ارشيف من : 2005-2008
السيد نصر الله في مهرجان الانتصار في بيروت: المفاجأة الكبرى إذا فكرت "إسرائيل" بعدوان على لبنان

"إن فكرتم أيها الصهاينة بأن تشنوا حرباً على لبنان فأنا لن أعدكم بمفاجآت كتلك التي حصلت، وإنما أعدكم بالمفاجأة الكبرى التي يمكن أن تغير مصير الحرب ومصير المنطقة".
وعد أطلقه الأمين العام لحزب الله أمام عشرات الآلاف من جماهير المقاومة الذين احتشدوا في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية في المهرجان الكبير الذي أقامه حزب الله لمناسبة انتصار المقاومة في 14 آب، ووعد "سيد المقاومة" الذي أطل عليهم عبر شاشة عملاقة، العدو فيما لو فكر بحرب مقبلة بـ"أنه سيدفع ثمناً باهظاً".
وأكد سماحته"ان لدينا القوة على المواجهة وعلى الصمود، بل لدينا القوة على الانتصار، وهذا سيمنعه ويردعه عن القيام بحرب جديدة، بل سيجعله في الحد الأدنى يتردد كثيراً قبل أن يقدم على حرب من هذا النوع".
"السيد" الذي جاهر صراحة بأن من يريد التطمينات هي "المقاومة المستهدفة بالقتل، والمستهدفة بالاغتيال وبالتهجير الجماعي وبالتغيير الديمغرافي". وقال: "هناك خطان قياديان في الساحة اللبنانية, خط تصالحي وفاقي وحدوي يدعو إلى مد الجسور ويدعو إلى تعميم التفاهمات وإلى تلاقي اللبنانيين والتوصل الى تسوية داخلية في كل القضايا التي نختلف عليها كلبنانيين, وخط آخر تصادمي إلغائي تخويفي يستقوي بالأميركي وبالمجتمع الدولي ويعتبر الشراكة الوطنية انتحارا ويعتبر التسوية الداخلية خيانة تستحق الإعدام".
"يوم الانتصار" الذي دعا إليه حزب الله في الذكرى السنوية الأولى لعدوان تموز حضره حشد من الشخصيات السياسية والنقابية والحزبية والعلمائية يتقدمهم ممثل رئيس الجمهورية الوزير المستقيل يعقوب الصراف، النائب علي حسن خليل ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، اللواء عصام أبو جمرة ممثلاً العماد ميشال عون، وعدد من قياديي حزب الله وحشد من النواب الحاليين والسابقين وضباط من قيادة الجيش اللبناني وقوى أمنية أخرى.
بدأ المهرجان بتلاوة من القرآن الكريم ثم النشيد اللبناني ونشيد حزب الله، وقدمت فرقة الولاية باقة من أناشيد المقاومة، وقدم المهرجان الحاج علي عباس.. ثم أطل السيد نصر الله عبر شاشة عملاقة مخاطباً الجماهير المحتشدة، فاستهل كلمته بتحية الجماهير بالقول: "السلام عليكم اذ تجتمعون في هذه الأرض الطيبة, في ارض الفداء والإباء والصمود والعزة والكرامة، ارض الضاحية الجنوبية، ارض الشهداء والمقاومين والصابرين والمنتصرين".
أضاف: "يأتي يوم الرابع عشر من آب هذا العام في الذكرى السنوية الاولى للنصر الإلهي والتمكين الإلهي والوعد الإلهي بأن يمكّن للمستضعفين وأن يجعلهم وارثي الارض وأن يدفع عنهم الطغاة الذين يذلونهم ويذبحون أطفالهم ويدمرون بيوتهم, تأتي هذه الذكرى في هذا العام ويحيط بها أعياد عظيمة وجليلة للمسلمين والمسيحيين في لبنان والعالم, تأتي ذكرى الانتصار وقبلها ذكرى الاسراء والمعراج، يوم أُسري بخاتم النبيين من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى وعُرج به من القدس الى السماء، وذكرى المبعث النبوي الشريف, يوم بعث رسول الله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا، وأمامنا ذكرى ولادة حفيد رسول الله سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، القائد أبيّ الضيم الذي علمنا كيف نوجد في الساحة ونضحي ونقاتل بأنفسنا وبأبنائنا وبأحبائنا، وذكرى ولادة علي بن الحسين زين العابدين أسير كربلاء الذي علمنا كيف نصمد في وجه السلاسل والقيود والجلادين، وسنبقى نقول كلمة الحق لا نزيح عنها قيد أنملة, وولادة أبي الفضل العباس عليه السلام المقاتل المجاهد الجريح الذي لم تقعده جراحه عن مواصلة القتال دفاعا عن القضية والقائد والحرمات والمقدسات.. وبين يدينا يحتفل المسيحيون في لبنان وفي العالم بعيد انتقال السيدة العذراء، مريم القديسة المقدسة سلام الله تعالى عليها، هذه الأعياد المباركة للمسيحيين والمسلمين وأتباع الديانات السماوية تبارك ذكرى انتصارنا في الرابع عشر من آب".
الضاحية الصابرة
أضاف: "اليوم نتوجه من خلالكم من خلال الضاحية الجنوبية الصابرة الصامدة المجاهدة الى شعب لبنان، الى شعوب عالمنا العربي والاسلامي، الى كل شعوب العالم، لأتقدم أولا بالشكر لكل القادة والعلماء والحكام والحكومات والدول والاحزاب والقوى والتيارات والجماعات والجمعيات والشخصيات والافراد وكل الذين وقفوا الى جانب لبنان ومقاومته في مواجهة عدوان تموز، العدوان الاميركي الاسرائيلي على لبنان وعلى شعب لبنان وكل الامة، وأقدم الشكر ايضا لكل أولئك الذين مدوا يد العون بعد انتهاء الحرب ليساعدوا على إعمار ما تهدم وعلى بلسمة الجراح وكفكفة الدموع والوقوف بعز في مواجهة التحديات الآتية".
عزل المقاومة وجمهورها
وقال: "عندما بدأت هذه المعركة عملت أميركا و"إسرائيل" على محاولة عزل المقاومة وجمهور المقاومة عن شعوب عالمنا العربي والاسلامي والعالم وعن بقية شعب لبنان والتيارات السياسية في لبنان, وجرى التركيز من خلال الخطاب السياسي ووسائل الاعلام الضخمة التي تملكها أميركا و"إسرائيل" في العالم على عدة عناوين من اجل تحقيق هذا العزل، وبالتالي ابقاء المقاومة وحدها وجمهور المقاومة وحده في مواجهة هذه الحرب القاسية والعنيفة. أولاً ركزوا على تهمة الارهاب وعملوا عليها منذ سنوات طويلة، قد تؤثر في بعض دول العالم الغربي، ولكنها لم تعد تؤثر في شعوب عالمنا العربي والاسلامي، ولا في شعبنا في لبنان, تهمة الارهاب هذه التي سخّروا لها كل وسائل الاعلام والتحريض والجهد الدبلوماسي بدأت تنكسر حتى في أوروبا، حتى في أماكن كثيرة، ونحن تحديناهم.. واليوم أعود وأتحداهم ان يعقدوا مؤتمراً دولياً لتحديد تعريف واحد للارهاب، لنعرف هل المقاومة في لبنان هي ارهاب؟ وهل يصح تصنيفها بالارهاب؟ وأنا أقول لكم لم يفعلوا ذلك برغم مناشدة الكثير من حكومات العالم وشعوب العالم، لان أميركا تعرف جيداً ان أي تعريف للارهاب يمكن وضعه, سوف ينطبق على أميركا كدولة ارهابية وسوف ينطبق على "إسرائيل" ككيان ارهابي, أي تعريف.. قد يوسعون التعريف ليشمل المقاومة، ولكن أي تعريف ضاق ام اتسع سوف ينطبق على دولة الارهاب أميركا والكيان الارهابي "إسرائيل", ولذلك هم يهربون دائماً من تعريف الارهاب. لدى شعوب العالمين العربي والاسلامي لم تجر هذه المسألة، بل بالعكس، عالمنا العربي والاسلامي يعرف ان أميركا هي الارهابية و"إسرائيل" هي الإرهابية، وأن حركات المقاومة هي حركات شريفة ونظيفة وإنسانية وتدافع عن حق أوطانها وأمتها في الوجود والحرية والسيادة والكرامة والاستقلال.
ثانياً: ذهبوا للقول وللترويج بقوة ان هذه الحرب هي بين "إسرائيل" وأداة لإيران ولسوريا, هي حرب اقليمية لا علاقة لها بلبنان ولا بمصير لبنان كوطن وكشعب، ولا بمصير العرب ولا بمصير المسلمين, حزب الله هو اداة إيرانية ـ سورية، وهدف الحرب هو تعطيل المحكمة الدولية او خدمة الملف النووي الايراني، واشتغلوا على هذا الامر في لبنان وفي العالم منذ اليوم الاول, حتى هذا الادعاء سقط أمام الاهداف العالية والمعلنة والكبيرة التي تحدث عنها ايهود اولمرت في بداية الحرب, والاهداف التي أعلنتها كوندوليزا رايس. وعرف العالم ان هذه الحرب على لبنان وعلى مقاومة لبنان من اجل اخضاع لبنان، من اجل تطبيق القرار 1559، من اجل إلحاق لبنان بالمشروع الاميركي ـ الصهيوني, من اجل ولادة غير ميمونة لشرق أوسط جديد خطر على كل دول وشعوب المنطقة.. وسقط هذا الاتهام فذهبوا الى الاتهام الثالث الاخطر والاخبث على الاطلاق, ذهبوا الى الموضوع الطائفي، فقالوا للعرب والمسلمين، للمسيحيين والمسلمين، قالوا للمسيحيين ان هذه المعركة هي مع مجموعة اسلامية لا علاقة لكم بها ولا تستهدفكم, وقالوا للمسلمين السنّة هذه معركة مع مجموعة شيعية وتستهدف المشروع الشيعي والهلال الشيعي وإلخ.. وحاولوا ان يركزوا على العنوان المذهبي وعلى العنوان الطائفي واستصدروا لذلك فتاوى حتى وصل الامر بالسؤال: هل يجوز ان يدعو احدنا للمقاومة في لبنان بالنصر؟ حتى الدعاء صار فيه اشكال شرعي، فضلا عن ان نتظاهر لدعم المقاومة او نقّدم لها المال او الدعم السياسي او الدعم المادي وأن نقف الى جانبها. هنا بكل صراحة تصوروا فتح الملف الطائفي والمذهبي للمقاومة في لبنان متى؟ في مواجهة أقصى وأعنف وأطول حرب اسرائيلية عربية هي الحرب السادسة على بلد عربي، وأرادوا ان يأخذوا الموضوع الى الدائرة الضيقة المحدودة جداً, ولكن بعون الله تعالى، والفضل هنا يعود للسادة العلماء المسلمين السنة الكبار في لبنان وعلى امتداد العالم العربي والاسلامي وقادة الحركات الاسلامية والمفكرين والقادة السياسيين من المسلمين والمسيحيين الذين وقفوا في وجه هذه الفتنة وأكدوا البعد الوطني والعربي والقومي والانساني والاسلامي لهذه المعركة ولهذه المواجهة، واستطعنا بفضل هذه العقول الحكيمة وهذه الحناجر الشجاعة والمخلصة ان نسقط هذه الفتنة التي أرادها الاميركيون وأرادها الصهاينة.. وشاهدنا المظاهرات والاعتصامات والمواقف على امتداد العالمين العربي والاسلامي، والأنشطة التي قام بها مسلمون ومسيحيون وشيعة وسنة ودروز ومختلف أتباع المذاهب الاسلامية في نصرة المقاومة".
وتوجه سماحته بـالشكر إلى كل العقول والاقلام والحناجر التي تصدت لمحاولة الفتنة ولمحاولة محاصرة المقاومة خدمة للعدو الصهيوني والمشروع الاميركي في المنطقة وقال:" نحن في الحقيقة لم نكن نتوقع من شعوب العالم العربي والاسلامي اكثر من هذا التعاطف والدعم المعنوي والسياسي والنفسي، فنحن واقعيون ونعرف ظروف الجميع، ولم نكن نطالبهم بأكثر من هذا، ونعتز أيتها الشعوب العربية والاسلامية وكل أحرار العالم، أيها المسلمون والمسيحيون الذين وقفتم الى جانبنا, نعتز بمساندتكم المعنوية، نعتز بمحبتكم ودعائكم".
تعطيل مفاعيل النصر
أضاف: "حتى بعد الانتصار أرادوا ان يحاصروا هذا النصر وأن يعطلوا مفاعيله في لبنان وفي العالمين العربي والاسلامي, لأن المقاومة هزمت "إسرائيل" وحطمت أسطورتها في أطول وأعنف حرب اسرائيلية, لأن المقاومة أحيت الامة من جديد وبعثت فيها روح الامل والثقة والحماسة, لأن المقاومة في لبنان قدمت البديل الجدي لتحرير الارض وللدفاع عن الاوطان بديلا عن المفاوضات المذلة التي تفرض فيها أمريكا و"إسرائيل" شروطها على الحكومات وعلى الشعوب, لأن المقاومة في لبنان حصلت على مكانة ورمزية عالية لدى شعوب عالمنا العربي والاسلامي والعالم، كان المطلوب ان تحاصر وتعزل مجدداً، وعاد التركيز على البعد الطائفي وعلى البعد المذهبي وحاولوا بعد ان اعترفوا بالنصر ان يقدموه نصراً لحزب أو نصرا لطائفة.. وأنا أؤكد لكم كما قلت في 14 آب ألفين وستة، هذا نصر للبنان لكل لبنان, هذا نصر للعرب لكل العرب, هذا نصر للمسلمين لكل المسلمين والأحرار في العالم, هم يريدون تمزيقنا والاستفراد بنا في الحرب وفي المعركة بلدا بلدا, وشعبا شعبا, وطائفة طائفة, وفصيلا فصيلا, وحزبا حزبا, هذه هي مؤامرتهم، عندما نُفكَّك, عندما نتنازع, عندما يقاتل كل واحد منا ويتخلى عنه الآخر، سوف ينتصرون وسوف نُهزم. أما نحن فقلنا في الحرب نحن نقاتل نيابةً عن الامة كلها، وحاول البعض ان يفسر كلامي خطأ، وأنا قلت يعني لو انتصرنا في حرب تموز فهو انتصار للبنان وللأمة، ولو هُزمنا في حرب تموز فهي هزيمة للبنان وللأمة.. تصوروا لو هزمت المقاومة في حرب تموز ماذا كان سيكون مصير لبنان؟ هل سينعم بالسلم والاستقرار ام سيدفع الى الحرب الاهلية؟ هل سيتحول الى السيطرة الاميركية الاسرائيلية المطلقة؟ ماذا سيكون مصير القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟ ماذا سيكون مصير سوريا والعراق وحتى الأردن التي ستتحول الى دولة بديلة؟ وحتى السعودية التي ستمزق في إطار الشرق الاوسط الجديد؟ وحتى مصر؟ وحتى وحتى.. الشرق الاوسط الجديد الذي أعلنوه في بداية الحرب، لو نجح ماذا كان مصير المنطقة اليوم؟ لكان النموذج العراقي ـ التقاتل والتناحر والتمذهب ـ هو المسيطر في بلدان المنطقة للأسف الشديد. نحن أجهضنا وإياكم هذا الشرق الاوسط الجديد، ولكنهم سيستولدونه من جديد، وهذه هي النقطة التي أريد ان أختم بها مع العالم العربي والاسلامي في ندائي لأنتقل الى الشعب اللبناني".
مشروع شرق أوسطي جديد ـ قديم
وأعاد سماحته التذكير بمشروع الأوسط الجديد الذي "هو مشروع قديم يعود الى بدايات القرن الماضي.. استمعوا الى هذا النص حتى تتأكد هذه المقولة.. كتب تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية العالمية عام 1897 في يومياته: يجب قيام كومنولث شرق اوسطي، يعني من أواخر العام 1800 هناك حديث عن شرق اوسط, ليس هناك عالم عربي وليس هناك عالم اسلامي, يكون لدولة اليهود شأن قيادي فاعل ودور اقتصادي قائد ويكون المركز لجلب الاستثمارات والبحث العلمي والخبرة الفنية. وصدر عام 1907 في لندن في تقرير كامبل بناومان وزير المستعمرات الانكليزية آنذاك, الذي قدمه في مؤتمر عقدته مجموعة من علماء التاريخ والسياسة والاقتصاد بمشاركة عدد من السياسيين الأوروبيين، وتناول الوضع في المنطقة العربية.. انظروا الى هذا النص وهذه التوصية التي عملت عليها بريطانيا والدول الغربية وورثتها أميركا وتجددها مع كل مرحلة: يكمن الخطر على الغرب في البحر المتوسط لكونه همزة الوصل بين الشرق والغرب ويعيش في شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد تتوافر له وحدة التاريخ واللغة، يعني اللغة العربية والجغرافيا وكل مقومات التجمع والترابط، وذلك فضلا عن نزعاته الثورية، يعني ليس شعبا خامدا او ذليلا, وثرواته الطبيعية الكبيرة. ويتساءل التقرير عن مصير المنطقة اذا انتشر فيها التعليم والثقافة, ولذلك تلاحظون على مدى العقود الماضية التخطيط المفروض حتى على الحكام عندنا ان لا ينتشر التعليم، وأن لا تنتشر الثقافة، وأن تبقى هناك غالبية أمية جاهلة غير قادرة على التعلم والتطور، ويجيب بأنه اذا حدث ذلك, أي اذا انتشر التعليم, فسوف تحل الضربة القاضية بالامبراطوريات القائمة. ووضع المؤتمر الاستعماري المذكور المخططات والوسائل الكفيلة لإضعاف هذه المنطقة وشعوبها وتسهيل السيطرة عليها وعلى شطآنها واحتواء ارادة شعوبها وطاقاتها وثرواتها ومنع تطورها وتقدمها ووحدتها، وحدد وسيلتين أساسيتين: الاولى وهذا مهم جداً, إقامة حاجز بشري غريب لا يصبح من تركيبة هذه الامة، وقوي يستطيع ان يحقق الهدف بفصل بلدان المشرق عن بلدان المغرب العربي, وإقامة قوة قريبة من قناة السويس عدوة لشعوب المنطقة وصديقة للغرب. إذاً الأول إقامة دولة "إسرائيل" قوية في هذا الموقع، ليس لأن فلسطين أرض ميعاد، بل لأن فلسطين هي الحاجز الطبيعي بين المغرب والمشرق التي تطل على الشطآن وعلى قناة السويس وعلى منابع النفط. وثانياً: وهنا سُخِّر الدين والمشاعر الدينية والآمال الدينية لخدمة المشروع الاستعماري, العمل على تجزئة العالم العربي الى دول وكيانات متعددة، وهذا الذي حصل حتى الآن. في كل مرحلة يأتون الى شرق اوسط جديد تسقطه ارادة الامة والحركات المقاومة والشعوب الواعية، ثم يمضي زمان ثم يعودون الى الشرق الاوسط الجديد".
التقسيم على أساس مذهبي وعرقي
وإذ أكد أننا "أسقطنا هذه الولادة"، لفت سماحته إلى "ان الأميركيين ورثة الاستعمار القديم لا يعني انهم لن يعاودوا الكرة ليمزقوا عالمنا, ليمزقوا ما هو ممزق ويقسموا ما هو مقسم، ولكن هذه المرة ليس على أسس جغرافية وإنما على أسس طائفية ومذهبية وعرقية لتكون دول متناحرة متقاتلة تحكمها "إسرائيل" القوة الجبارة، وتشكل فيها أميركا الضامن الوحيد للحريات والأقليات العرقية والدينية في المنطقة، وهذا بحاجة إلى وعينا جميعاً وبحاجة بأن لا نخطئ في تشخيص الموقف ولا في تشخيص العدو ولا في تشخيص الصديق ولا في تحديد الأولويات، حيث يحاول بعض العملاء وبعض السفهاء وبعض الحمقى حيث يخدمون المخططين الأصليين الذين يريدون ان يمزقوا هذه الأمة وهذه المنطقة وأن يمزقوا هذه الشعوب لمصلحة هذا المشروع، وهذا يتطلب ان نبقى معا في هذه المعركة في كل الساحات، نتضامن، نتعاضد، لا نقبل ان يفرق بيننا لا أساس ديني كمسلمين ومسيحيين في المنطقة، ولا على أساس مذهبي وطائفي ولا أساس عرقي. نحن شعوب هذه المنطقة, نحن أصحابها, نحن أهلها الحقيقيون، وحقنا الطبيعي والشرعي والقانوني ان نعيش فيها بحرية وسيادة وننعم بثرواتها الطبيعية بعيدا عن أي نهب أو سيطرة أو تسلط".
مفاجآت حرب تموز
ثم انتقل سماحته إلى "شعب لبنان الأبي والوفي في هذه المعركة, والذي كان من مفاجآت حرب تموز ألفين وستة.. هذا الشعب اللبناني برغم الانقسامات الحادة التي كانت قائمة وما زالت قائمة وليست جديدة, برغم الاجواء السياسية والإعلامية العاصفة التي حصلت في بداية الحرب واستمرت أثناء الحرب وبعد الحرب, ماذا فعل الصهاينة هنا؟ ركزوا حملتهم كما قلت, أرادوا ان يقولوا إن المشكلة هي مع بيئة المقاومة مباشرة, يعني مع الشيعة في لبنان، فهاجموا المدن والقرى والأسواق والأماكن كلها وقاموا بتهجير ما يزيد على مليون انسان, هؤلاء عندما يهجرون في لبنان وإلى سوريا باعتبارها البلد الوحيد المجاور لنا, في ظل الانقسامات القائمة والحساسيات القائمة سوف يصطدمون مع بقية اللبنانيين.. الإسرائيلي والأميركي كان يتوقع بأن الحساسيات الموجودة في لبنان سوف تمنع بقية اللبنانيين من احتضان النازحين, وسوف تدفع بالنازحين الى ارتكاب الأخطاء وسوف تقع الحرب الأهلية التي كانوا يراهنون عليها وما زالوا يراهنون عليها, ولكن ما الذي حصل؟ ان بقية الطوائف والتيارات اللبنانية استقبلت النازحين بمعزل عن الموقف السياسي لأحزابها وقياداتها وتياراتها, تصرف اللبنانيون جميعاً نعم هناك حالات استثنائية لا تعد ولا تذكر, تصرفوا في بيروت العاصمة في جبل لبنان في الشمال في بقية البقاع في بقية الجنوب, تصرفوا بإنسانية بأخلاقية وطنية بروح عالية، وكذلك سوريا عندما احتضن السوريون النازحين ولم يميزوا ولم يتأثروا لا بالأجواء التي كانت قائمة في لبنان ولا بالحسابات المذهبية والطائفية التي كانت تثار, والنازحون ايضا تصرفوا بمسؤولية باستثناء حالات لا تعد ولا تذكر, تصرفوا بمسؤولية وطنية كبيرة جدا، وهنا كان الاحتضان وكانت المفاجأة.. أميركا و"إسرائيل" تنتظران ان تشتعل المدن والقرى التي ذهب إليها النازحون، فإذا بها تواجه بأن اللبنانيين يقبلون على بعض بحب وبإخلاص وصدق. وهنا من كل قلبي أتوجه إلى كل اللبنانيين لكل الطوائف لكل التيارات, لكل المؤسسات والجمعيات وكذلك للإخوة في سوريا قيادة وشعبا، لكل الذين احتضنوا النازحين خلال 34 يوما، أقول لهم ان هذا الاحتضان فاجأ عدونا وعدوكم وشكل عنصر قوة كبيرا للمقاومة، لمقاتلي وجمهور المقاومة، ما أدى الى صنع النصر.. حتى بعد الانتصار هذه الملحمة الأخلاقية والانسانية التي عبر عنها اللبنانيون في الشأن الاجتماعي والداخلي حاول بعضهم بعد الحرب ان يحاصروا هذا النصر وأن يعطلوا مفاعيله وآثاره على المستوى الداخلي".
خطان لا يلتقيان
وقال: "للأسف إن بعض الزعماء في لبنان لا يملك مشروعا سياسيا ولا طرحا عقائديا أيديولوجيا، ولا فكرا حضاريا ليشكل عصا ليستوعب من خلاله مجموعة كبيرة من الناس، فيعمل على طائفته ويثير فيها مشاعر الخوف من الطوائف الاخرى، ليكرس زعامته عليها، هذا يحصل في لبنان وفي كل الطوائف اللبنانية.. هناك من لا مشروع سياسي ولا خطاب سياسي ولا أدبيات سياسية له في داخل طائفته إلا تخويف أبناء طائفته من الطوائف الأخرى. والآن تحديدا بسبب هذه الموضة (التخويف من الطائفة الشيعية في لبنان, ومن تحالف أمل ـ حزب الله تحديدا ومن سلاح المقاومة وما شاكل).. اشتغلوا على هذا وما زالوا يشتغلون, وبكل صراحة اليوم يمكننا ان نجد بوضوح ان هناك خطين قياديين في الساحة اللبنانية, هنا لا أتكلم عن الموالاة والمعارضة, هناك خطان قياديان في الساحة اللبنانية, خط تصالحي وفاقي وحدوي يدعو إلى مد الجسور يدعو إلى تعميم التفاهمات وتلاقي اللبنانيين، يدعو الى التوصل الى تسوية داخلية والى تسويات داخلية في كل القضايا التي نختلف عليها كلبنانيين, وهناك خط آخر خط تصادمي الغائي تخويفي يستقوي بالأميركي وبالمجتمع الدولي ويعتبر الشراكة الوطنية انتحارا ويعتبر التسوية الداخلية خيانة تستحق الإعدام.. هذا هو الواقع اليوم القائم في لبنان, طبعا نحن ندعو الى التفاهم وإلى مد الجسور، الى التلاقي الى التسوية الداخلية".
استهداف المقاومة
وقال: "لاحظوا ما هو الفارق ان تقيم تسوية مع العدو، البعض يقول فليبقى الأسرى في السجون, قالوا هذا, ولتبقى مزارع شبعا وتلال كفر شوبا حيث هي وقد قالوا هذا، فلنعقد تسوية مع الإسرائيلي، تسوية مع الإسرائيلي على حساب ارضنا المحتلة وأسرانا في السجون وسيادتنا ومستقبلنا ليست خيانة! اما التسوية بين اللبنانيين ليتلاقوا ويتفاهموا ويتعاونو ويبنوا بلدهم فهي الخيانة التي تستحق الإعدام! وللأسف الشديد هذا نتيجة هذا المنهج التخويفي يضعنا البعض دائما في موقع المتهم الذي يجب ان يدافع نفسه ويطالبنا دائما بتطمين اللبنانيين وتطمين لبنان, يعني كل يوم بكل خطاب أنا يجب ان أقف وأقول عن العيش المشترك والسلم الأهلي واتفاق الطائف ووحدة اللبنانيين وأنه ليس عندنا أهداف ولا نيات ولا نريد سلطة ولا نريد مثالثة وو... في الحقيقة اذا كان احد يريد تطمينات من عام ألفين وأؤكد هذا المعنى ما جرى معنا في ألفين وستة وسبقه القرار 1559 وجاءت بعده الحرب وأتت بعده التهديدات والتهويلات هي المقاومة وجمهور المقاومة هي التي يجب ان تقدم لها التطمينات، لأنها هي المستهدفة بالقتل والمستهدفة بالاغتيال وبالتهجير الجماعي وبالتغيير الديمغرافي".
الشراكة الوطنية مدخل أي تسوية
أضاف: "نحن مللنا من هذا الخطاب، ماذا نقول؟ هل نقدم المزيد من الطمأنة؟ لقد قدمنا كل ما نستطيع، نياتنا معلنة وسلوكنا واضح، لا يسعني اليوم على مقربة من ولادة الإمام الحسين (ع) إلا أن أقول كلمة الحسين (ع): "فمن قبلنا بقبول الحق".. هذا هو الحق الصراح الذي نعلنه، هذه نياتنا، هذا هو سلوكنا، "فمن قبلنا بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علينا نصبر حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا".. يعني ماذا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك؟ في كل الأحوال هذا المنحى هو خطر على لبنان، والأمريكي يعمل بقوة على منحى التخويف والتجزيء والتقطيع وإثارة الشكوك والشبهات بين الطوائف والقوى اللبنانية، ويقدم نفسه حافظاً وحامياً كما يجري في العراق، ولكن أيها اللبنانيون ألا نتعظ من العراق؟ هل استطاعت أميركا في العراق أن تشكل حامياً للمسيحيين؟ وأين المسيحيون في العراق اليوم؟ هل استطاعت أن تشكل حامياً للشيعة أو للسنة، وأين هم الشيعة والسنة اليوم؟ هل استطاعت أن تشكل حامياً للتركمان أو للأكراد؟ هذه هي العبرة.. هل نعود إلى أنفسنا أم نصغي إلى هؤلاء الذين يتدخلون في كل ليل ونهار ليعطلوا أي تسوية داخلية. نعم نحن مجدداً نؤيد تسوية داخلية ومدخلها حكومة الشراكة بعيداً عن كل التفسيرات الخاطئة والظالمة التي يطلقها البعض على صعيد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. اليوم هناك مساعٍ جديدة وفاقية توفيقية سيقوم بها دولة الرئيس الأخ الأستاذ نبيه بري للخروج من الأزمة. نحن نؤكد تعاوننا وتأييدنا وتجاوبنا مع كل المبادرات المطروحة، ولكن من يعلن أن المشاركة انتحار، من يعلن أن التسوية خيانة، هو يقول للبنانيين وللعالم بوضوح، من يقفل الأبواب ـ ليس نحن ـ من يعطل التسويات والمبادرات ويصر على عدم تشكيل حكومة وحدة وطنية وعلى إجراء انتخابات بدون نصاب قانوني ليأتي برئيس وبعده بحكومة مفروضة على اللبنانيين، إلى أين يمكن أن يدفع هذا الوضع بلبنان؟!".
وتابع: "إن اللبنانيين في السياسة مدعوون إلى موقف إنساني وأخلاقي كموقفهم الاجتماعي الحاضن في أيام الحرب، ليس لإنقاذ النازحين، وإنما لإنقاذ الوطن وشعب لبنان كله".
معاقبة جمهور المقاومة
ثم تطرق سماحته إلى "جمهور المقاومة وشعب المقاومة"، وقال "هنا كان الاستهداف الأخطر والأقسى والأعنف والأشد ألماً، هنا كان رهان الأميركيين والإسرائيليين وأيضاً دراساتهم ومعلوماتهم الخاطئة، راهنوا أنه إذا أتينا إلى لبنان وحيّدنا بقية الطوائف اللبنانية وركزنا على الشيعة في لبنان، دمرنا مدنهم، قراهم، أسواقهم، مجمع مراكزهم الدينية، مدارسهم، مؤسساتهم (طبعاً القصف طاول الجميع، ولكن الأولوية والتركيز كان هنا وبوضوح) وقتلنا نساءهم وأطفالهم، يعني التدمير كان متعمداً، قتل النساء والأطفال كان متعمداً، قصف الأسواق والمؤسسات التجارية كان متعمداً.. كان المطلوب تدمير البنية الانسانية والاجتماعية والاقتصادية للبيئة التي تحفظ المقاومة أو تنتج المقاومة، هذا الذي كان مقصوداً، ولذلك نجد مثلاً في الضاحية الجنوبية أحياء بكاملها دُمرت! هل كانت تطلع الصواريخ من الضاحية!؟ لم يكن يخرج شيء من الضاحية. كثير من هذه الأبنية لم يكن فيها مراكز لحزب الله ولكنها دُمرت. مدن وقرى بكاملها دمرت في الجنوب، أعداد كبيرة من المنازل هدمت في البقاع والشمال وغيره. لماذا كل هذا؟ من أجل أولاً معاقبة هذا الجمهور، وبالتالي القول للشعب اللبناني وكل شعوب العالم العربي، من يدعم المقاومة من ينتج مقاومة من يحتضن مقاومة هذا هو عقابه وهذا هو جزاؤه. وثانياً: تأليب هذا الجمهور على المقاومة ليخرج في مظاهرات يشتمها، يبخّس من رهانها، يشكك بخطها وقيادتها ويطالبها بالاستسلام وبالخضوع وبتسليم السلاح وبالقول لها كفى، لم نعد نتحمل، كفانا هدم بيوت، كفانا قتل نساء وأطفال، لقد قدمنا ما لا نطيق وكفى. وإذا تلاحظون أن الكثير من وسائل الإعلام المحلية وللأسف العربية والعالمية والكثير من الخطاب السياسي حاول أن يركز على هذا الجانب. صحيح أن التضحيات والخسائر كانت كبيرة، لكن عملوا على تضخيمها، ضربها باثنين وثلاثة لمزيد من المس بإرادة ووعي وإيمان وعزيمة والتفاف هذا الجمهور. هذا الذي حصل، ولكن هنا كانت كبرى المفاجآت، كيف تعاطى جمهور المقاومة مع هذا الجزء الأعنف والأقسى والأشد ألماً في هذه الحرب؟ كيف تعاطى أهل الضاحية والجنوب والبقاع وبقية المناطق؟ أنا وأنتم لا ننسى صور النساء اللاتي بقين في القرى الأمامية يحملن السكاكين ويجهزن الزيت المغلي لقتال جنود الاحتلال. هذا هو شعبنا، هذا هو جمهورنا، كيف تصرف النازحون، كيف عبروا عن ثقتهم وأملهم ومحبتهم، وعجز العالم كله عن أن يأخذ مشهداً خاطئاً من النازحين بالرغم من ظروف العيش القاسية! كيف تصرف عوائل الشهداء والجرحى ومن دمرت بيوتهم وأرزاقهم، وكانوا يقولون "فدا المقاومة" نعم، نحن الشرقيون نحاول أن نركز على الرمز والبعض عاب علينا ذلك عندما كانوا يقولون "فدا السيد حسن"، هذا تعبير عاطفي ووجداني ليس له أساس في ثقافتنا. أنتم لستم فداءً لشخص بل أنتم تعرفون وعوائل الشهداء والجرحى والأسرى ومن دُمرت بيوتهم، أن السيد حسن وروحه ونفسه وأولاده فداء لكم. ثم كان الموقف المدهش الذي لا سابقة له في تاريخ الحروب.. أنا خلال أسبوعين بحثت كثيراً ولم أجد في سابقة أنه في شعب أو فئة شعبية دُمرت بيوتها وهُجرت وقتلت وارتكبت فيها المجازر ونشرت القنابل العنقودية في حقولها ومزارعها تسمع أنه لا يوجد وقف إطلاق نار، وإنما وقف أعمال عدائية الساعة الثامنة، الساعة الثامنة يبرم الدولاب، ويعود مئات الآلاف من النازحين إلى الضاحية والجنوب والبقاع وكل القرى والبلدات في لبنان، هنا كان النصر الحقيقي وخاتمة النصر الحقيقي، عندما استعد النازحون للعودة.. قيل لهم: إلى أين تعودون؟ إلى بيوتكم؟ لا بيوت لكم تسكنوها. فقالوا: نعود إلى قرانا وننصب الخيام ونسكن في الخيام ولا نبقى نازحين. قيل لهم: القنابل العنقودية أكثر من مليون قنبلة عنقودية نُشرت في حقولكم وبيوتكم ومزارعكم والطرقات ستقتل أطفالكم، سوف تنفجر بكم.. قالوا نعود إلى قرانا وبلداتنا ونموت تحت شجرة الزيتون وقرب شجرة التبغ ولا نبقى نازحين. قيل لهم إلى أين تعودون والحرب لم تنته ولم يعلن وقف لإطلاق النار بعد، قلتم كلمة الواثق: نحن هزمناهم ولن يجرؤوا على فعل شيء. وعدتم كما كان وعدكم، وكما كانت ثقتكم وكما كان أملكم. عدتم إلى الديار مرفوعي الرؤوس دون منة من أحد بفضل من الله سبحانه وتعالى ودماء شهدائكم، وشاهد العالم كله مئات الآلاف يعودون في يوم واحد، البسمة على وجوههم يخفون دمعتهم وألمهم، ويعلنون أملهم ويفتخرون ويعتزون بنصرهم. بعد هذا المشهد الأسطوري الملاحمي الذي لا نظير له في التاريخ ألا يستحق هؤلاء الناس أن يقال لهم يا أشرف الناس وأطهر الناس وأكرم الناس".
وقال: "إن هذا الموقف من جمهور المقاومة ومن شعب المقاومة ليس طارئاً، إنما هو موقف عميق ومتجذر يعود الفضل فيه لعلمائنا الكبار في ثقافتهم وفكرهم ووحدة الموقف، ويعود فيه الفضل أيضاً لهذا التحالف أيضاً التاريخي والاستراتيجي بين حركة أمل وحزب الله في لبنان، وهذا الوعي وهذا الرشد هو حصيلة التجربة والمعاناة. اليوم جمهور المقاومة بما يمتلك وبما يحتضن من ثقافة وحكمة ووعي، واستنادا إلى احتضان اللبنانيين وتفاهمه معهم والمحبة المتبادلة والجسور التي تشاد، يشكل هذه الركيزة للنصر وهذه الركيزة للصمود".
الوعد بالنصر مجدداً
وذكّر سماحته بما قاله أحد كبار الخبراء الصهاينة عما هو مطروح اليوم أمام "إسرائيل" بالقول: "لم يعد السؤال اليوم أن "إسرائيل" خسرت قدرتها على الردع أو أن "إسرائيل" عجزت عن تحطيم معنويات الخصم، هذا انتهى، بل يقول هذا الخبير إذا كان هذا الخصم يتمتع بمعنويات هي الأعلى منذ قيام "إسرائيل" حتى الآن فالسؤال: هل يمكن لـ"إسرائيل" بالفعل أن تشن أي حرب من جديد؟! إذاً هو ينظر إلى معنوياتكم التي لم يمس بها.. نعم هذه هي القاعدة الشعبية المؤمنة القوية المضحية الواعية الرشيدة التي تستند إليها المقاومة، كانت وما زالت تستند إليها في جميع تحدياتها، ولذلك كما كنت أقول في الأيام الأولى من حرب تموز، بالتوكل على الله وبمعرفتي بكم وبهذا الشعب وبهؤلاء المقاومين وبهذا العدو، كما كنت أعدكم بالنصر دائماً أعدكم بالنصر مجدداً". رأس الإسرائيلي مأكول
وانتقل سماحته إلى الحديث عن إمكانية أن يحصل عدوان إسرائيلي في المستقبل فقال: "منذ انتهاء الحرب هناك من يتحدث هل هذه هي آخر الحروب الإسرائيلية على لبنان؟ هل سننعم بالسلام والأمن ولن نواجه حرباً جديدة؟ البعض كان يقول ذلك، ويقدم قراءته الاستراتيجية والسياسية والأمنية والعسكرية والنفسية إلى آخره.. والبعض كان يقول: لا، "إسرائيل" لن تسكت على هزيمتها، سوف تعمل على استعادة هيبتها وقدرة الردع ومكانتها في المنطقة، لأنها ما لم تفعل ذلك فهي تضع نفسها على طريق الزوال. ويقدم أيضاً قراءة استراتيجية وسياسية وأمنية وعسكرية على هذا الصعيد.. أنا لا أريد أن أدخل في هذا النقاش لأقول نعم أو لا، ولكن أريد أن أتحدث عن مسؤولية وأذكر بأمرين: الأمر الأول أن في جوارنا عدواً طبيعته العدوان ولديه أطماع تاريخية في أرضنا ومياهنا وخيراتنا، ومشروعه قائم على منطق القوة والاستئساد وسبع الآخرين، يعني أكل رؤوس الناس، الآن رأسه هو مأكول. هذا هو عدو هذه هي طبيعته. الأمر الثاني: نحن لا نستطيع أن نركن إلى التحليل ونقول لن تكون هناك حرب وبالتالي ننام على حرير.. لا أقول ستكون هناك حرب، إن شاء الله لا تكون هناك حرب، نحن كما قلت في الخطابات السابقة لا نريد الحرب ولم نرد حتى حرب تموز، هم أرادوا هذه الحرب ووضعوا لها أهدافاً على مستوى الشرق الأوسط كله، وهم الذين دفعوا الأمور إلى هذا الاتجاه.. في كل الأحوال واجبنا الاحتياط، إن لم تكن هناك حرب فالحمد لله، كفى الله المؤمنين القتال. وإن لا سمح الله كان لبنان أمام تحد جديد كنا قادرين على مواجهة هذا التحدي، بل أقول لكم إن التهيؤ للحرب والاستعداد للحرب، هو أهم وسيلة من وسائل منع الحرب، منع وقوعها وحصولها، هذا ما يسمى بتوازن الرعب والردع. من عام 2000 إلى عام 2006 الذي حمى لبنان وجنوب لبنان هو هذا التوازن، لأن باراك وشارون كانوا ملتزمين في هذا التوازن. أولمرت لأنه غبي من جهة ولأنه من جهة ثانية يقوم بتنفيذ قرار أميركي وليس هو الذي يأخذ القرار، ذهب إلى الحرب، لأن الموضوع يتجاوز مسألة لبنان وجنوب لبنان إلى بناء شرق أوسط جديد وترتيب جديد للمنطقة. إذاً عندما يفهم عدونا ونفهمه أن لدينا القوة على المواجهة وعلى الصمود، بل لدينا القوة على الانتصار، هذا سيمنعه ويردعه من القيام بحرب جديدة، بل سيجعله في الحد الأدنى يتردد كثيراً كثيراً قبل أن يقدم على حرب من هذا النوع، ولذلك عندما تحدثت في مقابلة صحافية في بداية هذه الأيام عن ان المقاومة تمتلك صواريخ تطال كل نقطة في فلسطين المحتلة، أنا لم أكن أستدرج حرباً وإنما كنت أعمل لأمنع وقوع حرب، لأنني أقول للإسرائيلي لحكومته لجيشه ولشعبه: عليك أن تفهم أن أي حرب مقبلة على لبنان ستكون أثمانها باهظة جداً، نحن أيضاً تعلمنا من تجربة حرب تموز وعملنا التقييم المطلوب واكتشفنا نقاط القوة ونقاط الضعف عندنا ونقاط القوة ونقاط الضعف عند العدو وعملنا عليها، وبالتالي في الحرب المقبلة عليه أن يعرف أنه سيدفع ثمناً باهظاً.. أنا أقول له ذلك حتى لا يفكر بالحرب.. البعض يقول أنت تمارس حرباً نفسية، صحيح، وهذا جزء من المعركة، ولكن أنا أمارس حربا نفسية صادقة، أنا أتحدث عن وقائع وليس عن أكاذيب، أنا أتحدث عن حقائق، ولذلك عندما كانت الحرب وبدأت وقلت لهم إذا أردتموها حرباً مفتوحة فنحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة وأعدكم بالمفاجآت.. صحيح هذه كانت حرب نفسية، ولكن حرب نفسية صادقة لم تكن تستند إلى أكاذيب.. كانت المفاجأة بالبحر عندما ضربنا سفينتهم مفخرة الصناعة الإسرائيلية "ساعر 5"، وكانت المفاجأة عندما دمرنا ميركافا الجيل أربعة في الوديان والتلال ومداخل القرى، وكانت المفاجأة عندما أسقط مجاهدونا طائرات الهليكوبتر في الليل والنهار أيضاً، وكانت المفاجأة عندما عجزوا عن تدمير صواريخنا وتمكنوا من قصف جبهتهم الداخلية لأول مرة في تاريخ إسرائيل 33 يوما دون توقف، وفاجأناهم في منظومة القيادة والسيطرة، وفاجأناهم بشعبنا بجمهور المقاومة أشرف الناس وبشعب لبنان وبشعوب أمتنا العربية والإسلامية.. وكان الانتصار".
أعدكم بالمفاجأة الكبرى
وتوجه سماحته الى الصهاينة بالقول: "أريد أن أختم هذا الاحتفال وهذه الاحتفالات أيضاً بوعد واضح، افهموه حرباً نفسية، ولكن الحرب النفسية الصادقة إذا فكرتم بأن تعتدوا على لبنان، وأنا لا أنصحكم بذلك، إن فكرتم أيها الصهاينة أن تشنوا حرباً على لبنان فأنا لن أعدكم بمفاجآت كتلك التي حصلت، وإنما أعدكم بالمفاجأة الكبرى التي يمكن أن تغير مصير الحرب ومصير المنطقة إن شاء الله".
وقال: "أنا بهذا الالتزام أرتب مسؤولية كبيرة عليّ وعلى المقاومة، وهذا الالتزام هو التزام فعلي، الآن أنا لا أتحدث عن شيء يرتبط بالمستقبل، وعليهم هم أن يحللوا.. لن أقول لكم ولن أقول لهم، لأني لو قلت ما هو هذا الشيء فلن تبقى مفاجأة. أنا أحمل مع المقاومة هذا الالتزام من أجل حماية لبنان وشعب لبنان، وإذا حصلت الحرب لا سمح الله، التي أعود وأقول لا نريدها، لا نريدها، يجب أن نكون جاهزين لها، في المقاومة في الجيش في الشعب في الدولة.. أمس سمعنا جميعاً قائد الجيش اللبناني يقول إن كل ما قُدم حتى الآن للجيش اللبناني هو وعود وكلام وبعض الذخائر التي دفع ثمنها، أنا أقول دفع ثمنها من أموال لبنانيين، لأنه ممنوع تسليح الجيش اللبناني قبل أن يشطب من عقيدته الوطنية أن "إسرائيل" عدو. أميركا لم تعط ولم تسمح لأحد بأن يعطي الجيش اللبناني ما يمكنه من الدفاع عن لبنان، ولكن المقاومة إلى جانب الجيش اللبناني الوطني، مجاهدوها إلى جانب مقاتليه، شهداؤها إلى جانب شهدائه، عنفوانها إلى جانب عنفوانه ومعهما شعب لبنان سيواجهون هذا التحدي، وإن شاء الله كما انتصرنا في أيار 2000 وفي آب 2006، أحذرهم وأنصحهم هنا في لبنان مقاومة وجيش وشعب وجزء من أمة تأبى الضيم وترفض الذل، لا تخاف إلا من الله ولا تركع إلا لله.. تقاتل مستعدة للتضحية وستنتصر الانتصار التاريخي الحاسم إن شاء الله".
وختم سماحته بالقول: "مجدداً بالتوكل على الله بمعرفتي بكم وبهذا الشعب وبمجاهدي هذه المقاومة وبهذا العدو الجبان والذليل الذي هو أوهن من بيت العنكبوت، كما وعدتكم بالنصر دائماً، أعدكم بالنصر مجدداً".
حوالى 400 مليون دولار دفعها حزب الله في ملفي الإعمار والإيواء
قدم الأمين العام لحزب الله في كلمته خلال مهرجان الانتصار، كشفاً تقريرياً حول الإعمار والتعويضات على المتضررين من العدوان الإسرائيلي، ذكر فيه المساهمات التي قدمها حزب الله لحظة وقف العدوان الإسرائيلي وقال: "في الرابع عشر من آب وعدتكم بالعودة العزيزة.. طبعاً هناك دول وحكومات وجهات بذلت جهوداً كبيرة أنا أشكرها على ذلك. الحكومة اللبنانية قبل أن تفقد الميثاقية وبعد أن فقدت الميثاقية فعلت شيئاً، لكننا كلنا نعبر عن الانزعاج من هذا التباطؤ، أنا لا أريد أن أتعرض لهذا الجانب، وإنما أريد أن أقدم تقريري.
نحن منذ 14 آب حاولنا أن نكون بخدمة النازحين وأصحاب البيوت المدمرة والمتضررة وأصحاب المؤسسات عموماً، وما قدمناه لا ينطبق عليه تعويض، وإنما مساهمات ومساعدات لبلسمة الجراح. التعويض يجب أن تدفعه الدولة، والدولة حصلت على ما يقارب مليار دولار من أجل مساعدة الذين تضرروا من آثار الحرب، وهذا المليار دولار بالحد الأدنى هو حق الناس ويجب أن يؤدى إليهم حقهم. ما قمنا به نحن هو مال يدفعه أخ لأخيه بعيداً عن المسؤوليات القانونية أو الرسمية، ولذلك لا يعفي الدولة من تقديم التعويضات في هذه المجالات نفسها.
أولاً: بدأنا بموضوع ما سُمي "ملف الإيواء"، يعني تأمين إيجار سنوي وتأمين أثاث منزل حتى لا يبقى أحد في الشارع، والحمد لله أنه بإنجاز هذا الملف لم يبق أحد في الشارع. كانوا يريدون لأكثر من 25 ألف عائلة بالحد الأدنى أن تبقى في الشوارع، ولكن بجهد وتعاون مع أصدقائنا وحلفائنا في القوى السياسية والوطنية في مختلف المناطق والجمعيات، استطعنا أن ننجز هذا الملف بفترة سريعة ووجيزة، حيث تم تأمين 28 ألف و300 حالة، بما قيمته 133 مليون و500 ألف دولار.
العنوان الثاني: ترميم البيوت المتضررة لا البيوت المهدمة.. البيوت المتضررة التي كان من المفترض أن ترمم، باستثناء البلدات الأربع التي تبنتها دولة قطر مشكورة.
القرى والبلدات والمناطق: تم الدفع لـ113 و820 وحدة سكنية، بما قيمته حتى الآن 190 مليون و700 ألف دولار.
ملف الترميم لم يكتمل حتى الآن، يعني هناك أبنية حُسم أنها لن تهدم، وبالتالي تدخل في الترميم. هناك بعض الحالات، هناك الأقسام المشتركة في الضاحية ما زال العمل جاريا عليها.
مساعدة المؤسسات الاقتصادية والتجارية، هذا النوع من المساعدات هو مساهمة وليس تعويضاً، وثانياً ملحوظ به النسبة المئوية، أي نحن أعطينا الأولوية للبيوت للعودة إلى السكن، وما قدمناه هو مساهمة ومساعدة للأضرار المباشرة وليس غير المباشرة.. وأيضاً هذا الملف لن يغلق، نحن ما زلنا نسعى لتأمين مبالغ لتحسين بعض هذه المساهمات.
في المؤسسات الاقتصادية والتجارية 12 ألفا و500 حالة، بما قيمته 30 مليون دولار.
مساعدة الأضرار الزراعية المباشرة 1300، بما قيمته مليونا دولار.
مساعدة الأضرار الحيوانية المباشرة ألفا حالة، بما قيمته 3 ملايين دولار.
مساعدة للآليات العمومية التي هي مصدر رزق، سيارة عمومية، جرافة: 2300 حالة، بما قيمته أربعة ملايين دولار.
دعم القرى المنكوبة التي كانت أوضاعها جداً قاسية: 3 ملايين دولار.
في مشروع "وعد" في الضاحية الجنوبية، من أجل الانطلاق وعدم انتظار أحد على أمل أن يواكبونا بعدها، دُفع 14 مليون دولار حتى الآن.
دعم صيادي الأسماك: 3500 حالة بـ700 ألف دولار.
مجموع ما أنفق حتى الآن: 380.900.000 دولار.
وعلق سماحته قائلاً: "الآن البعض قد يأخذ على خاطره عندما أقول: حلال وشرعي وبدون شروط سياسية".
الإيواء
وفي موضوع البيوت المدمرة التي لم تبدأ بعد الدولة في الخوض فيها قال: باعتبار أن موضوع البيوت المهدمة لم يعالج وحصل تأخير، وباعتبار أن الدولة لديها مال وأخذت مالاً وهذا المال لإعادة إعمار البيوت المهدمة، نحن التزمنا بدفع الفارق. وحتى في الضاحية الجنوبية أنا كنت واضحاً عندما قلت نحن والناس بالمال الذي سوف يأخذونه تعويضات من الدولة سنعمّر الضاحية الجنوبية، لم أقل نحن وحدنا من مالنا سنعمّر الضاحية الجنوبية، وبالتالي التباطؤ في دفع تعويضات البيوت المهدمة أدى إلى تأخير إعمار البيوت المهدمة في كل المناطق، باعتبار أن هذه العائلات ليس لها بيوت ترجع إليها.. أنا أعلن أمامكم أننا إن شاء الله سوف نجدد مساهمتنا لكل العائلات التي استأجرت بيوتاً، وسنقدم مساهمة إيجار البيت من الشهر إلى السنة على أمل أن ينجز إعمار كل البيوت المهدمة خلال هذه السنة، ولا نحتاج إلى تكرار ذلك لاحقاً. لكن أريد أن أؤكد أن هذه المساهمة هي للمستأجر الفعلي حتى لا تحصل إشكالات أو التباسات، حتى إذا كان هناك بعض المال ما زال موجوداً نصرفه على إعمار البيوت المهدمة. المستأجر الفعلي الذي يدفع إيجاراً وإذا كان ما زال أمامه شهر أو اثنان أو ثلاثة أو سنة نحن ملتزمون بأن نقدم إن شاء الله مساهمة إيجار المنزل من شهر إلى سنة، حتى لا يذهب أحد إلى الشارع ولا يتحمل أحد التبعات المالية لعدم بناء البيوت المهدمة حتى الآن.
القنابل العنقودية
وعرض سماحته لما قامت به المقاومة على مستوى نزع وتفجير القنابل العنقودية، فأكد أن "المقاومين والمجاهدين في المقاومة عملوا منذ الأيام الأولى على فك وتفجير القنابل العنقودية، وخصوصاً في القرى المأهولة، وتمكنوا خلال أشهر قليلة من تفجير وتفكيك 40 ألف قنبلة عنقودية، وقدموا في هذا السبيل خمسة شهداء أعزاء من مجاهدي المقاومة الإسلامية".
الانتقاد/ العدد الخاص بالانتصار ـ 17 آب/أغسطس 2007