ارشيف من : 2005-2008
أفغانستان: بين هموم بوش وتعب الحلفاء

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي زار أفغانستان السبت الماضي بالتزامن مع رئيس الوزراء الأوسترالي المنتخب حديثاً كيفين رود.. والأحد كان الدور لرئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي. استعراض قد يدفع رؤساء غربيين آخرين لزيارة كابول.. لا تنسيق ـ على ما يقولون ـ بين هذه الزيارات التي لا تهدف إلى أكثر من مشاركة الجنود الغربيين في أفراح عيد الميلاد والتداول مع الرئيس حامد قرضاي حول تطورات الوضع الأفغاني. لكن الناطق باسم وزارة الخارجية الأفغانية سلطان أحمد باهين، يرى في هذه الزيارات ما هو أبعد من ذلك: "دليل ساطع على الدعم الدولي القوي لرئيسنا وبلدنا ولحربنا على الإرهاب"، على ما جاء في تصريح أدلى به للمناسبة. لكن الدعم الدولي لا يبدو قوياً بما فيه كفاية للرئيس الأميركي، وذلك هو التفسير الأكثر منطقية لهذا الهروع إلى أفغانستان من قبل الرؤساء تعويضاً عن فتور الهمة في إرسال الجنود. والفتور مردّه إلى تضعضع الأمل في تحقيق النصر بعد كل هذه السنوات من الحرب التي أطلقها الرئيس بوش على نظام طالبان عام 2001. رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر لم يحضر إلى أفغانستان، لكنه أكد من أوتاوا أن الوضع صعب جداً، مضيفاً أن كل شيء سار على ما يرام خلال الأسابيع الأولى من الحرب عندما سقط نظام طالبان، لكن الأمور اتجهت نحو التعقيد في ما بعد لتجعل من العام 2007 العام الأكثر دموية قياسا إلى الأعوام السابقة. والسبب في رأيه أن الأسرة الدولية تركت الأعوام تمر تباعاً من دون أن تقوم باجتثاث طالبان، مختتماً: "إن الشباب (الجنود) يقومون بعمل رائع, لكن الوضع صعب جداً".
والجدير بالذكر ان (71) جندياً كندياً قُتلوا منذ بداية الحرب من أصل 2500 جندي أرسلتهم كندا إلى أفغانستان، وهذا الوضع يصب في طاحونة المعارضة التي يطالب أحد أحزابها بانسحاب فوري، في حين يطالب حزبان آخران بالانسحاب قبل شباط/ فبراير 2009، وسط تصاعد ميل الرأي العامّ الكندي إلى نفض اليد من أفغانستان.
الرئيس الفرنسي من جهته مصر على ضرورة أن ينتصر "العالم" في أفغانستان وأن يقضي على الإرهاب والتطرف.. غير أنه تجاهل دعوات بوش إلى المزيد من إسهام الحلفاء في الجهد الحربي، ولمّح إلى أهمية العمل عن طريق إرسال مدرّبين لتدريب الجيش الأفغاني.
الأوسترالي كيفين رود فاز في الانتخابات بعد تبنيه شعار الانسحاب من العراق، لكنه يقول الآن إن الانسحاب من العراق سيحصل بهدف توجيه اهتمام أكبر إلى أفغانستان.. إلا أن هذا الاهتمام اقتصر حتى الآن على الوعد بالبقاء في أفغانستان فترة "طويلة"، وعلى محاولة إقناع الحلفاء بعدم الانسحاب وتعزيز وجودهم الحربي.
أما برودي، فإنه يتعرض لضغط قوي من قبل الشارع الإيطالي، ولا يبدو جاهزاً للاستمرار في المشاركة بالحرب.
قائد عمليات الحلف الأطلسي في أفغانستان الجنرال جون كرادوك متفائل بحذر من انضمام المزيد والمزيد من الأفغان إلى صفوف طالبان، لكنه يقول في الحديث نفسه إن السكان ليسوا ضد قوات "التحالف"، وإن المشكلة تأتي من حكومتهم المطالبة بالمزيد من حسن الإدارة. وإضافة لمطالبته بتكثيف الجهد العسكري، يعتقد الجنرال كرادوك أن الاستثمارات مهمة، وأن تدفق الأموال على أفغانستان من شأنه أن يغير المعادلة، الأمر الذي وضعه المراقبون في خانة اليأس من تحقيق انتصار عسكري حاسم، والبحث عن بدائل شبيهة بتلك التي يقترحها ساركوزي.
أما الرئيس بوش، صاحب الدعوات الملحة لرفع مستوى إسهام الحلفاء في الجهد الحربي، فإنه يضع أفغانستان في مقدمة همومه للعام الأخير من ولايته. فإقراره بالفشل هو في أساس قوله بضرورة إعادة النظر في الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، لكن خوفه الأكبر ـ على ما قاله مؤخراً في بعض تصريحاته ـ هو من أن يقول البعض إنهم تعبوا ويريدون الانسحاب.. وهذا ما يفسر المديح الذي يكيله للبريطانيين والكنديين والأوستراليين والهولنديين والدانمركيين الذين يقفون بثبات على خطوط المواجهة، وإعراضه عن ذكر الألمان والفرنسيين.
وجملة القول ان أكثر الغربيين الذين يحضرون لقمة الأطلسي في نيسان/ أبريل القادم، وهي مكرسة بأكملها لأفغانستان، لا يبدون حماسة لاستمرار الحرب. الرئيس الأفغاني حميد قرضاي يبدو أنه فهم الرسالة ويحاول بناء جسور للحوار مع طالبان، وزعيم طالبان الملا عمر يعد بشتاء قاسٍ، وبتوجيه ضربات أكثر شدة لقوات الاحتلال.
ع.ح
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007