ارشيف من : 2005-2008

أوروبا ـ أفريقيا: فشلت القمة.. والقذافي سمع ما سمع!

أوروبا ـ أفريقيا: فشلت القمة.. والقذافي سمع ما سمع!

قبل أيام ارتفعت حدة التوتر بين المغرب وإسبانيا حول سبتة ومليلة بمناسبة زيارة الملك الإسباني للمدينتين المحتلتين. وبعدها بقليل كادت ذكريات حرب التحرير الجزائرية تلغي زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر. وتزامنا مع ذلك كُشف عن فضيحة سفينة زوح، في وقت يعارض فيه السودان مشاركة الاتحاد الأوروبي في قوة السلام الخاصة بدارفور. وكل ذلك هو غيض من فيض الأحداث والصراعات التي تعود إلى الحقبة التي كانت فيها أفريقيا بالنسبة الى أوروبا ذلك البلد الذي يذهب إليه الأوروبي فقيراً فيمارس نشاطات أولها القتل والاستعباد ولا يلبث أن يعود إلى بلاده غنياً ومساهماً في بناء ازدهارها، أو يبقى في أفريقيا ليواصل فيها عمله الاستيطاني البناء أيضاً لازدهار أوروبا.
 أفريقيا التي خرجت في ستينيات القرن الماضي من دائرة الخضوع للاستعمار الأوروبي المباشر الذي دام قروناً طويلة، تبين أنها غير قادرة على مساعدة نفسها، على ما تقوله بعض التوصيفات الغربية التي يتبناها معارضو سياسة المساعدات الحكومية الأوروبية لأفريقيا، برغم أن هذه السياسات تعود بالقدر الأكبر من النفع على أوروبا وحدها. والمطلوب هو استبدال المساعدات بالشراكة بين الاتحاد الأوروبي، أي الكتلة الاقتصادية الأقوى في العالم، وأفريقيا الغنية بمواردها البشرية والطبيعية، والتي تحولت بعد قرون من الاستعمار وعقود من الفساد الاستقلالي المدار من قبل أنظمة متواطئة مع المستعمر السابق، إلى أفقر كتلة في العالم، وإلى كتلة بشرية تتشارك في تقويض أركانها آفات الإيدز والخراب الاقتصادي وسوء الإدارة وأنماط التبادل مع أوروبا.
 ما هو الشكل الذي يمكن أن تأخذه تلك الشراكة بين هذين الطرفين اللذين تفصل بينهما هوّة شاسعة من الفوارق؟ منذ سنوات منحت بعض الدول الأوروبية معاملة تفاضلية لبعض البلدان الأفريقية الأكثر فقراً، والتي بات بإمكانها تصدير بعض منتجاتها إلى أوروبا، ولكن بأشكال يهيمن عليها طابع التثمير السياسي المباشر، دون أن يؤدي ذلك بالطبع إلى إدخال تحسين يذكر في أوضاع تلك البلاد. التغلغل العسكري والاقتصادي الأميركي من جهة على حساب الفرنسيين بالدرجة الأولى، وخصوصاً الصيني، منذ القمة الأفريقية ـ الصينية التي أسفرت عن مساعدات صينية بمليارات الدولارات وغير خاضعة لشروط سياسية وأعباء اقتصادية من النوع الذي يتطلبه الأوروبيون، كل ذلك دفع الاتحاد الأوروبي باتجاه تدارك وضعه في أفريقيا. وعليه بدأت منذ سبع سنوات أعمال التحضير للقمة الأوروبية ـ الأفريقية التي تمكنت أخيراً من الانعقاد في لشبونة يومي السبت والأحد الماضيين 8 و9/12/2007، بحضور ما يزيد على ثمانين رئيس دولة من الجانبين.
لكن الفائدة من الاجتماع لم تكن متناسبة بالمرة مع حجم احتشاد الرؤساء والوقت المهدور في التحضيرات. فرئيس الوزراء البريطاني غوردن براون لم يشارك احتجاجاً على مشاركة الرئيس الزيمبابوي ألبرت موغابي في أعمال القمة. والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي غادر لشبونة مؤكداً أنه ما كان ليلتقي بموغابي. أما رؤساء وفود بريطانيا وألمانيا والسويد والدانمرك وهولندا فقد اتفقت كلمتهم على التنديد بموغابي. أما السبب فهو قصة حقوق الإنسان، أي قيام حكومة موغابي بمصادرة أملاك المستوطنين البيض التي راكموها طيلة قرون على حساب الأفارقة. وقصة التمييز العنصري سيىء الذكر في روديسيا سابقاً (زيمبابوي حالياً) لا تزال طرية في ذاكرة الناس. وبالطبع رد موغابي على التنديد بالتنديد، واعتبر أن موقف الأوروبيين ليس غير تعبير عن استكبارهم وغطرستهم. وعندما سأله أحد الصحافيين عن الرسالة التي يود توجيهها إلى أوروبا، اكتفى بالتلويح بقبضة يده.
مشادات مماثلة حصلت بين الرئيس السوداني عمر البشير والزعماء الأوروبيين بسبب الوضع في دارفور، إضافة إلى تشنجات أخرى متصلة بالماضي الاستعماري. لكن فشل القمة جاء بشكل رئيسي نتيجة القيود الجمركية التي تفرضها بلدان الاتحاد الأوروبي على الصادرات الأفريقية. منظمة التجارة العالمية تطلب من الاتحاد الأوروبي أن يقرر ما إذا كان سيرفع الحواجز الجمركية أمام البلدان التي لن توقع اتفاقات شراكة جديدة قبل نهاية العام، ويفترض بالاتحاد الأوروبي أن يتقدم بإجابة في أسرع وقت.
على كل حال لم تكن هنالك فرصة أكثر تناسباً مع تقديم الإجابة داخل القمة، لكن الأوروبيين يفضلون على ذلك استمرار العمل بتلك الاتفاقيات. معظم القادة الأفارقة رفضوا ذلك.. رئيس المفوضية الأفريقية ألفا عمر كوناري طالب أوروبا بالتراجع عن طريقتها الاستعمارية في التعامل مع المشكلة. الرئيس السنغالي عبداللاي واد اعتبر أن الموقف الأوروبي هو السبب في عدم التوصل إلى اتفاق. وموغابي رأى أن أوروبا تريد كعادتها مواصلة فرض إرادتها على أفريقيا. وانتهت القمة بمجرد إعلان مبادئ وُصف بأنه منعطف تاريخي تُوصل فيه إلى اتفاقات حول السلم والأمن، مع تأكيد ضرورة استمرار المفاوضات بعد ثلاث سنوات.
 ومن القمة طار الزعيم الليبي إلى خيمته العربية في باحة أحد الفنادق الباريسية، ووقع عقوداً بـ15 مليار دولار، تشتمل على الشراكة في بناء مفاعل نووي سلمي وشراء طائرات مدنية من "إيرباص" ومعدات عسكرية، منها عشر مقاتلات من نوع "رافال" بنصف مليار يورو. وكانت باريس قد عجزت عن تصدير هذه الطائرات إلى أي جهة أخرى. ومع هذا قوبل القذافي بمنطق هو أبعد ما يكون عن منطق آداب الضيافة.. فالاشتراكيون قرروا مقاطعة البرلمان أثناء مشاركة القذافي في إحدى جلساته. وزعيمهم فرانسوا هولاند وصف القذافي بأنه ديكتاتور يأتي محملاً بالبترودولارات لشراء الأسلحة. الاشتراكي العريق الذي أصبح ساركوزيا برنار كوشنير، انتحى جانباً وأكد أنه من غير الممكن نسيان ضحايا النظام الليبي، منبهاً إلى المخاطر الكبرى التي يطرحها التعاون مع ليبيا. إحدى الجمعيات التي لا تحب النووي طالبت باعتقال القذافي بتهمة المسؤولية عن ممارسة التعذيب. أما وزيرة شؤون حقوق الإنسان الشابّة من أصل أفريقي راما ياد، فقد فتحت "صندوق بيدار" ولم توفر كلمة قاسية إلا وقالتها بحق القذافي! ألم يجد يوماً يأتي فيه إلى فرنسا غير اليوم العالمي لحقوق الإنسان؟! ليس على فرنسا أن تسمح للقذافي بأن يطبع على جبينها قبلة الموت! فرنسا ليست ممسحة للأرجل ليأتي رئيس إرهابي أو غير إرهابي ويجفف فوقها رجليه من دماء ضحاياه! فرنسا ليست مجرد ميزان تجاري، ومن المخجل أن تقتصر الزيارة على توقيع العقود!! وأخيراً ألم يقل القذافي في لشبونه إن الإرهاب الذي يمارسه الضعفاء أمر مشروع؟ والممرضات البلغاريات والطبيب ذو الأصل الفلسطيني أجلوا زيارتهم إلى باريس إلى ما بعد رحيل القذافي.. رئيس الوزراء فرنسوا فيون قال من الأرجنتين إنه سيكون له كلام مع وزيرته، وهاجم الاشتراكيين الذين يعطون دروساً في غير محلها، منوهاً بأن فرنسا استقبلت القذافي بعد أن قام بتغيير سلوكه، بينما زعيمهم فرنسوا ميتران ذهب إلى لقائه في كريت عام 1984. أما ساركوزي فبرّر الزيارة بكلام مبطن قال فيه إنها تهدف إلى تشجيع عودة القذافي إلى المسؤولية الدولية. وبطانة كلامه هي على الأرجح ما رشح على لسان راما ياد. ومجمل الزيارة عكس طبيعة علاقة الشراكة بين أوروبا وأفريقيا.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد 1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007

2007-12-14