ارشيف من : 2005-2008
البنك الدولي يدعو إلى تجديد التركيز على قطاع الزراعة من أجل التنمية

القطاع في صميم أجندة التنمية حتى يمكن بلوغ الأهداف الدولية المتعلقة بتخفيض أعداد الفقراء المدقعين والجياع إلى النصف بحلول عام 2015.
ويقول هذا التقرير، المعنون " الزراعة من أجل التنمية"، إن القطاعات الزراعية والريفية قد عانت من الإهمال وقلة الاستثمارات على مدى السنوات العشرين الماضية. وفي حين يعيش 75 في المائة من فقراء العالم في مناطق ريفية، فإن نسبة المساعدات الإنمائية الرسمية الموجهة لقطاع الزراعة في بلدان العالم النامية لا تتخطى بالكاد 4 في المائة. ففي أفريقيا جنوب الصحراء، وهي منطقة تعتمد بشدة على الزراعة لتحقيق النمو الكلي، فإن الإنفاق العام على ذلك القطاع لا يزيد كذلك على 4 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي، ناهيك عن أن هذا القطاع مازال يخضع لمعدلات عالية نسبياً من الضرائب.
وتدعو مجموعة البنك الدولي إلى اعتماد أجندة جديدة "للزراعة من أجل التنمية". ووفقاً لمطبوعة "تقرير عن التنمية في العالم" فإنه بالنسبة للأشخاص الأكثر فقراً، فإن لنمو إجمالي الناتج المحلي الناشئ عن الزراعة فعاليةً في تقليص الفقر تعادل نحو أربعة أمثال فعالية النمو الناشئ عن القطاعات غير الزراعية.
ووفقاً لهذا التقرير، يمكن للزراعة أن تتيح سبلاً للخلاص من براثن الفقر إذا بُذلت جهود لزيادة الإنتاجية في قطاع الأغذية الأساسية؛ وربط أصحاب الحيازات الصغيرة بأسواق المنتجات عالية القيمة التي تشهد توسعاً سريعاً – ولاسيما منتجات البستنة، والدواجن، وتربية المائيات، ومشتقات الألبان؛ وخلق فرص العمل في الاقتصاد الريفي غير الزراعي.
وفي معرض حديثه عن هذا التقرير، قال فرانسوا بورغينون، النائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية ورئيس الخبراء الاقتصاديين، " لقد حقق النمو الزراعي معدلات نجاح عالية في تقليص الفقر في المناطق الريفية في منطقة شرق آسيا على مدى الخمس عشرة سنة الماضية. لكن التحدي الذي يواجهنا الآن يتمثل في ضرورة تعزيز القوة الفريدة التي تتسم بها الزراعة وتوسيع نطاقها في تقليص الفقر، ولاسيما في منطقتي أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا حيث مازالت أعداد الفقراء في المناطق الريفية في ازدياد وستستمر في تجاوز أعداد الفقراء في المناطق الحضرية لما لا يقل عن 30 عاماً أخرى".
من جانبه، فإن البنك الدولي يعتزم مواصلة جهوده الرامية إلى زيادة مساندته للزراعة والتنمية الريفية، وذلك في أعقاب انخفاض نسبة الإقراض خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وبلغت قيمة ارتباطات البنك الدولي ـ في السنة المالية 2007 ـ إلى هذا القطاع 3.1 بليون دولار أمريكي، وهو ما شكّل زيادة للسنة الرابعة على التوالي.
نتائج مفصلة
يحذر هذا التقرير أيضاً من أن إمدادات الأغذية العالمية تواجه ضغوطاً من جراء اتساع نطاق الطلب على الغذاء والأعلاف والوقود الأحيائي؛ وتزايد أسعار الطاقة؛ وازدياد قلة الأراضي الزراعية وشحة الموارد المائية؛ بالإضافة إلى الآثار الناجمة عن ظاهرة تغيّر المناخ. وبدورها، فإن تلك العوامل تُلقي بظلال من الشك وعدم اليقين على مستقبل أسعار المواد الغذائية.
الجدير بالذكر أن قطاع الزراعة يستهلك ما نسبته 85 في المائة من المياه المُستخدمة في العالم، وأن له دوراً في إزالة الغابات والأحراج، وتدهور حالة الأراضي، والتلوث. ويوصي هذا التقرير باتخاذ إجراءات من شأنها إقامة أنظمة إنتاج أكثر استدامة، كما يحدد الحوافز اللازمة لحماية البيئة.
ويضيف التقرير أنه في البلدان التي يقوم اقتصادها على الزراعة ـ والتي تضم 417 مليون شخص في المناطق الريفية، يعيش منهم 170 مليوناً على أقل من دولار أمريكي في اليوم للفرد ـ فإن لقطاع الزراعة أهميةً بالغة في تحقيق النمو الكلي، وتقليص الفقر، وتحقيق الأمن الغذائي. وتقع معظم تلك البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث يعمل 65 في المائة من القوة العاملة في قطاع الزراعة الذي يسهم بما نسبته 32 في المائة من النمو في إجمالي الناتج المحلي.
وبالنسبة للتنمية في أفريقيا جنوب الصحراء، فإن التقرير يُبرز بعض القضايا التي ينبغي التصدي لها بصورة عاجلة، وهي: قلة الإنفاق العام على قطاع الزراعة؛ ومساندة المانحين للمعونات الغذائية الطارئة، وعدم إيلائهم اهتماماً كافياً للاستثمار في الأنشطة التي ترفع مستوى الدخل؛ والعوائق التجارية، والدعم المالي المُقدم إلى السلع الأولية الأساسية مثل القطن والبذور الزيتية في البلدان الغنية؛ وعدم الإقرار بإمكانيات وقدرات الملايين من النساء اللائي يمكنهن لعب دور رئيسي في الزراعة.
وفي البلدان التي اقتصادها سائر على طريق التحول، كالصين والهند والمغرب، فإن الزراعة لا تسهم إلا بنسبة 7 في المائة في المتوسط من نمو إجمالي الناتج المحلي، ومن ثمّ فإن مستويات الدخل المتأخرة والمتدنية في المناطق الريفية تشكل مصدراً رئيسياً للتوترات السياسية. وثمة حاجة ملحّة لتنشيط القطاعات الريفية والزراعية حتى يمكن تضيق فجوة الدخل بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية، وتقليص الفقر في المناطق الريفية بالنسبة لما يبلغ 600 مليون شخص من الفقراء، مع تلافي الوقوع في شِراك تقديم الدعم المالي وتوفير الحماية التي ستؤدي إلى إعاقة النمو وإثقال كاهل المستهلكين الفقراء بالضرائب.
وفي البلدان القائم اقتصادها على المناطق الحضرية، وهي تضمّ بصفة رئيسية بلدان منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وبلدان منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، فإن الزراعة لا تسهم إلا بنسبة 5 في المائة في المتوسط من نمو إجمالي الناتج المحلي. ومع ذلك، فإن المناطق الريفية في تلك البلدان مازالت تضم 45 في المائة من مجموع الفقراء، وتشكّل الصناعات الزراعية والخدمات الغذائية حوالي ثلث إجمالي الناتج المحلي. ويتمثل الهدف الرئيسي في ربط أصحاب الحيازات الصغيرة بالأسواق الحديثة للمواد الغذائية، وتوفير فرص عمل مجزية في المناطق الريفية.
ويقول التقرير إن على البلدان الغنية أن تعمل على إصلاح سياساتها التي تُلحق الضرر بالفقراء. فعلى سبيل المثال، من الضروري أن تخفض الولايات المتحدة الدعم المالي المُقدم إلى زراعة القطن، وذلك بالنظر إلى أن هذا الدعم يؤدي إلى تخفيض الأسعار أمام أصحاب الحيازات الصغيرة في أفريقيا. وعلى صعيد المجال الناشئ للوقود الأحيائي، فإن المشكلة تتمثل في الرسوم الجمركية المُقيدة وارتفاع الدعم المالي في البلدان الغنية، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والحد من فرص التصدير أمام المنتجين الأكفاء في بلدان العالم النامية. ويؤكد هذا التقرير كذلك على أن ثمة حاجة ملحّة في أن تقوم البلدان الصناعية، التي كانت تمثل أكبر المساهمين في ظاهرة الاحترار العالمي، ببذل مزيدٍ من الجهد لمساعدة المزارعين الفقراء على تكييف أنظمة الإنتاج الزراعي لديهم مع تغيّر المناخ.