ارشيف من : 2005-2008
تفجيرات الجزائر: أهداف منتقاة للقاعدة تظهر قدراتها العملانية

شكل الاعتداءان اللذان نفذهما "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والذي كان يسمي نفسه "الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية" مناسبة لإعادة تقويم وضع هذه المجموعات المسلحة في الجزائر، على عتبة انتهاء عام جديد لم تتوقف فيه أعمال العنف في هذا البلد، بل سجل وتيرة مرتفعة في بعض الأشهر، وان كان شهرا تشرين الأول والثاني الماضيان الأقل عنفا من حيث حصيلة الضحايا، حيث سقط أربعة قتلى فقط خلال تشرين الثاني/ نوفمبر، في حين سجل تشرين الأول/ أكتوبر ستين قتيلا، وايلول/ سبتمبر 105 قتلى، لتكون حصيلة العام 2007 حتى الآن 413 قتيلاً مقابل 400 خلال 2006 و480 خلال 2005.
الاستنتاج الأول الذي خرج به الخبراء المتابعون للازمة الجزائرية من الانفجارين اللذين هزا العاصمة الجزائرية هو ان تنظيم القاعدة لا يزال يحتفظ بقدرات عملانية كاملة برغم النكسات الكبرى التي اصيب بها مؤخراً، وخصوصا في الشهرين الماضيين بخسارته عددا من مخططيه الاستراتيجيين من دعاة تصعيد الهجمات في المدن واستخدام الانتحاريين. وتقوم هذه الاستراتيجية على تنفيذ الاعتداءات في المدن بعد الخسائر الفادحة التي مني بها في الغابات معقله التقليدي حيث بات الوضع فيها يزداد صعوبة بسبب مشكلات لوجستية مثل نقل الاسلحة والمؤن وتأمين وسائل الدعم، وخصوصا ان تدبير الهجمات بالسيارات المفخخة اقل تعقيدا من تدبير هجمات ضد الجيش الجزائري انطلاقا من الغابات. وهذا الامر يعكس صعوبة امام الحكومة في مواجهة هذه الاستراتيجية برغم تعزيزها الحواجز الامنية وزيادة النشاط الاستخباراتي في الاحياء حيث يتمركز حاليا عمل التنظيم.
وبرغم ان هناك حديثا سابقا عن احتمال تنفيذ هجمات فإن الضربة الاخيرة اعطت مؤشراً اضافياً على صعوبة المهمة التي تواجه الحكومة وفشل اجراءاتها، إذ ان احد انفجاري الاثنين الماضي (10/12/2007) نفذ في حي حيدرة الخاضع لحراسة مشددة حيث توجد مقار عدة وزارات وسفارات ومنازل ديبلوماسيين، ويقيم فيه ايضا العديد من كبار مسؤولي الدولة، فضلا عن انه استهدف مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، وبرنامج الامم المتحدة الانمائي في هذا الحي، في حين استهدف الهجوم الثاني مقري المحكمة العليا والمحكمة الدستورية في حي بن عكنون المجاور. واللافت انهما ضربا في آن معاً الاهداف التي يقصدها التنظيم: وهما رموز الدولة والمصالح الاجنبية، بما يعني ان المنفذين ارادوا توجيه رسالة مفادها ان نشاطهم الموجه لضرب مصالح السلطة ومصالح الخارج قادر على العمل في وقت واحد. فضلا عن ان مستوى الاهداف المقصودة يعتبر الارفع من حيث المسؤولية، وهو ما يحرص عليه التنظيم في بعث رسائله من انه لا يقصد اهدافا عادية، بل تلك التي يحتاج الوصول اليها عملا مضنيا ومتابعة دقيقة امنية ولوجستية، وهو ما حصل في الهجمات التي استهدفت موكب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في باتنة في السادس من ايلول/ سبتمبر (22 قتيلاً) وثكنة لخفر السواحل في دليس بعد يومين اوقعت (30 قتيلاً).
كما بدا واضحا التوقيت الرمزي لتنفيذ الاعتداءات في الحادي عشر من الشهر الجاري ليتشابه مع اعتداءات مماثلة استهدفت في 11 نيسان/ ابريل قصر الحكومة ومركزا للشرطة في ضاحية العاصمة واسفرا عن سقوط ثلاثين قتيلا، وفي 11 تموز/ يوليو الماضي حيث قتل عشرة عسكريين في ثكنتهم وجرح 35 آخرون في الاخضرية جنوب شرق العاصمة في هجوم انتحاري بشاحنة تبريد ملغمة بمتفجرات دفعت بسرعة كبيرة على الثكنة.
وقد بات هذا التاريخ موضع ترقب محلي في ظل شائعات تسري في العاصمة منذ اشهر تفيد ان الاسلاميين الجزائريين يريدون تنفيذ اعتداء مثير في 11 من كل شهر احتفالا بهجمات الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.
وازاء الجدل التقليدي الذي يثار عقب كل هجوم عن مآل مشروع المصالحة الوطنية والاسلوب الذي يفترض ان يتبع لمعاجة هذه الحالة، بين دعوات للتشدد والاستئصال واخرى لابقاء سياسة اليد الممدودة للذين يوافقون على تسليم انفسهم، فإن هذه المجموعات ترفض الانخراط في مشروع المصالحة، بل تعتبره فخا نصبته لهم السلطات لمنع قيام الدولة الاسلامية التي تمثل هدفهم النهائي. فتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي يسعى لتوحيد المجموعات الاسلامية المسلحة في تونس والمغرب والجزائر وفي منطقة الساحل، بقيادة عبد الملك دروغدال الملقب ابو مصعب عبد الودود، الذي يرى في الاردني ابو مصعب الزرقاوي مثلا اعلى له. وقد حرص دروغدال على التخلص من "الامراء" الذين ارادوا تسليم السلاح للافادة من "العفو" الذي اعلنه بوتفليقة في اطار سياسة المصالحة الوطنية المطبقة منذ شباط/ فبراير 2006. فعمل على تصفيتهم تدريجيا سواء سياسيا او جسدياً بعدما انضم خصم دروغدال مؤسس الجماعة السلفية حسان حطاب الى هذه السياسة مسلماً نفسه للسلطات.
ويتجاوز خطاب هذا التنظيم النطاق المحلي ليدعو الى ضرب المصالح الغربية لا سيما منها الفرنسية والاسبانية في كافة انحاء المغرب العربي، ويهدد بنقل نشاطاته الى اوروبا حيث تقيم جالية مغربية كبيرة. وعليه فإن هذه المواجهة المستمرة تبقى مفتوحة على توقعات بهجمات جديدة من ناحية لان قاعدة المغرب لديها مشروع خاص بها، ومن ناحية اخرى للتأكيد في كل مرة ان عمليات المطاردة التي تتعرض لها لم تؤثر على امكانياتها اللوجستية، مع الاشارة الى ان هذه المجموعات باتت معزولة فكرياً ولا تمثل الاتجاه الاسلامي الذي يرفض هذا الاسلوب العنفي، فضلا عن عزلتها الامنية.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007