ارشيف من : 2005-2008

حدث في مقالة: واشنطن تقلب الطاولة في وجه باريس‏

حدث في مقالة: واشنطن تقلب الطاولة في وجه باريس‏

كتب مصطفى الحاج علي
بات واضحاً أن الأزمة اللبنانية دارت دورة كاملة لتعود إلى النقطة المركزية التي انطلقت منها، أي أزمة الشراكة والمشاركة في الحكم والحكومة معاً. هذه الأزمة التي اتخذت عنواناً سياسياً اسمه الثلث الضامن، الذي رفعته المعارضة الوطنية اللبنانية شعاراً ومطلباً وهدفاً لمجمل تحركها السياسي الداخلي في مواجهة فريق الموالاة المصر على الاستئثار بالقرار السياسي والاجرائي.
ليست مسألة الشراكة والمشاركة في الحكم مسألة بسيطة يمكن التساهل فيها أو المساومة عليها، وذلك لاعتبارات عدة لا بد من الوقوف عندها:
أولاً: لأنها تنسجم مع الأساس الدستوري والحقوقي للنظام السياسي  الطائفي، ومع أساسه الميثاقي وصيغته الخاصة بالعيش المشترك. وهذه الأمور يجب ترسيخها أكثر في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية، هذه الحرب التي كان أحد أسبابها الجوهرية هو استئثار طائفة بالكثير من المميزات على حساب باقي الطوائف.
من هنا، فالتمسك بمطلب المشاركة والشراكة، من شأنه أن يعيد انتظام الحياة السياسية على قواعد دستورية، وأن يقفل إحدى الثغر المركزية المؤدية إلى اندلاع النزاعات الأهلية الداخلية.
ثانياً: إن الشراكة والمشاركة في الحكم هي المدخل الطبيعي لترسيخ مبدأ التوافق في رأس السلطة، ما يجعل هذا المبدأ هو الروح العامة التي تحكم أي قرار أو توجه، الأمر الذي لا بد بدوره من أن يسري في أوصال البنى الاجتماعية، بما يعيد إليه روح التوافق نفسه وكبديل للمشاحنات الطائفية والمذهبية والسياسية.
ثالثاً: إن مبدأ التوافق المستند إلى قاعدة متينة من الشراكة والمشاركة في السلطة هو الكفيل بإقفال منافذ أي تدخل خارجي يكون لغير مصلحة اللبنانيين جميعاً.
وبالتالي هو الكفيل يدفع الجميع لبلورة العنوان الوطني الجامع كمعيار للمصالح السياسية المتضاربة.
في مقابل هذا كله، فإن الاصرار على الاستئثار لن يعني عملياً سوى:
أ ـ الامعان في تعطيل الحياة الدستورية، ما يعني ادخال الصراعات والنزاعات السياسية في اطار خالٍ من أي ضوابط حقوقية أو قانونية، ما يدفع كل فئة إلى أخذ ما تراه حقاً لها بمعزل عن حقوق الآخرين، وعن أي اعتبارات تخضع لموازين الحق والباطل.
ب ـ الامعان في سياسة الاقصاء والنبذ للقوى الرافضة أو المناوئة، ما يبقي حالة التوتر قائمة، ويعمق من التناقضات الداخلية. والأخطر عندما تتحول عملية الاقصاء هذه إلى اقصاءات داخل المجتمع نفسه، فتقصي الطوائف والمذاهب بعضها، وربما تقصي بعض الطائفة بعضها الآخر أيضاً، ما يضع الجميع في مواجهة الجميع، ويخلق كل المناخات الملائمة لاستعادة الصراعات الأهلية.
ج ـ ابقاء منافذ التدخل الخارجي قائمة وبقوة، لأن من طبائع هكذا انقسامات أن تلجأ كل فئة إلى سند خارجي تستقوي به على الفئة المقابلة.
إذاً، ليست قضية المشاركة أمراً يمكن التهاون به. وخطأ فريق السلطة الكبير هو توهمه بأنه كان بإمكانه تجاوز هذه القضية، واختصار كل الأزمة اللبنانية في الاستحقاق الرئاسي على أهميته. ظنت أو توهمت واشنطن ومعها فريقها في لبنان أن مجرد موافقتها على اسم قائد الجيش ميشال سليمان سيؤدي تلقائياً إلى قبول المعارضة، وابقاء ما تبقى على حاله. وإذا شئنا أن نصف مناورة واشنطن وفريقها بدقة لقلنا، إن هؤلاء أرادوا تحويل ترشيحهم لقائد الجيش إلى نوعٍ من الغواية للمعارضة، لحجب أهدافهم الحقيقية والمتمثلة بالابقاء على واقع الأزمة اللبنانية المتمحورة أولاً وأخيراً حول مسألة المشاركة، ما يعني ضمناً الاتيان برئيس جديد للجمهورية  هو مرشح المعارضة أساساً، لكن الاتيان به وهو مرصف بقيود أزمة عميقة وبنيوية، ما يحوله إلى حارس لهذه الأزمة، أو شاهد زور عليها، بدلاً من أن يكون مفتاحاً لحلها، أو شريكاً في هذا الحل.
من هنا، ما قام به الأميركيون في حملة التصعيد التي حركتها زيارات ولش وأبرامز وتصريحات بوش لم تكن إلا لقطع الطريق على مشروع تسوية سياسية توصل إليه الجانبان الفرنسي والسوري، ونال قبولاً لبنانياً ما لبث أن نفاه النائب سعد الحريري فور عودته من المملكة السعودية، والجوهري في مشروع التسوية هذا كان الثلث الضامن.
لنتصور هنا، ولو للحظة واحدة، أن التسوية مشت، وجرى انتخاب سليمان رئيساً، كيف ستكون صورة الأوضاع في لبنان؟ ولنتصور العكس، كيف ستكون عندها الأوضاع.
في مطلق الأحوال، إن رفض التسوية من قبل فريق الموالاة، ومحاولة نقله المشكلة من ملعبه إلى مشكلة بين سليمان والمعارضة، لن تنطلي على أحد، ولن يفيده شيئاً في حجب الحقيقة، حقيقة الأزمة.
أضف إلى ذلك، أن كل سلوكيات حكومة السنيورة الأخيرة غير الشرعية لن تفضي إلا إلى عكس ما ترمي إليه، فكما لا تفيد الهر محاكاة الأسد انتفاخاً، حيث سيبقى الهر هراً، والأسد أسداً، فكذلك لن يفيد هذه الحكومة التظاهر بالقوة، وادعاء الشرعية، وسرقة صلاحيات غيرها، شيئاً، حيث ستبقى حكومة مغتصبة ولا شرعية.
بكلمة أخرى، إن محاولة واشنطن تخيير المعارضة بين أحد خيارين: إما قبول انتخاب سليمان من دون سلة توافق سياسية كاملة جوهرها المشاركة والشراكة، أو ابقاء حكومة السنيورة مالئة للفراغ، وبصلاحيات كاملة، لن يدفع المعارضة للتنازل، بل أكثر من ذلك ستتشدد أكثر في مطالبها، لأن ما يجري يؤكد مصداقية قراءتها للأمور، ولحقيقة ما يجري، وبالتالي يؤكد منهجها للحل.
ولا يخفى على أحد، أن القرارات التي اتخذتها حكومة السنيورة اللاشرعية مؤخراً، هي قرارات تعرف مسبقاً أنها لن تمر، ولا قيمة سياسية لها سوى محاولة أو توهم توزيع الضغط على موقع رئاسة المجلس النيابي، وعلى موقع العماد عون بما يمثل مسيحياً، إضافة إلى إعادة انتاجها للتوتر الداخلي، وتزخيم الاشتباك السياسي مجدداً مع المعارضة التي يعرف فريق السلطة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي، أو موقف المتفرج إزاء ما يحدث.‏
خلاصة القول هنا، إننا إزاء مسار سياسي متوتر مجدداً، وإزاء عودة للاشتباك السياسي الداخلي، ما قد يعني أن زمن المبادرات قد توقف، وأن حال الفراغ قد تطول، لكن يبقى السؤال المهم: هل سيتمادى فريق الموالاة في توتيره للأجواء عبر قرارات ومواقف مستفزة، أم سيلزم مجدداً سقف التهدئة؟ إن الأيام المقبلة هي التي ستحمل الإجابة الحاسمة، وعندها سيظهر ما إذا كان هذا الفريق سيغامر بكل شي‏ء، أم يعود إلى رشده قبل فوات الأوان.
الانتقاد/ العدد 1247ـ 28 كانون الاول/ديسمبر2007

2007-12-28