ارشيف من : 2005-2008

ين "وَرَقَةِ التفاهُم" و"وَرَقَةِ المِعلاق"...!؟

ين "وَرَقَةِ التفاهُم" و"وَرَقَةِ المِعلاق"...!؟

المقفَّع و Jean de La Fontaine، من معانٍ تلامسُ النظُمَ والأعرافَ والتحديداتِ والشروحات... تلك التي يَتَدَسْتَرُ بموجبِها مجتمعٌ من المجتمعات. وإذا كانوا يُدخلون الأمثلةَ الشعبيَّةَ الطريفةَ في حواراتِهِم اليوميَّة، فذلك لتبسيطِ بعض المعاني وتسهيلِ ولوجِها دائرةَ الفَهم. ومن تلك الحكاياتِ الشائعة، حكايةُ "وَرقَةِ المِعلاق"... الحكايةُ التي أعادَتْها الى ذاكرتي اليوم، عَجقَةُ الموفدينَ الدوليّين، وانهمامُ دولهِم الكبير بالإستحقاقِ الرئاسي في لبنان.‏

يُروى أن أحد القرويّين، وبعد أن ابتاعَ له "معلاقاً"، صبيحةَ يومِ أحدٍ، طلبَ الى القصّابِ أن يَكتُبَ له على وَرَقةٍ صغيرةٍ طريقةَ تحضيره. ثم وضعَ الورَقةَ في جيبِهِ وعادَ الى المنزل، ليجدَ أنَّ زوجَتَه قد أقفَلَتْ البابَ وسبقَتْهُ الى القدّاس. وضعَ الرجلُ "المعلاقَ" من يدهِ على "الركَّةِ"، عند المدخل، ولحِقَ بها الى الكنيسة. وعند انتهاءِ الصلاة، عادَ الزوجان مسرعين الى البيت لتحضيرِ "المعلاق". وكانت المفاجأة، أنَّه، وما أن وصلا الى باحةِ المنزل، حتى شاهدا كلباً يُمسك بـ"المعلاقِ" بين فكَّيه، بعد أن مزَّقَ الكيس، ويَهرُبُ به في اتجاه مكانٍ آمنٍ، خلفَ الحَفافي والجِمام. فعلا صُراخُ الزوجةِ التي لحقَت به، لعلَّها توقِفُهُ عن فِعلتِه. لكنَّ هذا الأخير، زادَ من سرعتِهِ ليختفي عن الأنظار. حضنَ الرجلُ زوجتَهُ وهدَّأ من اضطرابها... ثم ابتسمَ لها وأخرَجَ من جيبه ورَقَةَ تحضير "المعلاق" قائلاً، وبمنتهى السذاجة: "وَيْنْ بدّو يروح فيه... مش رح يعرف يحَضّرو... مَ "الوَرقَة" معي... هلَّق برجّعو...!؟".‏

تلك هي حكايةُ "ورَقةِ المعلاق"... الحكايةُ الطريفةُ التي قد تنسحبُ على الكثيرِ من الحلولِ المقترحةِ لمعالجةِ مشكلاتِنا الأساسيَّة، والتي سرعان ما يكتَشِفُ السُذَّجُ ممَّن يدَّعونَ الوَصلَ والفَصل، جَهْلَهُم لأبعادِها الحقيقيَّة ودوافعِها - هذا إذا ما وضَعنا جانباً سوءَ النيَّةِ ورفعنا الظنَّ عن اشتراكِ بعضِهِم في صناعَتِها لأغراضٍ لا تَصُبُّ في خانةِ الوطن... والتاريخُ القريب شاهدٌ على ما نقول...!؟‏

وإذا كان بعضُ المسترئسينَ اليوم، من السذاجَةِ بمكان، بحيثُ يُمسِكُ كلُّ منهُم بـ"وَرَقَةِ المعلاق"... فالخوفُ، كلُّ الخوفِ، من أن يُمسِكَ بتلك الوَرَقة مَن مِنَ المفتَرَضِ بهِ أن يَفقَه طريقَ الحلّ ويُنيرَهُ...!؟‏

حبذا لو كان باستطاعتِنا أن نَروي تلك الحكايةَ لرموزِ ديمقراطيَّةِ ال Cow boy الأميركيّين، أو لنظرائِهِم الأوروبيّين، حملةِ شعلةِ الحريّة الى بلادِ الشمس، والذين ليسوا بالتأكيد من أتباعِ Saint Vincent de Paul أو Martin Luther King... فللدولِ الكبرى مصالِحُها، والشعوبُ الصغيرةُ قد تكونُ مَعبَراً لتحقيقِها؛ حبذا لو كان باستطاعتِنا أن نقولَ لهم، إننا، نحن، معشرَ اللبنانيّين، ومهما ظنَّ بنا بعضكُم، نظراً لضحالَةِ النماذجِ التي تَعرِفونَنَا اليوم من خلالِها؛ إنَّنا، واعون لواقِعِنا وأذكياءَ في فهمِنا لمسار الأمور... أجل أذكياء...! فلسنا في مجاهلِ العالم... ولا في نطاقِ مستعمراتِكُم أو في دوائِرِ مصالحِكُم المباشرة...‏

نحن شعبٌ أبيٌّ حرٌّ، ديمقراطيُّ النزوعِ والمسار رَغم كُلِّ ما اعترانا من عثراتٍ أتتنا جميعُها من مداخلاتِ الخارجِ وتواطؤِ بعضِ الداخل... نحن من ثوارِ الأممِ ومن طليعةِ مقاوِميها، منذ "غَزوةِ الإسكندر" الى "زمنِ بني صُهيون"... ونحن روادُ التنويرِ في هذا العالمِ منذ آلاف السنين... نحن من حَرفَنَهُ... ونحن حَمَلَةُ البشارةِ اليه... فلا يظنَّنَّ أحدُكم أن باستطاعتِهِ أن يُطَبِّقَ علينا ما لا يَرضى بهِ لنفسِه. فللمعاييرِ الديمقراطيَّةِ عندنا قُدسيَّةٌ... وقد كنَّا السبَّاقينَ الى إدخالِ هذا المشرقِ في زمنِ الحداثَة. ولا شأنَ لأحدٍ، مهما علا شأنُهُ، في الداخلِ أو في الخارج، أن يختارَ الرئيسَ العتيد خارجَ أبسطِ معاييرِ الديمقراطيَّة... ألا وهي التمثيلُ الشعبي.‏

"إن الموضوعَ قد تخطّى، على ما قال العماد عون أول من أمس، المنطقَ الديمقراطيّ الذي قامَ ويقومُ عليه لبنان"...‏

ترى، هل ماتَت الديموقراطيَّةُ في لبنان... هل ماتَ لبنان...!؟‏

صحيحٌ أنَّ للدولِ مصالحَ... أما القيمُ، فتَعكِسُها إراداتُ الشعوب...!؟‏

ثم، من قال للعالمِ المتَحَضِّرِ إننا نُلحِقُ الزَمَنِيَّ بالروحيَّ، حتى يجيئَ موفَدوهُ الى مقاماتِنا الروحيَّة غيرَ آبهينَ بمرجعياتِنا السياسيَّة... فنحن أيضاً، يا أحفاد Jean Jaures و George Washinton وغيرهما، نميِّزُ بين الشأن السياسي والشأن الديني... فلا تُخطِئوا بالعناوين وتوقِعوا المرجِعيَّةَ الروحيَّةَ المسيحيَّة في ما يجب ألا تقعَ بِه... فإذا كان للمسيحيَّةِ في لبنان بطريركُها... فللسياسةِ عند المسيحيّين بطريركُها أيضاً... والطريقُ إليه معبَّدٌ وسالكٌ في الإتجاهين...!؟‏

حكايتُنا مع التاريخِ طويلةٌ، أيها الموفَدون... وحكايتُنا مع الأرضِ عصيَّةٌ... و"لن نُلدَغَ من جُحرٍ مرتين".‏

نحن "لا نريدُ الرئاسَةَ... بل الحلّ". ونحن "نقبلُ بالحلِّ مع أيِّ أحد"... ولكن هل من أحدٍ في يده حلّ؟‏

نحن لدينا الحلّ... ففي يدنا "ورقةُ تفاهم"... وأنتم، يا كلَّ المشتغلينَ بالرئاسة، قادةً محليينَ ومسترئسين... هل لديكُم، حتى الساعة، أكثرَ من "وَرَقَةِ المعلاق"؟‏

خَطيطَةُ الحلّ في يَدِنا... وكذلك القدرةُ والإرادة... وفي جيبِكم - وحتى إشعارٍ آخر - خَواء؟‏

فيا نوابَ الأمةِ وقادتَها،‏

يا زعماءَها وبطاركتَها... ويا معارضيها والموالين،‏

في يدنا "ورقَةُ تفاهم"، واضحةٌ في الشكلِ والمضمون؛ في يدنا خَطيطةُ حلٍّ... فلِمَ يُصرُّ بعضكُم على "وَرَقةِ المعلاق"... والفارقُ بين الإثنتين هو، تماماً، كالفارقِ بين الحلِّ واللاحلّ؟‏

ألم يكفنا ما عشناه من مآزقَ وأزماتٍ منذ القرنِ التاسع عشر حتى اليوم؟‏

أين هي ديمقراطيتُكم التوافقيَّة؟ أين هي الميثاقيَّة؟‏

وإذا كنا نطمَحُ لبلوغِ حالةِ المجتمع المدني الذي به تتقلَّصُ الطائفيَّة، فإنَّنا نحتَرِمُ الأعرافَ والمواثيقَ الى حين حدوثِ إيِّ تغييرٍ ديموقراطي.‏

وإذا كانت ديمقراطيَّتُنا اليومَ مهدَّدَةً بالسقوطِ بفعلِ المداخلاتِ الخارجيةِ ورفضِ الإعترافِ بتمثيلِنا الشعبي؛ وإذا بات الغَربُ يَنشُرُ مبادئَ "صدامِ الحضارتِ"، بدلاً من الحريةِ والمساواةِ والأخوة، الأقانيمِ الثلاثةِ التي جعلَت من أوروبا رسالة العدالة والتحرّر في العالم؛ فما عليكُم، إلا أن تتنبَّهوا لما هو أخطرُ بكثيرٍ مما يُحكى ويُشاع. فهلاّ سألتم لماذا حذَّرَ البابا بنديكتوس السادس عشر من خطورةِ الوضعِ في لبنان...!‏

يا نوابَ الأمَّة وقادتها،‏

أَسقِطوا عنكم الأوهامَ، وعودوا الى ما تُمليهِ عليكم ديمقراطيةٌ ارتضيناها... وميثاقيةٌ أقَمنا عندَها على مدى قرون... حتى يَصيرَ بالإمكانِ يوماً، أن نَبنِيَ معاً مجتمعاً جديداً، قدسُ أقداسِهِ مواطَنَةٌ... لا تتعدَّدُ فيها الولاءات.‏

اقبلوا الحلَّ... وإلا... فلنَعُد الى صناديقِ الإقترع... قبلَ فوات الأوان...!‏

المصدر : – صوت الغدّ 11 تشرين الثاني 2007‏

2007-11-12