ارشيف من : 2005-2008
12 آب كان يوم انتصار مبين

قال الرئيس سليم الحص(*)
نحن من الذين يرون أن 14 آب كان يوم انتصار مبين، بمعنى أن لبنان، هذا البلد الصغير الضعيف استطاع أن يصمد في وجه أعتى قوة في الشرق الأوسط بلا منازع هي "اسرائيل"، ومن ورائها أعظم قوة في العالم هي الولايات المتحدة الأميركية، ونحن دوماً نقول إننا لم نعد نعرف خلال تلك الحرب ما إذا كانت حرباً اسرائيلية مدعومة اميركياً، أم كانت حرباً أميركياً تنفذها "اسرائيل"، لأن أميركا خلال تلك الحرب أظهرت دعماً من دون أي تحفظ لـ"اسرائيل"، وكان لذلك ثلاثة تجليات: أولاً: لم يصدر عن مسؤول أميركي واحد أي شجب، أو أي استنكار، أو أي رفض لما كان يتعرض له لبنان خلال تلك الفترة، ثم كانت هناك ثلاث محاولات لاصدار قرار بوقف اطلاق النار عن مجلس الأمن تقدّم بها مندوب قطر في الأمم المتحدة، وفي المرات الثلاث حال دون صدور القرار "جون بولتون" المندوب الدائم للولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، مشفعاً موقفه بقول لم يحن الوقت بعد لوقف اطلاق النار، وكنّا ونحن نتعرض للقصف نفسّر هذا القول على أنه ضوء أخضر أميركي لـ"اسرائيل" لمواصلة العدوان على لبنان.
الأمر الثالث هو: صدر بيان وتكرّر خلال تلك الفترة، قبل نهاية الحرب عن الإدارة الأميركية يفيد بأن الادارة قررت تزويد "اسرائيل" بالأسلحة الذكية وهي تضر بنا.
كل هذه الدلائل تشير إلى أن أميركا كانت إلى جانب "اسرائيل" مئة في المئة، فمجرد صمود لبنان ثلاثة وثلاثين يوماً، وهي أطول حرب عربية ـ اسرائيلية (في الصراع العربي الإسرائيلي) أعقبها ثلاثة أسابيع من الحصار الخائف، مجرد الصمود هو انتصار، وماذا يعني الصمود، وبكلام بسيط أقول: انتهت الحرب بعد ثلاثة وثلاثين يوماً، حيث بدأت على تخوم القرى الحدودية، فلم تتقدم "اسرائيل" قيد أنملة، حاولت القوات الإسرائيلية مستميتة خلال اليومين الأخيرين من الحرب أن تحتل بقعة، أو نقطة عند الليطاني لكي تقول إنها سجلت تقدماً فما استطاعت. الصمود كان خارقاً، وبالتالي مجرد الصمود في وجه أعتى قوة في العالم هو انتصار مبين، أضف إلى ذلك أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة (12 تموز) كرّست تحولاً في منطق الصراع العربي الإسرائيلي. الصراع العربي الإسرائيلي كان مسلسلاً من الحروب بين الجيوش النظامية، أي حروبا تقليدية، وفي الحروب التقليدية كانت "اسرائيل" دوماً المنتصر (كل الحروب التي خاضها العرب مع "اسرائيل" انتصرت فيها "اسرائيل" في المحصلة، حتى في لحظات اختراق عربي، أو "دفرسوار"، أو ما شاكل كانت تنتهي الحرب بانتصار "اسرائيل"، لأن ليس هناك تكافؤ في القوة بين "اسرائيل" والعرب، لا بشرياً ولا عتاداً بفضل اميركا التي تزود "اسرائيل" بالسلاح، وتزود العرب بسلاح أقل وأسوأ، لذا كان هناك ثلاث ظاهرات أدت إلى تحول جذري في منطق الصراع العربي الإسرائيلي: الظاهرة الأولى: هي صمود الشعب الفلسطيني (مقاومة الشعب الفلسطيني) بمعنى أنه منذ الـ48 والشعب الفلسطيني يقاوم أعتى قوة في الشرق الأوسط ومعها أعظم قوة في العالم، وما زال حتى اليوم الشعب الفلسطيني يقاوم تحت عناوين واضحة ولافتات معلنة اسمها "فتح" و"حماس" و"الجبهة الشعبية" و"الجهاد الإسلامي"، وما إلى ذلك داخل الأرض المحتلة، وحتى على تخوم العاصمة الإسرائيلية، وهذه كانت أول حجة بأن "المقاومة هي السبيل لمواجهة "اسرائيل" وليس الحرب النظامية، والثانية: كانت بليغة جداً، وهي انتصار لبنان في العام 2000، ففي 25 أيار من العام 2000 انسحب آخر جندي اسرائيلي من لبنان بعد 22 سنة من الاحتلال دون قيد أو شرط، ويومها كنت رئيساً للوزراء لم يكن علينا أن نفاوض، أو نوقع على صك يسمى صلحا منفردا أو ما شاكل، ما كان علينا أن نفرط بحق من الحقوق العربية في فلسطين أبداً، انسحبوا مجرد انسحاب، فكان الانتصار مبيناً، وجاءت حرب 12 تموز لتكرس هذا المنطق، أي أن المقاومة هي السبيل في مواجهة "اسرائيل" وليست في حرب نظامية، في الحرب النظامية مكتوب على العرب أن يخسروا، وفي المقاومة مكتوب على العرب أن ينتصروا.
ومع الأسف الشديد نحن في انقساماتنا في لبنان أصبح كل شيء وجهة نظر، بمعنى الخبر وجهة نظر، والرقم وجهة نظر، لا أحد في لبنان يستطيع أن يقول لي كم هو الدين العام؟ لأن الرقم هو وجهة نظر، وكذلك الدستور الذي يتحدث عن النصاب القانوني لانتخاب رئيس الجمهورية، إذ نجد هناك صراعا حوله، وكشفنا مؤخراً أن الحرب وجهة نظر، خضنا حرباً مريرة فإذا بنتائج الحرب وجهة نظر، فريق يقول إننا انتصرنا، وفريق آخر يقول هزمنا، الذي يقول إننا انتصرنا يرى في الانتصار صموداً، أما من يرى في الحرب هزيمة فلا يرى من الحرب إلا الخسائر المادية والبشرية والتهجير وما إلى ذلك، أسأل هل من حرب دون ثمن، هذه فرنسا مثلاً خاضت حربين عالميتين خلال القرن العشرين ودمرت تدميراً كبيراً، اضافة إلى الخسائر المادية وخلافه، ولكن عندما انتهت الحرب صار الفرنسيون يحتفلون بالانتصار، لم يعد أحد يتكلم بالخسائر والتهجير، فقط رأوا الانتصار، لكن نحن عندنا فريق لا يرى إلا الخسائر، هل من حرب دون خسائر؟!
(*) رئيس الحكومة الأسبق
الانتقاد/ العدد الخاص بالانتصار ـ 17 آب/أغسطس 2007