ارشيف من : 2005-2008
بشارة الخوري أول رئيس جمهورية في عهد الإستقلال

أشده بين الكتلة الوطنيّة التي يرأسها أميل إدّه وهي موالية للفرنسيين ومؤيدة لإنعزال لبنان عن البلاد العربيّة، وبين الكتلة الدستوريّة التي يرأسها الشيخ بشارة الخوري وهي موالية للإنكليز ومؤيدة لتعاون لبنن مع الدول العربيّة. وكان النجاح يومئذٍ للكتلة الددستوريّة. وفي 21 أيلول سنة 1943م انتخب النواب الشيخ بشارة الخوري رئيساً للجمهوريّة اللبنانيّة وقد بادر الأخير بعد إنتخابه إلى تكليف رياض الصلح بتأليف أول حكومة إستقلاليّة في لبنان.
ولقد تألفت هذه الحكومة على النحو التالي:
1. رياض الصلح ـ رئيساً للحكومة ووزيراً للماليّة.
2. كميل شمعون ـ وزيراً للداخليّة والبريد والبرق.
3. سليم تقلا ـ وزيراً للخارجيّة والأشغال العامة.
4. عادل عسيران ـ وزيراً للتموين والتجارة والصناعة والإقتصاد الوطني.
5. الأمير مجيد أرسلان ـ وزيراً للدفاع الوطني والزراعة والصحة.
وفي الجلسة التي عقدها مجلس النواب للإستماع إلى بيان الحكومة ومن ثم إعطائها الثقة على أساسه، أعلن الرئيس رياض الصلح بوصفه رئيساً للحكومة اللبنانيّة "أن لبنان وطن ذو وجه عربي يستسيغ الخير النافع من حضارة الغرب، إن إخواننا في الأقطار العربيّة لا يريدون للبنان إلا ما يريده أبناؤه الأباة الوطنيون، نحن لا نريده للإستعمار إليهم ممراً فنحن وهم إذن نريده وطناً عزيزاً مستقلاً سيداً حراً.
في يوم 20 و25 تشرين الأول 1943م تسلّم المندوب السامي الفرنسي هيللو بالتتابع من الحكومة اللبنانيّة ومن الحكومة السوريّة إنذاراً مماثلاً في معناه تطلبان فيه، إستناداً إلى مبدأ الإستقلال ونص الدستور تحويل المندوبيّة الفرنسيّة إلى تمثيل دبلوماسي، وأن تعيد المندوبيّة لهذه الحكومات جميع مظاهر السيادة والصلاحيات التي ما زالت محتفظة بها.
يوم الإثنين 8 تشرين الثاني إنعقد مجلس النواب في الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، وتغيب عن هذه الجلسة الدكتور أيوب ثابت والسيّد أحمد الحسيني والنائب الأرمني ديركالوسيان، تهرباً من الموافقة على تعديل الدستور. وعند التصويت على التعديل طالب النواب: أميل إدّه وجورج عقل وأسعد البستاني وأمين السعد، وجميعهم من الكتلة الدستورية بإحالة التعديل المطلوب على لجنة لدرسه وتأجيل التصويت عليه ريثما تقرره اللجنة، ولكن الأكثريّة الساحقة من النواب رفضت الاقتراح وصدّق التعديل 48 نائباً بينما انسحب أميل إدّه من الجلسة إحتجاجاً على هذا التعديل وكذلك فعل زملاؤه من الكتلويين.
والجدير بالذكر أن محضر تعديل الدستور أخفاه النائب جوزيف ضو تحت أحد شمعدانات كنيسة الكبوشيّة حتى لا تطاله يد الفرنسيين وتمزقه. وبقي في مكانه إلى ما بعد الإفراج عن الزعماء المعتقلين في راشيا.
في الساعة الثالثة بعد منتصف ليلة الخميس في 11 تشرين الثاني أقدم الجنود الفرنسيون على اعتقال الرئيس بشارة الخوري ورياض الصلح وعادل عسيران وسليم تقلا وعبد الحميد كرامي، حيث وضع الجميع في قلعة راشيا وأُبقوا فيها طيلة 11 يوماً ثم أفرج عنهم بعد أن عمّت البلاد اللبنانيّة الإضطرابات وكانت مطالب الشعب اللبناني منصّبة على الإفراج عن الزعماء المعتقلين وتسليمهم حكم البلاد دون أي تدخل من جانب الفرنسيين.
أثناء وجود الزعماء في قلعة راشيا تألفت حكومة وطنيّة مؤقتة من الوزراء في حكومة الرئيس الصلح ولكن بعد فشل إستخدام الفرنسيين لأميل إدّه في التغلب على تمسك الشعب اللبناني بحكومته الشرعيّة برئاسة بشارة الخوري، وعلى أثر تدخل الدبلوماسيّة العربيّة والأجنبيّة في سبيل العودة بالبلاد إلى حياتها الطبيعيّة تحت ظل الإستقلال وفق البيان الذي ألقاه الرئيس رياض الصلح في جلسة الثقة، أُفرج عن كل الزعماء المعتقلين في راشيا، واستأنف الوزراء جميعهم أعمالهم الرسميّة كما كانوا في المناصب الموكولة إليهم، وكان الإفراج عن أولئك المعتقلين يوم 22 تشرين الثاني 1943 الذي اعتبر من حينها عيداً للاستقلال.
اعترفت سلطات الإنتداب باستقلال لبنان واستمر بشارة الخوري رئيساً للجمهورية، وفي عام 1948 جرى تعديل الدستور اللبناني, وجددت بموجبه ولاية الرئيس بشارة الخوري لست سنوات وقامت المظاهرات في البلاد في 15 أيلول 1952 ونشبت أزمة وزارية, فاضطر الرئيس بشارة الخوري إلى تقديم استقالته بعد أن عين قائد الجيش الأمير فؤاد شهاب رئيساًَ لحكومة عسكرية.