ارشيف من : 2005-2008

بقلم الرصاص: لولا..

بقلم الرصاص: لولا..

كتب نصري الصايغ
1 ـ من الشقاق إلى  العناق!
أين سيذهب كل الكلام إذا حصل التوافق؟ عامان والكتل السياسية في لبنان تمعن في الافتراق، والاعلام المصاحب يزيّن الطلاق، والمواقف الهستيرية تقود البلاد إلى الهاوية.
أين سيذهب التحريض الطائفي والمذهبي؟ أين ستقيم الاتهامات المتبادلة بين الأطراف؟ من سيحاسب من على القفز من إلى، ثم من إلى من، ثم إلى كل الأمكنة الخطيرة والمتناقضة؟
إذا حصل التوافق على الرئيس وعلى ما بعد الرئيس، على القوى السياسية أن تمارس الصمت كي لا تضطر إلى تبرير كاذب.
كنا على وشك الدخول في فتنة، كنا على أهبة الاستعداد للشر المستطير، كنا على وشك أخذ لبنان إلى العواصم الخطيرة والمعادية والمتعادية، كنا على وشك الفتك، كنا نسلّح وعلى وشك الخنادق.. ثم إذا حصل التوافق ماذا نقول لأنفسنا أولاً، ولغيرنا ثانياً؟
أليس معيباً كل هذا الطلاق، وكل هذا النفاق، وكل هذا الشقاق من أجل هذا العناق، وقد يكون مؤقتاً؟!

فالج لا تعالج!
لقد بلغنا الحافة في كثير من الأمور، وعليه فإن أكبر حزب عربي من المحيط إلى الخليج، هو الحزب السري المفضوح الذي تنتظم فيه نظرة العرب إلى أنفسهم راهناً، وقد يكون مستقبلاً.
أكبر حزب هو حزب "فالج لا تعالج"، وهو يضم ملايين الملايين وأفكار المفكرين وأحلام الحالمين ورغبات الطامحين، حزب دُفنت فيه الآمال الكبيرة والأُمَيلات الصغيرة، والرغبات الصغيرة الصغيرة.. حزب يرى فيه أعضاؤه النشطون أن التراجع هو سنّة العرب الأولى والأخيرة.
الوحدة القومية باضت التجزئة القطرية، القطرية فرّخت الحزبية، والحزبية ديّكت الطائفية، والطائفية بوأت العائلية.
الاشتراكية مهدت للفقراوية، والتنمية المستدامة أنبتت النهبوية (من نهب)، والليبرالية رخّصت للمافيوزية، وتوزيع الثروة أنتج أعتى الطبقية، وحلم البحبوحة النفطية أورث التسوّلية، واستبدلت الزراعة والصناعة والحرفية باجتياح المركنتيلية.
فالج لا تعالج، ذهب السادات منذ ثلاثين عاماً بالتمام والكمال إلى القدس المحتلة فعوقب واغتيل.. ثم كم سادات عربي صغير اليوم يحلم بأن يكون في عباءته وتحت ظل دخان غليونه؟ السادات في كل مكان اليوم، ولكنهم ليسوا بجرأته.
فالج لا تعالج، لبنان مارس حرب أهلية طاحنة، يكاد يفلت اليوم إلى متاريسه يعيد إنتاج قتله، لولا حكمة يتحصّن بها البعض، وتخوف يمنع الآخرين.
الجامعة العربية في ذمة العرب، والعرب في ذمة الغياب، والنفط في ذمة الدولار، والدولار من دمنا.
فالج لا تعالج، إن مستقبلنا خلفنا، فإلى الوراء تقدم.

2 ـ لولا..
ما تقدم أعلاه لا يقفل المشهد على السواد، ذاك عصر حبل بالفالج العربي. المجموعات آمنت أن الانتصار يكون بالكلام والمناسبات والمواسم، فأخلت المكان للخواء.
ما تقدم أعلاه تنقصه خميرة قررت ان تكون خبز المستقبل، أقدمت على النار فصارت قرباناً، وهي تبشر بعصر جديد وتاريخ عربي جديد يجعل حزب الفالج الإسرائيلي أكبر حزب في "اسرائيل"، وحزب انعدام العلاج أكبر حزب دولي.
لولا هذا الخبز المعجون بالإيمان والعرق والنبل والشهادة والوضوح والإمساك الالتحامي بقبضة الحرية، لكنا اليوم الورثة الشرعيين للموت العربي المزمن.
لولا أيار الألفين وما سبقه، وتموز الألفين وستة وما سيليه من وعود صادقة، لكنا اليوم الفالج الذي لا يعالج.
بهذا الإيمان نحن ما نحن، وبهذا العمل.. المستقبل هو نحن.
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر2007

2007-11-23