ارشيف من : 2005-2008
ذكرى ياسر عرفات عززت الانقسام..حكومة فياض تطبق المرحلة الأولى من خارطة الطريق استعدادا لـ"أنابولس"

غزة ـ عماد عيد
بخلاف ما كان متوقعا جاءت ذكرى الرئيس الراحل ياسر عرفات كأحد عناوين الانقسام الفلسطيني الداخلي بين فتح وحماس في قطاع غزة. فالذكرى التي كان الجميع يتوقع أن تكون الفعالية التي يجتمع حولها الجميع انتهت في قطاع غزة نهاية دموية. فقد قتل سبعة مواطنين فلسطينيين من المشاركين في إحياء الذكرى الثالثة وأصيب العشرات بجروح بعد انتهاء الكلمات الاحتفالية من قادة ورموز فتح في قطاع غزة. وكما هي العادة في كل صدام جديد فقد تبادل الطرفان الاتهامات حول المتسبب في هذه الأحداث.. الشرطة قالت ان عناصر فتح بدأوا باستفزاز الشرطة بكلمات نابية وأطلقوا النار على أربعة من أفراد الشرطة من جامعة الأزهر القريبة من المكان، وهو ما نفته حركة فتح وقالت إن عناصرها لم يكونوا مسلحين، وإن الشرطة أطلقت النار بدون مبرر يذكر.
وبالخروج من أجواء الخلاف فإن المراقبين المحايدين اعتبروا أن مشاركة هذا العدد الضخم في المهرجان له مدلولات عديدة، أهمها هو أن أنصار فتح وعناصرها وجدوا فيها فرصة للإعراب عن احتجاجاتهم على ممارسات حماس في قطاع غزة بحقهم، وأن أنصار فتح وجدوا فيه فرصة لانتخاب الرئيس الراحل ياسر عرفات حتى وهو غير حي، على اعتبار أن أي من قيادات ورموز فتح لم يستطع أن يحل محله أو أن يقترب من مكانته أو أن يصبح قائدا يجمع شتات الحركة حتى الآن، وهو ربما ما أرادت فتح أن تظهره من خلال هذا الاستعراض الجماهيري في ساحة المهرجان، لإثبات أنها ما زالت حركة جماهيرية لم تمت.
الفصائل الفلسطينية الأخرى مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحركة الجهاد الإسلامي دانت عمليات القتل والاعتداء على الناس ورفضت أعمال الفوضى والفلتان أيا كان فاعلها، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق فورا في الأحداث ومحاكمة من ارتكب هذه الأفعال وعدم تكرارها. غير أن ذلك لم يمنع شرطة الحكومة المقالة من تنفيذ اعتقالات في صفوف أعضاء فتح.. فقد اعتقلت نحو أربعمئة منهم عقب الاحتفالات من مختلف المناطق في قطاع غزة. وأكدت وزارة الداخلية في حكومة هنية أنها مصممة على المضي قدما في هذا الاتجاه وملاحقة من وصفتهم بالضالعين في هذه الأحداث من فتح.
ولكن ليس هذا هو العنوان الوحيد الذي يكرس الانقسام الفلسطيني، فقد سبق ذلك معركة المجلس التشريعي التي فجرت خلافا كبيرا، إذ عقدت كتلة حماس البرلمانية جلسة نيابية بعد أن حصل نوابها في قطاع غزة على توكيلات من الأعضاء المعتقلين، وحضر ستة آخرون على الهاتف كل من مكانه، وهو ما اعتبرته كتلة فتح إجراءً غير قانوني وغير معترف به. وعلى ما يبدو فإن حماس تحاول من خلال مثل هذا الإجراء وغيره أن تثبت أنها ما زالت قادرة على استعادة زمام المبادرة، وأن الحصار وعدم الاتصال بها من الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية لن يدفعها إلى الرجوع أو التنازل عن مواقفها، أو حتى تسليم السلطة والتراجع عن خطوة السيطرة على قطاع غزة بعيدا عن طاولة الحوار.. غير أنها أرادت أيضا القول للرئاسة الفلسطينية بشكل خاص انه يجب العودة إلى الحوار وعدم الذهاب إلى ساحات أخرى لحسم الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني. وقد اعتبرت الجلسة في مستهلها أن جميع قرارات الرئيس عباس التي اتخذها دون أن يعرضها على المجلس التشريعي غير شرعية وغير معترف بها، وإن كانت لا تملك أن تجمدها في الضفة الغربية، ولكن على الأقل في قطاع غزة هي قادرة على وقف تنفيذ أي قرار.
وأرادت حماس من خلال هذه الجلسة وهذه القرارات دعم تصريحاتها الأخيرة حول الموضوع السياسي في ظل مؤتمر "انابوليس"، الذي قالت فيه انه لا تفويض لأحد بالتفاوض مع الكيان الصهيوني ولا تفويض لأحد بالتنازل وتوقيع اتفاق مع العدو من دون موافقة حماس، إلا من خلال وفاق فلسطيني، وذلك لإلغاء تفويض كانت قد منحته حماس للرئيس عباس أثناء الحوار وفي الحكومة الفلسطينية العاشرة وحكومة الوحدة الوطنية الأخيرة قبل سيطرتها على القطاع. وبخصوص المؤتمر فإن المواقف ما زالت تراوح مكانها منه، فالسلطة الفلسطينية ما زالت تصر على أن يكون الذهاب إليه مبنيا على برنامج زمني للمفاوضات، والكيان الصهيوني يرفض ذلك ويرفض التطرق إلى قضايا الحل النهائي للصراع، مثل القدس واللاجئين والحدود. وعلى الرغم من التصريحات الصهيونية المتناقضة حول المؤتمر، فالمتوقع أن ينعقد في موعده أواخر الشهر الجاري، وأن يجري الإعلان عن انطلاق مفاوضات فلسطينية صهيونية، وأن يجري الحديث عن مدة زمنية غير محددة بشكل دقيق لهذه المفاوضات، على أن تترك للجانبين الفلسطيني والصهيوني، الأمر الذي يعني أن القوي هو الذي يفرض شروطه! وفي هذه الحال فإن الصهاينة هم من يملكون القوة على الأرض ويملكون التغطية والدعم الأميركي، ولذلك فقد تراجع العدو الصهيوني حتى عن اللجنة الأمنية الثلاثية التي شُكلت للإشراف على الوضع الميداني في الضفة الغربية.
على أن الأهم من بين كل هذه التوجهات هو الموافقة الفلسطينية على تطبيق المرحلة الأولى من خطة خارطة الطريق الأميركية كمقدمة للاستمرار في الحوار حول القضايا الأخرى والانتقال إلى مرحلة أخرى، وإن أي تقدم في المفاوضات أو على الأرض مرهون بالتقدم في تنفيذ هذه المرحلة من الخطة. والأخطر في هذا الشأن هو أن من يحكم على هذا التقدم هو الطرف الصهيوني، أي أنه بإمكان الأخير أن يتذرع بأي حجة أو ذريعة للتهرب من أي مسؤوليات مطلوبة منه في هذا السياق، وبالتالي التنصل من أي التزامات. ولذلك فإن كثيرا من المراقبين يعتبرون أن ما يجري من حراك في الملف الفلسطيني مرتبط بما يجري في الملف النووي الإيراني، وأن المتوقع أن يمضي الجانبان الفلسطيني والصهيوني بإشراف أميركي بعيدا في المفاوضات لتغطية أي ضربة محتملة لإيران، ثم يتذرع العدو بأي ذريعة من أجل التراجع عن كل ما أُحرز في المفاوضات، مثلما حصل أيام مفاوضات "كامب ديفيد" مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، عندما رفض الرئيس التوقيع على ما عُرض عليه، فجاء باراك واعتبر بقرار أن كل ما جرى التوصل إليه مع الفلسطينيين لاغيا، وكأنه لم يكن حتى لا يبنى عليه.. أو في أحسن الأحوال أن يُفرض حل لا يلبي الحد الأدنى من التطلعات الفلسطينية، على اعتبار أن اللحظة الراهنة هي اللحظة الأضعف التي يمر بها الفلسطينيون بسبب الانقسام وقدرة العدو الصهيوني على الابتزاز وتوظيف هذا الانقسام لابتزاز فريق السلطة بسيف حماس، والعكس بالعكس.
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2007