ارشيف من : 2005-2008

أئمة أهل البيت(ع) كانوا على الدوام قادة المعارضة السياسية

أئمة أهل البيت(ع) كانوا على الدوام قادة المعارضة السياسية

يحاول بعض الباحثين التمييز بين أئمة أهل البيت(ع) في العمل الإجتماعي فيتهم بعضهم بعدم ممارسة وظيفتهم في قيادة المجتمع زاعماً أن أئمة الشيعة الإمامية ـ من أبناء الحسين (ع) ـ قد اعتزلوا، بعد مذبحة كربلاء، السياسة، وانصرفوا الى الإرشاد والعبادة، والانقطاع عن الدنيا. وهم بهذا الزعم يغفلون أو يتغافلون عن أنَّ "التشيّع" نفسه إنما ولد في أحضان الإسلام بوصفه مشروع مواصلة الإمام عليّ (ع) للقيادة بعد النبي دينياً وسياسياً على السواء.

والقيادة الإسلامية لا تعني إلاّ ممارسة عملية التغيير التي بدأها الرسول الكريم (ص)، لتكميل بناء الأمة على أساس الإسلام، فليس من الممكن أن نتصور تنازل الأئمة عن الجانب السياسي إلاّ إذا تنازلوا عن التشيّع.

كما أن حقائق السيرة المطهّرة للأئمة الأطهار (ع)  تؤكد عكس ذلك، وإنّ أبرز دليل على تصدّي الأئمة (ع)  لقيادة المجتمع ومنع الانحراف فيه، هو موقف الطواغيت المعادي للأئمة (ع)، والذي كانت تعبّر عنه، المضايقات، والعيون المبثوثة حول الإمام، والسجون، ووسائل القتل المتنوّعة .. فالأئمة جميعاً ماتوا إمّا مسمومين أو مقتولين بحدّ السيف. فلماذا سلك الطواغيت هذا السلوك الظالم مع الأئمة لولا أنّهم(ع) كانوا من الناشطين في قيادة المجتمع والمعارضين للسلطات الطاغوتية في أزمانهم؟!

وبكلمة واحدة نقول: إنّ أقلّ دليل يمكن أن نستدلّ به على الموقع القيادي والمؤثّر للأئمة (ع)  في المجتمع، هو توجّس السلطات خيفة منهم وفرض الرقابة الصارمة عليهم ومطاردتهم والفتك بهم جميعاً (ع)  باستثناء الإمام الحجة المنتظر  (عج) الذي ما غاب هو الآخر عن الأبصار إلا لهذه الأسباب.

قيادة الأئمة للمجتمع  الإسلامي تكاد تكون، من البديهيّات المعروفة في التأريخ الإسلامي التي لا ينكرها إلا جاهل أو متحامل.

وكانوا جميعاً دون استثناء رموز المعارضة السياسية للسلطات القائمة. وقد عبرّت هذه المعارضة عن نفسها من خلال الاعمال والمواقف التالية:

أولاً: تربية الامة على كراهية الظلم، وتركيز مفهوم العدل، وشرح فكرة الإمامة والسياسة، وتوضيح اسس الحكم والسياسة في الاسلام، لتنمية الوعي السياسي في الامة، وتعميق حسها وزيادة نقمتها على الحاكمين لعدم انطباق مواصفات العدالة على حكمهم. ومن يستقرئ ما صدر عن أهل البيت (ع) وما رووا ونشروا في هذا الشأن من روايات عن رسول الله (ص) يكتشف أهمية هذه الخطوة في ايقاظ الحس السياسي وتعميق الوعي الاسلامي.

ثانياً: رفض إعطاء الشرعية السياسية للنظام الجائر. وذلك عبر المقاطعة السياسية للنظام وأجهزته ورموزه وعزلهم عن جماهير الأمة بالنهي المتكرر والملح عن الاندماج في هيكليات السلطة الظالمة أو الكافرة، والأمر بالابتعاد عنها، وأيضاً بالنهي المتكرر عن الدخول في التحزب لهذا المتسلط أو ذاك من أهل الجور. أضف إلى ذلك عمل الائمة(ع) على إبعاد بعض العلماء الذين انجرفوا في تيار السلطة لسبب أو آخر وأبرزهم شهاب الدين الزهري. فاستنكروا عليهم الاتصال بها وحضّوهم على اعتزالها واعتزال اهلها؛ مبينين لهم سوء عاقبة البقاء بينهم دنيا وآخرة.

ثالثاً: اتّخذ عمل أئمّة أهل البيت (ع) السياسي طابع السرِّية والتحرّك السرِّي، خصوصاً في عهد الامام موسى بن جعفر، ومحمّد الجواد، وعليّ الهادي، والحسن العسكري، بسبب اتساع واشتداد وتيرة وقساوة حركة بطش النظام وإرهابه بحق أئمّة أهل البيت (ع) وأتباعهم.

رابعاً: وفي سيرة أهل البيت (ع) السياسية نقرأ إسنادهم سرّاً للثورات العلوية التي استمرت أكثر من قرنين من الزمان في طول البلاد الاسلامية وعرضها بعد ثورة الحسين (ع) المباركة والإشادة بزعمائها والترحم عليهم وعلى أنصارهم. كثورة التوابين، وثورة المختار، وثورة زيد بن عليّ، وثورة الحسين صاحب فخ.

غير أنَّ الذي ساعد على تصور الرؤية الخاطئة التي تقول باعتزال الأئمة وتخليهم عن الجانب السياسي من قيادتهم، هو ما بدا من عدم إقدامهم(ع) على عمل مسلح ضد الوضع القائم بهدف استلام السلطة. ذلك أن العمل المسلح كان هو الخيار الوحيد أمام أية جماعة تتبنى سياسة معارضة للسلطة القائمة في تلك العهود الطاغوتية والدموية إن هي ارادت تغيير الأوضاع القائمة. ففي الحكمين الاموي والعباسي اللذين رزح ائمة أهل البيت(ع) تحت وطأتيهما؛ لم يكن وجود للمعارضة السياسية بالمعنى والشكل والأساليب التي نعرفها نحن اليوم.

ونحن إذا تتبعنا سير الحركة الشيعية، نلاحظ أن أئمة أهل البيت(ع)، كانوا يعملون لاسترجاع موقع القيادة والقبض على مقاليد السلطة بأيديهم. وكان هذا هدفا ثابتاً لم يتوانَ أحد منهم في السعي لتحقيقه فضلاً عن التخلي عنه. كل ما في الأمر أن البيئة الإجتماعية والسياسية التي عايشوها على مدى حياتهم الشريفة لم تهيئ لأحد منهم فرصة القيام بثورة كاملة شاملة بوجه السلطات الحاكمة. إيماناً منهم بغياب العناصر التي تؤدي إلى نجاح مثل هذا المشروع. وهذا ما يفسّر سبب دعمهم السري وليس العلني لتلك الثورات العلوية ضد الحكام في العهدين الأموي والعباسي وعدم قبولهم لاستلام قيادتها. فهم(ع) كانوا لا يرون أي حظٍ لها بالنجاح. بل كانوا يخبرون زعماءها بذلك.
اسماعيل زلغوط
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2007

2007-11-16