ارشيف من : 2005-2008

مشروعان

مشروعان

مطالبها. لا وجود لبنود تتعلق بالإصلاح السياسي ولا وجود لمطالب اجتماعية محددة. هناك شكوى وتذمرات من احتكار السلطة ومن فساد إدارة السلطة في جميع القضايا والملفات. وهناك نقد لهذه الممارسة أو تلك حسب موقع الخطاب وظروفه. الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تستخدم للتدليل على فشل السلطة القائمة، فهي وحدها المسؤولة عمّا يصيب البلاد من مشكلات. إذ ليس من وظيفة المعارضة أن تساعد الحكومة على تلافي الأخطاء. لكن ذلك كله لا يعني أن المعارضة لا تملك مشروعاً سياسياً. إن همّ المكوّن الأساسي في المعارضة هو ضمان توازن معيّن في السلطة لحماية هذا المشروع.‏

تشترك قوى المعارضة على اختلاف مواقعها على الأقل في حد أدنى من التوافق على موقع لبنان السياسي العام في الصراعات الدولية والإقليمية. وهي تلتقي عند مسألة العداء لإسرائيل وضرورة قيام سياسة دفاعية جدية بوجهها والتقاطع مع القوى الإقليمية المناهضة لإسرائيل. وتتمايز هذه القوى في طبيعة الموقع والدور. البعض يمسك بقضية المقاومة ويلتزم مهماتها الواسعة والعلاقات التي تحتاجها ويتولى تنظيمها وإدارتها، والبعض يدعم هذا التوجه سياسياً، والبعض الآخر يتفهم ظروف المقاومة واحتياجاتها في انتظار قيام الدولة نفسها بمهمة الدفاع الوطني مع ما يستلزم ذلك من قرار سياسي أولاً واستعدادات مادية ثانياً.‏

في الجهة المقابلة للمعارضة هناك مشروع سياسي أيضاً. لا يفصح هذا المشروع عن نفسه بوضوح كامل. يقوم كل خطابه السياسي على التباس أصلي. هو لا يجرؤ على التصريح برغبته في إنهاء دور لبنان في الصراع مع إسرائيل. يزعم أنه يريد ضبط هذا الصراع في حدود المصالح اللبنانية. يتذرع بأن الجبهة اللبنانية مفتوحة مع إسرائيل لأسباب وأغراض ومصالح إقليمية. يضمر إمكانية ترويض الوحش الصهيوني دون تسوية شاملة في المنطقة. يدّعي ضمناً أن إسرائيل لم يعد لها مع لبنان ملفات عالقة. يُسقط مزارع شبعا من حساب السيادة، يتجاهل الإرهاب الإسرائيلي المستمر في الخروقات الجوية اليومية، يتغافل عن ملف الألغام والقنابل العنقودية والأسرى ويطوي ملف اللاجئين الفلسطينيين، وطبعاً أطماع إسرائيل في المياه اللبنانية. يلقي مسؤوليات الدفاع الوطني على الجيش وسلطة الدولة ولا يقدّم أي تصور لدور هذا الجيش الممنوع بقرار غربي قديم متجدد بأن يمتلك وسائل الدفاع الضرورية. يتغاضى عن إمكانات الدولة اللبنانية المادية أصلاً لتسليح هذا الجيش إذا ما توافرت الإرادة والقرار السياسي. مشروع سياسي كهذا مآله أن يتخلى عن قدرات لبنان الدفاعية التي تمثلها المقاومة الآن، والسير بالتالي بعد ذلك مباشرة إلى القبول بالشروط السياسية التي تريدها إسرائيل وأميركا ضماناً لحدود لبنان الجنوبية.‏

في مواجهة هذا المشروع هناك قضيتان: الأولى تتعلق بمدى مصلحة لبنان الوطنية في ذلك، والثانية تتعلق بقدرة لبنان على اتخاذ خيار كهذا دون تهديد وحدته الوطنية أولاً وتهديد علاقته بجواره العربي ثانياً.‏

خارج الموضوع السلطوي وصراع البقاء الذي خاضته المجموعات اللبنانية في الحرب الأهلية وقاد بعضها للتعاون مع إسرائيل اضطراراً كما يُقال، يُجمع اللبنانيون المؤمنون بالمشروع اللبناني على أن إسرائيل هي عدو تاريخي أصلي ومباشر للبنان بصيغته السياسية، وبتعايش أبنائه وباقتصاده. ويُجمعون أكثر على المطامع الإسرائيلية التاريخية بأرضه ومياهه وبحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على حسابه. فلا مصلحة للبنان إذاً أن يخوض في صلح مع إسرائيل لا يضمن سلامته وحقوقه الوطنية. أما قدرة لبنان على اتخاذ قرار كهذا فتنهض بوجهها تحديات عدة أهمها أن المعنيين المباشرين بالحدود مع إسرائيل يتمسكون بخيار العداء لها والدفاع عن حدودهم وكرامتهم بوجهها. وإن لم يكن هذا التوجه هو وحده ما يحرّك قطاعات لبنانية أخرى، على فرض ذلك، فإن فئات واسعة من اللبنانيين تعتقد بأن انفراد لبنان بتسوية سياسية مع إسرائيل سيخلق للبنان مشكلة مع جواره العربي، لا بد لها أن تترجم في تحديات أمنية. وهذا أمر لا مصلحة للبنان فيه ولا قدرة له على تحمّله. فإذا انتقل لبنان صراحة إلى هذا المحور الغربي المتصالح مع إسرائيل فهو يفقد مناعته في وجه الكثير من القوى والتيارات السياسية العربية ويتحوّل إلى هدف من أهداف العمل المناهض.‏

إذاً لا يستطيع اللبنانيون أن يتصرفوا بمعزل عن هذه المعطيات والحقائق. وعليهم أن ينبذوا الخيارات البعيدة عن العقلانية والواقعية وعن التجارب التي خبروها ودلّت بصورة أساسية على أن وفاقهم ووحدتهم هما الأهم والأبقى لهم. فضلاً عن حاجتهم للاحتفاظ بعرى التضامن مع محيطهم العربي والمزاج العام لهذا المحيط الذي يبقى هو الثابت في السياسات الدولية مهما تقلّبت الظروف والتطورات.‏

المصدر : صحيفة السفير اللبنانية‏

2007-11-15