ارشيف من : 2005-2008

صادق أهل البيت(ع): إمام للهدى ومنارة للعلم

صادق أهل البيت(ع): إمام للهدى ومنارة للعلم

بعيداً عن أي مفاضلة أو مقارنة بين إمام من أئمة الهدى الاثني عشر(ع) وآخر، يمكن القول إن الظروف التي عاشها كل واحد منهم، قيَّضت له سلوك نهج خاص به، من ناحية، وأظهرت ميزة من ميزاته من ناحية أخرى، وذلك كله مع التسليم بالاشتراك بين اثنين أو أكثر في سلوك نهج واحد، أو بروز ميزة جامعة من ميزاتهم، كما في حالة الإمامين محمد الباقر (الذي اشتق لقبه هذا من بَقَرَ العلمَ بَقْراً، أي توسَّعَ فيه)، حتى إن ابن الجوزي يذكر في كتابه "تذكرة ابن الجوزي" عن عطاء، أحد أعلام التابعين قوله: "ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم في مجلس أبي جعفر الباقر(ع)"، وجعفر الصادق ـ وَلَدُه ـ (عليهما السلام) حيث اشتركا في ظهور علمهما الغزير الذي نهل منه الكثير من أساطين العلم الذين ظهر نبوغهم لاحقاً، وخاصة تلاميذ "مدرسة الإمام الصادق(ع)" التي تأسست في عهد والده الإمام الباقر(ع) ورعا نموها وازدهارها بعد والده منفرداً لأكثر من ثلاثين عاماً، وناهز عدد طلابها الأربعة آلاف طالب، نهلوا من معين هذه المدرسة العلوم المختلفة، وألفوا مئات الكتب، وقد برز منهم أعلام في علوم مختلفة، منها علم الفقه، الذي كان من أبرز من أخذه عنه الإمام مالك بن أنس (مؤسس المالكية)، الذي قال في الإمام الصادق(ع): "ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً"، والإمام أبو حنيفة (مؤسس الحنفية) الذي كان يقول جهاراً "ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد"، و"لولا السَّنَتَان لهلك النُّعمان"، في إشارة الى حضوره دروس الإمام الصادق(ع) الفقهية في هذه المدرسة واستفادته منها.

الإمام الصادق(ع) والواقع السياسي

عاصر الإمام الصادق(ع) مرحلة انحلال الحكم الأموي وانهياره، وانتقال الحكم الى العباسيين، وكان لهذه المرحلة أثر إيجابي في حياته(ع)، حيث انشغل عنه الأمويون بمواجهة تداعيات سلوكهم السلبي بحق أهل البيت(ع)، الذي استغله العباسيون، واتخذوه ذريعة للوصول الى الحكم، ما وفر له في تلك الحقبة نوعاً من الاطمئنان الذي دفعه الى المثابرة في تبليغ دعوته العلمية، والنأي عن الدخول في أي مواجهة مع الفريقين، ليقينه باستحالة تنفيذ أي مخطط يفضي الى استرجاع الحق المسلوب بتولي أمر الأمة الإسلامية وقيادتها، وقد عبر عن هذا الأمر لأصحابه في أكثر من مناسبة.

الإمام الصادق(ع) ومواجهة المنحرفين

كثرت في زمن الإمام الصادق(ع) الفرق الكلامية وجماعات الزنادقة والملحدين الذين كانوا يحاولون تشويه الحقائق الدينية أو التشكيك فيها، وكان للإمام الصادق(ع) مواقفه الحاسمة من تلك الجماعات، حيث إنه كان يرد عليها وعلى تشكيكاتها بعلمه الغزير الذي كان يفنِّد به أكاذيبهم، ويصوِّب شبهاتهم، حتى غدا مرجعاً في تلك الأمور يُرجع اليه في كل شبهة أو افتراء أو تشكيك، ومناظراته مع الزنادقة وإفحامهم بمنطقه البليغ وحجته الدامغة كانت أساساً في تقويم الأفهام الخاطئة ورد الشبهات الملتبسة، وفي هذا السياق يروى أن الجعد بن درهم قد وضع في قارورة تراباً وماءً فاستحال دوداً وهواماً، فقال الجعد: أنا خلقتُ هذا، لأنني تسببتُ فيه. ولما بلغت مقالته الإمام الصادق(ع) قال: "ليقل كم هي، وكم الذكران والإناث فيها، وكم وزن كل واحدة منها، وليأمر الذي سعى الى هذا الوجه أن يرجع لغيره إن كان هو خالقها؟!". ولا يخفى ما في قوله هذا من وجوه مفحمة لذلك المدَّعي الذي سيحار في الإجابة عن واحدة من هذه المسائل، فكيف بها مجتمعة.

صدق الإمام الصادق(ع) وصراحته

عُرف الإمام الصادق(ع) بصدقه في الحديث، وصراحته، وعدم مجاملته أحداً في كل ما هو مقتنع بصوابه من فعل أو قول. فقد روي أن المنصور العباسي عاتبه على قطيعته إذ كان قد زار المدينة ولم يزره الإمام الصادق(ع) فقال له: لِمَ لم تغْشَنا كما يغشانا الناس؟ فأجابه الإمام الصادق(ع): ليس لنا من أمر الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوه منك، ولا أنت في نعمة نهنئك بها ولا في نقمة فنعزيك. فقال له المنصور: تصحبنا لتنصحنا؟ فرد عليه الإمام بقوله: إن من يريد الدنيا لا ينصحك، ومن يريد الآخرة لا يصحبك!.
كان الإمام الصادق(ع) في حياته إماماً للهدى ومنارة للعلم، يوزع أنوار معرفته على مريدي المعرفة، ويهدي بنوره من ضل عن طريق الهداية، وهو القائل: إن الإمامة لا تصلح إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن المحارم، وحلم يملك به غضبه، وحُسن الخلافة على من وَلِيَ حتى يكون بهم كالوالد الرحيم.
عدنان حمّود
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر2007

2007-11-23