ارشيف من : 2005-2008

في بعض آداب الاستعاذة(*)

في بعض آداب الاستعاذة(*)

قال تعالى: "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولَّونه والذين هم به مشركون".
من الآداب المهمة للقراءة وخصوصاً القراءة في الصلاة التي هي السفر الروحاني إلى الله والمعراج الحقيقي ومرقاة وصول أهل الله، الاستعاذة من الشيطان الرجيم الذي هو شوكة طريق المعرفة ومانع السير والسلوك إلى الله، كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوله في السورة المباركة الأعراف حيث قال: "فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم"، فإنه حلف أن يسد الطريق على أولاد آدم ويمنعهم عنه، ففي الصلاة التي هي الصراط المستقيم الإنساني ومعراج الوصول إلى الله لا يتحقق الوصول من دون الاستعاذة من هذا القاطع للطريق، ولا يحصل الأمان من شرّه من دون الإعاذة إلى حصن الألوهية الحصين، ولا تتحقق هذه الاستعاذة بلقلقة اللسان والصورة بلا روح والدنيا بلا آخرة كما هو مشهود في أشخاص قالوا بهذا القول منذ أربعين أو خمسين سنة وما نجوا من شرّ هذا القاطع للطريق، ويتبعون الشيطان في الأخلاق والأعمال بل في العقائد القلبية، ولو كنا مستعيذين من شرّ هذا الخبيث بالذات المقدسة للحق تعالى وهو الفيّاض المطلق وصاحب الرحمة الواسعة والقدرة الكاملة والعلم المحيط والكرم البسيط لأعاذنا الله ولصلح ايماننا وأخلاقنا وأعمالنا. فلا بدّ أن نفهم بأن التأخرّ عن هذا السير الملكوتي والسلوك الإلهي مهما كان فهو بواسطة إغواء الشيطان والوقوع تحت السلطنة الشيطانية من قصور أنفسنا أو من تقصيرنا حيث لم نقم بآدابه المعنوية وشرائطه القلبية، كما أن عدم نيلنا في جميع الأذكار والأوراد والعبادات نتائجها الروحية والآثار الظاهرية والباطنية فهو من أجل هذه الدقيقة، ويستفاد من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة للمعصومين عليهم السلام آداب كثيرة وتعدادها يحتاج إلى الفحص الكامل واطالة الكلام، ونحن نكتفي بذكر بعضها، فمن مهمات آداب الاستعاذة الخلوص كما نقله سبحانه عن الشيطان أنه قال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين"، وهذا الاخلاص كما يظهر من الكريمة الشريفة أغلى من الاخلاص العملي وأعم من العمل الجوانحي أو العمل الجوارحي لأن المخلص بصيغة المفعول، ولو كان المنظور هو الاخلاص العملي لكان التعبير بصيغة الفاعل، فالمقصود من هذا الاخلاص هو خلوص الهوية الانسانية بجميع شؤونها الغيبية والظاهرية، والاخلاص العملي من رشحاته، وهذه الحقيقة واللطيفة الالهية وان كانت لا تحصل للعامة في ابتداء السلوك الا بالرياضات العملية الشديدة وخصوصاً الرياضات القلبية التي هي أصلها كما أشير اليه في الحديث المشهور: "من أخلص لله أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه"، فمن أخلص أربعين صباحاً (بمقدار تخمير طينة آدم، وكان أربعين صباحاً، والربط بينهما معلوم عند أهل المعرفة).
(*) من كتاب الآداب المعنوية للصلاة" للإمام الخميني (قده).
الانتقاد/ العدد 1243 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007

2007-11-30