ارشيف من : 2005-2008
استنكار خليجي لتهديدات وزير الحرب الأميركي ضد ايران: الملك عبدالله يدعو احمدي نجاد لأداء مناسك الحج

طهران ـ "الانتقاد"
لم تزل المواجهة الاميركية ـ الايرانية المتعددة الابعاد والاشكال تصنع الحدث السياسي وتترجم موازين قوى ونتائج سياسات ومراهنات وصراع "عمره اكثر من 60 عاما" كما اشار الرئيس الايراني احمدي نجاد في معرض حديثه عن "تقرير المخابرات الاميركية كخطوة ايجابية، وان اعقبها الاميركيون ببضع خطوات ايجابية اخرى فمن الممكن الوصول الى حلول وتفاهمات على كثير من قضايا المنطقة"، مذكرا انه دعا ولا يزال الى مناظرة مع الرئيس الاميركي جورج بوش لبحث القضايا العالقة. هذه الأجواء الايجابية التي تلقفتها الصحافة الغربية كبادرة حسن نية ايرانية اربكت بوش الذي لم يجد في جوابه عن أسئلة الصحافة الايطالية سوى التذكير بأن ايران هي خطر!
التقرير المذكور فتح باب التحليل والتكهنات حول افق السياسة الاميركية المقبلة بعد ان فشلت في ترويج معزوفة الضربة العسكرية، وشكل خيبة امل للوبي الصهيوني ونظام تل ابيب. فليس من قبيل المصادفة ان تفتح ملفات عديدة لادانة ال C. I. A والتشكيك في مصداقيتها عبر حملة تشهير سياسي وإعلامي مفاجئ.
لعل اطلالة وزير الحرب الاميركي غيتس في البحرين وتنظيره لدرع صاروخية في مقابل الخطر الايراني تجيب ولو بشكل نسبي عن هذه التساؤلات. فالتقرير لم ينه الصراع ولا احتمال المواجهة العسكرية، بل لعله اراح قليلا اعصاب الجمهور الاميركي القلق من تورط آخر في حرب اخرى خاسرة, ليوتر اعصاب بعض الدول الخليجية العربية ويدفع بها لتحشيد تتحاشاه وترفضه ضد ايران، وهذا ما سارع المسؤولون في اكثر من دولة خليجية لتأكيده للحكومة الايرانية, مشددين على اجواء الانفراج والتعاون والتنسيق التي تجلت في مشاركة الرئيس احمدي نجاد ولاول مرة في اجتماع مجلس التعاون الخليجي، هذه المشاركة التي اغاظت الادارة الاميركية الخارجة من مؤتمر انابوليس الفاشل في شقيه الفلسطيني والايراني حيث لم يعط العرب "المعتدلون" اي ضمانة للراعي الاميركي بالنية او القدرة على تشكيل جبهة ضد ايران.
الاشارات العربية الخائبة من انابوليس وخريف بوش تميل الى اجواء التهدئة والتعاون مع ايران. امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى يؤكد ان تقرير المخابرات الاميركية قد اعاد خلط الاوراق لمصلحة الحق والمنطق الايراني بحل المسألة النووية عن طريق المفاوضات وعبر الوكالة الدولية. وزير الخارجية المصري يوفد مساعده حسين ضرار (السفير السابق في لبنان) الى طهران لتسليم رسالة "ايجابية" حول العلاقات المصرية ـ الايرانية والتعاون المشترك لحل قضايا المنطقة.
الحركة الرمزية الاهم تمثلت في دعوة الملك السعودي عبدالله للرئيس الايراني احمدي نجاد لزيارة السعودية واداء مناسك الحج, جريا على عادة الملك بدعوة رئيس دولة مسلمة في كل عام. هذه الدعوة بدأت بوادرها على هامش جلسة مجلس التعاون الخليجي حيث تنقل الاوساط المتابعة ان الملك عبدالله قال لنجاد: هل تحضر للحج هذه السنة ان دعوناك؟
الرئيس الايراني وكما صرح فيما بعد بأنه "من الادب اجابة الدعوة" على الرغم من القرار الذي كان اصدره سابقا بمنع سفر حج المسؤولين الذين قد ادوا مناسك الحج الواجب سابقا, الا ان اجواء "الوحدة والانسجام الاسلامي" وهو اسم العام الايراني الحالي تفرض على الرئيس تلبية الدعوة والتي ان تمت فإنه يتوقع ان تساهم في سياسة الاخوة والتعاون التي تنتهجها ايران مع جيرانها العرب "رغما عن انف" الشياطين الكبيرة والصغيرة كما يحلو لبعض الساسة الايرانيين ان يصف الضغوط الاميركية ـ الاسرائيلية على العرب لمواجهة طهران.
في الملف النووي انهى وفد خبراء الوكالة الدولية للطاقة محادثات استمرت لمدة ثلاثة ايام في طهران تمحورت حول موضوع التلوث النووي، وهو الموضوع الرابع من اصل ستة مواضيع اساسية عالقة بين طهران والوكالة على المستوى التقني، وقد جرى حل ثلاث نقاط سابقا ورد ذكرها في تقرير البرادعي الشهير.
في هذا الوقت فشلت المساعي الاميركية ـ الفرنسية في التوصل الى مسودة قرار ثالث ضد ايران في مجلس الامن، واشارت المصادر الاوروبية الى ان تقرير المخابرات الاميركية قد ساهم في اصرار الروس والصينيين على رفض فرض مزيد من العقوبات غير المبررة بعد الاعتراف الاميركي بخلو الملف النووي الايراني من اي مشروع عسكري, ويناور الجانب الاميركي كي يعدل في مسوّدة القرار محاولا تحصيل اجماع في دول 5+1 للايحاء بأن العقوبات والضغوط الدولية سابقا قد أرغمت ايران على توقيف مشروع عسكري نووي مزعوم، وانها حاليا ـ اي الادارة الاميركية ـ قد اوقفت اجواء التهديد بشن ضربة عسكرية، وعلى بقية الدول ان تواكبها في سياسة العقوبات والضغوط! الامر الذي رفضه الروس بإعلان وزير خارجيتهم بأن ايران قبل 2003 لم تمتلك اي مشروع تسلح نووي، فيما كان الجانب الصيني يوقّع عقدا مع الايرانيين في مجال الغاز قيمته مليارا دولار متحديا الاميركيين, الذين صرح وزير حربهم بأنه يشعر باليأس عندما يرى دولا كالصين تسارع الى الاستثمار الاقتصادي مع ايران.
وفي هذه الاثناء تلوح في الافق اجواء انفراج قريب في العلاقات الايرانية ـ البريطانية قد تظهر بوادرها خلال الايام القليلة المقبلة، فيما ربط الرئيس الفرنسي زيارته لايران بما اسماه تعاون ايران مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الامر الذي اعتبره بعض المسؤولين الايرانيين "نكتة سمجة" حيث ان ايران تملك رقما قياسيا في التعاون مع مفتشي الوكالة، وما كلام ساركوزي سوى نوع من التراجع التدريجي غير اللبق عن مواقف متشددة سابقة.
الاشارات الايرانية الايجابية قوبلت من الادارة الاميركية بمزيد من المكابرة الظاهرية، وان كانت اجواء اللقاء المرتقب في بغداد بين الوفدين الاميركي والايراني وما سينتجه من انفراجات في العراق، ستترجم الضعف الاميركي والحاجة الى تنازلات عملية للخروج من مآزق عديدة في العراق وأفغانستان وبالطبع لبنان.
الانتقاد/ العدد1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007