوا تقدما في العمل على صياغة اعلان مشترك حول المؤتمر يتطرق إلى مسائل أساسية مثل حدود الدولة الفلسطينية ومصير اللاجئين الفلسطينيين والمستوطنات اليهودية، إلا أن هناك خلافات جوهرية بين الطرفين حول طبيعة هذا الاعلان المشترك، حيث يريده الفلسطينيون وثيقة تدخل في تفاصيل المسائل العالقة في حين يفضله الاسرائيليون مجرد عناوين، هذا في وقت يتوقع المسؤولون الإسرائيليون ألا يستمر اجتماع انابوليس إلا ليوم واحد، مع الإشارة إلى أن سقف التوقعات من المؤتمر انخفضت كثيرا إلى حد انه نعي أكثر من مرة من غير جهة قللت من أهمية النتائج التي سيخرج بها على هذا الصعيد.

يبقى التساؤل عما إذا كان بيريز مؤهلاً ليلعب دور الوسيط على خط أنقرة واشنطن، أم أن أكثر ما يمكن أن يكون فعله هو الاعتراض على الملتقى الدولي حول القدس الذي يعقد هذه الأيام في اسطنبول بمشاركة نحو خمسة آلاف شخص بينهم ممثلون عن المقاومات التي تصنفها إسرائيل "إرهابية"؟

عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2007

2007-11-16