ارشيف من : 2005-2008
إيران تحتفل وتتحضر لمرحلة ما بعد تقرير البرادعي

طهران ـ "الانتقاد"
لا تزال أصداء تقرير محمد البرادعي رئيس وكالة الطاقة الدولية تتردد وتلقي بظلالها على المسألة النووية الايرانية.. الايرانيون احتفلوا بانتصارهم على التسييس الاميركي للملف وبدأوا حركة دبلوماسية نشطة تؤسس لمرحلة ما بعد التقرير. هذا التقرير الذي سعت الادارة الاميركية جاهدة لمنع صدوره بهذا الوضوح والحيادية العلمية ولم تنجح سوى في تأخيره يومين وإثارة بعض الغبار على اعتراف الوكالة الصريح بخلو الانشطة النووية الايرانية من اي اثر لعمل تسليحي، وتطابق الاجوبة الايرانية مع نتائج تقارير المفتشين الدوليين الذين ضربوا ارقاما قياسية في مستوى مراقبتهم وتدقيقهم وتفتيشهم للأنشطة الايرانية. أغلب الإبهامات حُلت مع الوكالة، وخاصة في ما يتعلق بأجهزة الطرد المركزي "ب 1" و"ب 2".
الايرانيون اتبعوا اسلوبا جديدا منذ عدة اشهر، خاصة بعد وصول الملف الى مجلس الامن وإصداره قرارين ضد ايران, فصمموا على العمل الدبلوماسي الفعال لإعادة الملف تدريجيا الى مكانه الطبيعي في الوكالة الدولية التي لمس رئيسها ومراقبوها مصداقية ايرانية عالية ونية جادة في حل جميع المشاكل العالقة وسحب الذرائع من الاميركيين وحلفائهم.
"الموديليته" هو اسم الخطة الايرانية في التعامل مع الوكالة، وتقضي بالإجابة عن مجموعة محددة من الاسئلة وطي ملفها نهائيا، ثم الانتقال الى مجموعة اسئلة اخرى وهكذا بالتدرج: الاسئلة المكررة ممنوعة والوكالة فقط لها حق طرح الاسئلة ومتابعتها علميا وتقنيا وقانونيا، وليس اي جهة اخرى. وهكذا كان: 7 أسئلة ثم 12 سؤالا.. وهكذا جاء التقرير ليؤكد فعالية هذا الاسلوب ويعيد الاعتبار للمسار الطبيعي للملف ولدور الوكالة التي يبدو انها لم تعد ترهب الضوضاء الاعلامية والحرب النفسية الاميركية وحتى التهديدات بالقتل التي أطلقها مسؤولون اسرائيليون للتخلص من "البرادعي المزعج"!
وعلى خط موازٍ أعلن عن لقاء سيجري الاسبوع المقبل بين ممثل دول (5 + 1) خافيير سولانا والدكتور جليلي أمين مجلس الامن القومي الايراني، وسط اجواء اعلامية اميركية تحاول الايحاء بأن تقرير سولانا حول المسألة النووية الايرانية سيغطي ولو نسبيا على اجواء الانتصار الايراني ـ البرادعي المشترك، الامر الذي دفع بالرئيس الايراني الى التذكير بأن الملف قد انتهى بالنسبة الينا، وأن صدور تقرير البرادعي الاخير كان عمليا انهاءً لجميع الابهامات عند الوكالة الدولية التي هي الجهة الوحيدة المخولة بحث هذا الملف.
من جهة أخرى أرسل وزير الخارجية الايراني منوتشهر متكي رسائل الى اغلب وزراء الخارجية في العالم لوضعهم في اجواء الرؤية الايرانية الجديدة للتعامل مع الملف النووي دوليا ودبلوماسيا. ويرى المراقبون ان ايران تستثمر هذا الانجاز بحدّه الاقصى وهي تشاهد التخبط الغربي الذي ظهر في فشل مجموعة (5 + 1) في عقد لقاء بعد صدور تقرير البرادعي بسبب الرفض الصيني وقبله الروسي لأي عقوبات جديدة في مجلس الامن، الامر الذي تحاول اميركا الالتفاف عليه عبر الضغط على دول ومؤسسات لإصدار قوانين مقاطعة خاصة ضد ايران. أحمدي نجاد حذر اي دولة تشارك في المؤامرة الأميركية بأنها انما تحاصر نفسها وتخسر مصالحها ومصداقيتها.
الرئيس الايراني أطل في جولة خليجية عربية ايجابية ومشاركة فعالة في قمة "أوبك" التي قدمت ايران خلالها مجموعة اقتراحات عملية لتقوية دور "اوبك" ومواجهة السياسات الاميركية المخالفة لمصالح اغلب دولها. فكرة الاستغناء عن الدولار المترنح لم تُقر، ولكن مسؤولي اكثر بلدان "اوبك" أكدوا في حواراتهم صوابية هذا الطرح وعدم ربط ارباح النفط بعملية تسقط تدريجيا. وكما عبر هوغو تشافيز: "ان امبراطورية الدولار تتهاوى".
شافيز الذي قام بزيارة "أخوية الى بلده الثاني" ايران قال في رد على سؤال حول الاتهامات الاميركية: "نعم لقد أتيت لاستلام القنبلة النووية من ايران، وهي الآن في جيبي! ان تابعت اميركا استفزازاتها فسنرميها في وجهها".. أمسك بيد أحمدي نجاد وضحكا طويلا في سخرية من الوقاحة الاميركية في التعامل مع بلديهما!
ساعات قصيرة قضاها الرئيس الفنزويلي في طهران كانت كافية لإمضاء (4) اتفاقات اقتصادية جديدة بين البلدين الشقيقين اللذين يصل تبادلهما التجاري إلى اكثر من (4) مليارات دولار، وكذلك لقيام الرئيسين بزيارة مفاجئة الى استوديو تصوير احد المسلسلات التاريخية والسياسية الايرانية "كارغاه علوي"، والتحدث مع المخرج والممثلين وفريق التصوير ايضا!
طهران التي تشهد حركة هادرة هذه الايام بعد ثبات طويل وقوي في المسيرة النووية وفي الحضور الدولي والاقليمي المؤثر: مؤتمر البرلمانات الآسيوية عقد في طهران الاسبوع الماضي وسط تضامن آسيوي عالٍ مع الحق الايراني النووي ورفع مستويات التنسيق الآسيوي. زيارة لوزير الخارجية السورية لمتابعة التطورات اللبنانية والفلسطينية والتهديدات الصهيونية. رفض عملي لزيارة مسؤول فرنسي "جان كلود كوسران" لكونه يأتي الينا عادة وهو غير مخول اي قرار, ان أراد كوشنير المجيء فلا بأس". ومتابعة لجلسات بغداد الثلاثية حول استتباب الامن العراقي بناءً على طلب رسمي اميركي كما صرح الناطق باسم الخارجية الايرانية.
مرحلة حساسة انقضت بنجاح في الملف النووي الذي تحاول اميركا وربيبتها "اسرائيل" خلق مشكلة دولية منه عبر سياسة التهويل والتهديد والمناورات المستمرة.
النفَس الايراني الطويل وفهم طبيعة الخصم والاصرار على الحق يثبت يوما بعد يوم جدواه وفعاليته، فهل يعني ذلك شيئا للمعتدلين العرب المهرولين الى أنابولس؟
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر2007