ارشيف من : 2005-2008

قيادة حماس أعطت الضوء الأخضر: لقاء المقاطعة انطلاقة لحوار فلسطيني أم رسالة لأميركا وإسرائيل؟

قيادة حماس أعطت الضوء الأخضر: لقاء المقاطعة انطلاقة لحوار فلسطيني أم رسالة لأميركا وإسرائيل؟

رام الله ـ ميرفت صادق
بعد يومين فقط على ظهور قيادات حركة حماس في الضفة الغربية لأول مرة منذ أواسط حزيران/ يونيو الماضي بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وإعلانهم مبادرة لإعادة اللحمة بين الأطراف المتباينة في الشعب الفلسطيني، والتأكيد على شرعية رئيس السلطة محمود عباس بشكل مواز لشرعية المجلس التشريعي المنتخب أيضا.. قرر ديوان الرئاسة في رام الله دعوة هذه القيادات للقاء في مقر المقاطعة برام الله وصلاة الجمعة برفقة رئيس السلطة.. ولأهمية الموقف وحساسيته، اختلف الكثيرون في تقدير توجهات القيادة الفلسطينية من جهة وحركة حماس من جهة أخرى بعد هذا اللقاء الذي عده الكثيرون شرارة الانطلاق نحو حوار جدي، قد يكلل بما هو مبشر قريبا، في حين اعتبره آخرون رسالة سياسية من رئيس السلطة لشركائه في العملية السلمية مفادها "أنا لدي خيار آخر".. وفي حديث خاص عما جرى في لقاء الجمعة بين الرئيس محمود عباس وكل من الدكتور ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم السابق، والشيخ حسن أبو كويك والشيخ فرج رمانة والنائب عن حماس د. أيمن دراغمة... أوضح دراغمة حيثيات هذه الزيارة وأهم المواضيع التي طرحت للنقاش.
وحسب دراغمة جاءت مشاركة وفد حماس في صلاة الجمعة مع الرئيس عباس ومن ثم اللقاء معه في مقر المقاطعة، بدعوة من أحد قيادات حركة فتح المقربين من الرئيس وليس بمبادرة من حركة حماس، وعقد الوفد لقاءً بعد صلاة الجمعة مع الرئيس لمدة أربعين دقيقة.
 وخلال اللقاء تحدث الشيخ حسين أبو كويك عن إستراتيجية حركة حماس ورؤيتها للوضع الفلسطيني العام، وأكد على الوحدة الوطنية والالتزام بالاتفاقيات التي عقدت بين حماس وفتح، واحترام مبدأ التداول السلمي للسلطة، واحترام نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وعن رد فعل الرئيس عباس على ما طرحته حماس من رؤية للفترة القادمة، قال النائب دراغمة إن الرئيس وقيادات فتح التي حضرت اللقاء تحدثت بإيجابية عن أهمية العودة الى الحوار.. لكنه اشترط صدور تصريح واضح من قيادة حماس يرفض ما جرى في غزة بعد الحسم العسكري، وإبداء الاستعداد للتراجع عما حدث كتوطئة للبدء في الحوار ومعالجة الأمور على الأرض.
وأوضح دراغمة أن هذا اللقاء كان بهدف جسر الهوة وتهيئة لأجواء إيجابية، وخاصة أنه اللقاء الأول مع الرئاسة بعد أحداث غزة، مضيفا: "شعرنا برغبة من الرئاسة وقيادات فتح الموجودين في معالجة الأزمة الحالية".
وردا على التصريحات والتحليلات التي أشارت إلى انشقاق وتناقض في مواقف حركة حماس بعد لقاء المقاطعة، أكد دراغمة أن هذه التصريحات غير موضوعية، فمن الطبيعي ان يوجد في التيار الواحد تنوع في اللغة الواحدة، ولكن زيارة المقاطعة لم تكن خطوة خارج الإطار العام للحركة، بل كانت خطوة مباركة وتم تشجيعها.
تطبيق شعار الوحدة على الأرض
من ناحيته قال الشيخ فرج رمانة وهو أحد الذين شاركوا في الزيارة، إن لقاء المقاطعة لم يكن الأول من نوعه بين الطرفين حماس وفتح، بل سبقه لقاءات عديدة بين قيادات حماس وفتح في الضفة، لكنه اللقاء الأول مع الرئيس.
وفيما اذا كان هذا اللقاء يعبر عن استراتيجية جديدة من حماس لفك الحصار، أوضح رمانة أنه وبعيد أي أزمة تكون جميع الأطراف في حالة تشنج وتعصب في المواقف، لكن بعد مدة يدرك الجميع بأنه من المهم التقدم بإشارات إيجابية في سبيل بناء الثقة بين الطرفين. وشدد رمانة على أن ما قامت به حماس في المشاركة بلقاء المقاطعة هو استكمال لشعارها الذي رفعته دوما بضرورة العودة للحوار وإعادة بناء اللحمة الوطنية وممارسة ذلك على أرض الواقع.
ولكنه في الوقت ذاته، استدرك أنه لا يمكن القول إن اللقاء يرتقي الى مستوى استئناف الحوار، بل يمكن اعتباره تقدما ملحوظا يمكن البناء عليه مستقبلا.
في ظل الضغط الدولي الذي يتعرض له الرئيس عباس من قبل اميركا واسرائيل في سبيل مقاطعة حماس، هل تتوقعون أن يكون هناك أفق للبدء في حوار جدي؟ أجاب رمانة أن الساحة الفلسطينية شهدت تجارب سابقة في هذا المجال، واستطاع الفلسطينيون بوحدتهم تحدي هذه الضغوط، مؤكدا أن الرئيس يكون أقوى حينما تكون حماس بجانبه، والعكس صحيح، وأنه لا سبيل إلا الوحدة وإعادة اللحمة الفلسطينية الى عهدها.
وفي الوقت الذي قرأ فيه الكثيرون موافقة حماس على زيارة المقاطعة استعدادا منها للتراجع عن الحسم العسكري في غزة، شدد رمانة على أهمية وضع النقاط على الحروف، وقال إن:" حماس أعلنت منذ اليوم الأول للحسم أن هذا الحدث لا يمثل إستراتيجية لديها، وإنما تدحرجا لأمور صعب التحكم بها من كافة الأطراف، وأعلنت أن وجودها في المقار الأمنية ليس مؤبدا وفي حالة التوافق على اعادة هيكلية الأجهزة الأمنية وفق رؤية وطنية تخدم مصلحة الوطن والمواطن فهي على استعداد لاخلاء هذه المقار".
وفيما اذا كان هذا اللقاء يعد محاولة من حماس لكسر الضغط على عناصرها الذين يتعرضون للملاحقة اليومية والاعتقالات في الضفة الغربية، قال رمانة إن واقع الحركة في الضفة صعب جدا وقاس، وهذا الأمر طرح في لقاء المقاطعة وطلبت حماس من الرئيس وقف الملاحقات بناء على الانتماء السياسي.
وأوضحت الحركة ان ما يجري على الأرض من ممارسات الأجهزة الأمنية مخالف تماما لقواعد حقوق الإنسان والحريات، خاصة في ظل الملاحقة الشاملة لكل أطر الحركة السياسية والطلابية والمؤسساتية والخيرية.
وردا على تصريحات التشكيك بوحدانية حركة حماس في الضفة وغزة والخارج، شدد رمانة على أن قيادات حماس في رام الله لم تتحرك إلا بعد تشاور مع كل أطر الحركة وحصلت على ضوء أخضر ومباركة من القيادة، وهنالك إجماع داخل الحركة ورؤية ايجابية بأنها إشارة يمكن أن يبنى عليها.
في منتصف الطريق
وفي محاولة لتحليل أبعاد هذه الزيارة وتوجهات الطرفين بعد لقاء المقاطعة، رأى الدكتور رائد نعيرات أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، أن لقاء المقاطعة لم يكن بداية لانطلاق الحوار، وإنما استمرارا للقاءات قطعت شوطا عمليا وقدمت بها أفكار ايجابية لاقت جدوى ومهدت الطريق للقاء المقاطعة المعلن. وذهب الدكتور نعيرات للقول إن حماس وفتح والرئاسة لم يبدأوا الحوار في المقاطعة، بل شرعوا في مرحلة علنية منه بعد أن أصبحت هذه الأطراف في منتصف الطريق من المباحثات غير المعلنة..
وبرغم محاولة الطرفين إظهار اللقاء بعيدا عن الصبغة الرسمية، يقول نعيرات إن أقل ما يقال في ذلك أن اللقاء ضم شخصيات هامة محسوبة على حركتي حماس وفتح، وهي شخصيات وقيادات من العيار الثقيل، ومعلوم مبدئيا أنها إما ذات تأثير مباشر أو أنها صانعة قرار. وأوضح أن هذا اللقاء يمكن وصفه بأنه محاولة لجسر الهوة بين الطرفين بعد اقتناعهما بأهمية الخروج من المأزق.
وفي ظل قراءة من البعض بأن لقاء المقاطعة يعبر عن استراتيجية جديدة من قبل حماس للتعامل مع الرئاسة، قال نعيرات ان هذه القراءة بعيدة عن الواقع، إذ ان حماس ومنذ اليوم الأول للحسم العسكري تحاول حل الإشكاليات مع حركة فتح مع تحييد مؤسسة الرئاسة، ومنذ البداية كانت حماس تفصل بين ما قامت به من حسم عسكري وبين علاقتها مع الرئيس، إلا أن تصاعد الأوضاع أدى الى سيطرة فكرة الكل ضد الكل. والآن تعود حماس الى هذا المربع باعتباره أسلم المربعات متمثلا في البحث عن القواسم المشتركة بعيدا عن الوقوف على الاختلافات.
وفيما اذا كان الرئيس قد استغل زيارة حماس للمقاطعة كرسالة ضغط على أميركا واسرائيل، أوضح نعيرات أن هذا اللقاء يمثل عدة مآرب بالنسبة لحماس والرئاسة وفتح، حيث ستستخدمها الرئاسة للضغط على الأميركيين والاسرائيليين، وكذلك ستستخدمها حماس لإعلان مرحلة جديدة من الحوار.. فكل من حقه أن يستغل الظرف السياسي.
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007

2007-11-09