ارشيف من : 2005-2008

"أضحى الشهادة"

"أضحى الشهادة"

كوجه الفراشة.. هو رائف، كساقية حزينة أدمعتها طفلة كربلاء، كخشعة صلاة في محرابها، وعيناه نهران نضاحان عطراً وريحانا، وكفَّاه يتمايلان مع وجه الشمس يرسمان للنجوم مساحة العشق مع وجه البحر..
كوجه الهلال يشرق من المحاق، فيستريح العابد في محرابه، هو كالمحراب الدامع في ليلة السحر.. من رآه غارَ في عينيه كأنهما وردتان في ربيع الحقول، هو رائف، والمقاومة تسكنه، منذ رصاصتها الأولى وكتابها الأول، وإذا بها عشرة للفجر، وفي ظلال البنادق والنخيل والزيتون، كانت رحلة العاشق العابد الزاهد المنكسر قلبه على أبواب الفقراء والأيتام، ممعنا في عجينهم وعشقهم وحياتهم، مع إشراقة فجر الإمام الخميني مشى، هناك، وفي ذلك البيت الجميل المتوقد بالنور الإلهي عرف سر العبادة والصلاة، حمل بندقيته وكان رائداً في العمل الإسلامي، أدرك المقاومة وكان من الذين شكلوا دائرتها، اعتقل هناك في أنصار خلف القضبان والأسلاك الشائكة، وكان صوته وأنين قيده يعلنان أن المقاومة الإسلامية وحدها هي الرد وقوافل الشهداء تصنع النصر.
وكان والده الطيف الجميل الأب الجبل الصابر الحاج أنيس يحمل إليه من خلف الأسلاك إشارة الأرض بالمطر والزهر وطعم زيتون النصر.
كانا معاً في المعتقل، كان مع الأب الواثق والقابض على دينه ومقاومته يوم عزَّ فيه الرجال.. أدخلوا الحاج أنيس الأب إلى المعتقل وكان أقوى من القضبان، هناك كان الأب في ظلال الخيام، هناك كان رائف في ظله، والحاج أنيس كان خيمةً للمجاهدين وكهفاً .. هكذا أنت يا رائف، شيَّعتك القلوب بالأمس، كأن النبطية في عاشرها من المحرم وخرجت القرى دامعة. والنبطية أناخت قلبها لنعشك المبارك وأنت تمرّ    في الأحياء القديمة، وكان الشهيد إبراهيم خضرا رفيق درب البدايات يطلع من تحت التراب ويقول لك خلفك خلفك إنك على الأثر.
والشهيد محمد علي وهب يلملم أوراقك ويفرش قلبه لك وانت تقرع أبواب الجنة.
يا رائفنا ورؤوفاً، يا عاشقاً للمستضعفين، يا زاهداً يا عابداً يا شيخ العبَّاد كما كانوا يسمونك، فكأنك المحراب أينما كنت.. في عينيك الصلاة.. ها هو المسجد يئنّ محرابه، وحجارته الصخرية ترشح دمعاً، كنتما معاً، من رآك كان المسجد في جبهتك، ومن رأى المسجد عرف سر رائف، ومسجد حي السراي ملتقى صلاة البدايات وبين جدرانه خبَّأنا أسرار المسيرة
هو المسجد الآن يحكي ويبكي ويفرح، والمقاومة تحكي عن النورس الذي حلَّق فوق بحر الشهادة وحطَّ رحاله على شاطئ النصر.
عماد عواضة
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007

2007-12-28